اخر الاخبار

الاقتصادي البريطاني الماركسي، مايكل روبرت، يعتبر أن الازمات المختلفة التي يمر بها العالم حاليا، هي بمثابة ركود طويل للرأسمالية بدأ منذ عام 2008، ولا يرى غير الاشتراكية حلا.

مايكل روبرت،  اقتصادي غير عادي، فهو ومنذ 40 عاما ناشط في المركز المالي في لندن،وكان يراقب من الداخل حركة الاقطاب المركزية للرأسمالية اضافة إلى كونه ناشطا اجتماعيا، بعد تقاعده بدأ في تطوير تحليله الماركسي للرأسمالية المعاصرة  في المجال الاقتصادي وتقديم وجهة نظر حول الاوضاع المالية للاقتصاد، إنه مدافع قوي ومقتنع بأن معدل الربح هو في هبوط متواصل وهو بذلك يختلف عن كثير من الاقتصاديين الماركسيين الذين يركزون في هذه النقطة على نقص الاستهلاك او عدم المساواة، في حين ان روبرت يركز على الاتجاهات العميقة في ربحية النظام الرأسمالي دون أن يهمل الاسباب الأخرى.

في عام 2016، نشر كتاب بعنوان “ The long Depression—Haymarket” يدافع عن فكرة أن النظام الرأسمالي دخل منذ عام 2008، في حالة” نشاط متباطئ “ هذه الاطروحة طورها في كتاب أكثر تفصيلا بالتعاون مع جوجليلمو كارنشيدى، صدر عام 2018، تحت عنوان “ The World in Crisis”

الصحفي روماريك كودن، أجرى مقابلة مع مايكل روبرت حول مفهوم الأزمة المتعددة،”polycrise “مفهوم جديد صاغه المؤرخ البريطاني “ ادم توز” وبسبب انتشاره تمت مناقشته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في شهر يناير2023.

س: مصطلح الأزمة المتعددة “ polycrise “ وضع حديثا من قبل ادم توز، كيف تفهم هذا المصطلح وهل يبدو لك مناسبا لفهم الوضع الاقتصادي العالمي الحالي؟

ج: هذا المصطلح يعبر عن وجود أزمات متشابكة متعددة: اقتصاديا (التضخم، قلة النمو) بيئيا (المناخ، الوباء) جغرافيا (الحرب والانقسامات الدولية) وهو مصطلح مفيد من هذه الناحية ولكنه يخفي السبب الحقيقي لهذه الأزمات وهو فشل النظام الرأسمالي.

س: في قلب مفهوم “الأزمة المتعددة”، توجد أزمة الرأسمالية، ما هي قراءتك لهذه الأزمة؟

ج: إحدى اطروحاتي الاساسية تتعلق بالرأسمالية المعاصرة ومنذ عام 2008 دخل الاقتصاد الرأسمالي في فترة ما يسمى “ فترة ركود” في كتابي الذي صدر عام 2016، أميز بين ما يطلق عليه معظم الاقتصاديين بالانكماش الاقتصادي او انخفاض الانتاج والاستثمار والعمالة وبين “ الركود الاقتصادي” في نمط  الانتاج الرأسمالي حيث يتم التحكم في الانتاج من أجل الربح الناتج عن العمل البشري من قبل مجموعة ممن يمتلكون وسائل الانتاج، توجد هناك فترات ركود منتظمة ومتكررة،دورية كل 8-10 سنوات منذ بداية القرن التاسع عشر، يلاحظ أن الانتاج يأخذ بالارتفاع لعدة سنوات ثم يعود بالتراجع ويدخل في فترة ركود جديدة.

حالة “النشاط المتباطئ “ تختلف، فبدلا من الخروج من الانكماش الاقتصادي، تبقى الاقتصاديات الرأسمالية في حالة من الكساد مع انخفاض في مستويات النشاط الاقتصادي والاستثمار والعمالة مقارنة بالفترة السابقة.

هناك ثلاثة فقط من هذا النوع من “النشاط المتباطئ “ في الرأسمالية، الاول أصاب  الولايات المتحدة و أوربا   1873-1897، خلال هذه الفترة كانت هناك فترات قصيرة للنمو ولكن أيضا سلسلة متوالية من الانكماش، في النهاية ظل النمو أضعف بكثير عما كان عليه في فترة التوسع خلال الاعوام 1850-1873، الثاني والذي يسمى بالكساد العظيم الذي استمر من عام 1929 حتى عام 1941 إلى نهاية الحرب العالمية الثانية وهنا أيضا أصاب الولايات المتحدة الامريكية  و أوربا واسيا وأمريكا الجنوبية، اما الثالث فبدء مع الانهيار المالي الكبير في الفترة 2007-2008،  استمر لمدة عقد من الزمن حتى عام 2019، ولا يقتصر الامر على أن الاقتصاديات الكبرى شهدت نموا اقل مما كانت عليه قبل عام 2007، ولكن تتجه ايضا إلى انكماش جديد وصولا إلى أزمة الجائحة مما جعل الاقتصاد العالمي في انكماش حاد شديد الخطورة، ومع خروج الاقتصاديات الكبرى من الأزمة الجائحة ليقع العالم في أزمة أخرى، الحرب الروسية -الأوكرانية (المقالة نشرت قبل الحرب الاسرائيلية-الفلسطينية-المترجم) وعواقبها على التنمية الاقتصادية والتضخم والبيئة.

س: كيف تحولت أزمة الرأسمالية هذه إلى أزمة أوسع للتنمية البشرية والاستقرار العالمي؟

الجواب: التناقضات في نمط الانتاج الرأسمالي تعززت في القرن الواحد والعشرين، توجد في الوقت الحاضر ثلاث مكونات لهذه الأزمة، الأول اقتصادي مع عواقب الأزمة المالية 2007-2008، ذات ابعاد غير مسبوقة وكذلك عواقب الركود الاقتصادي الكبير للفترة 2008-2009، الاقوى منذ عام 1930، المكون الثاني، بيئي مع جائحة كورونا هو نتاج بحث الرأسمالية عن الربح من خلال التحضير غير المنضبط والحاجة إلى الطاقة والتنقيب عن المعادن والزراعة الصناعية التي تسببت في الامراض من خلال الحقول الزراعية وربما المختبرات باتجاه الانسان وكانت النتائج مدمرة، بدون ان ننسى كابوس الانحباس الحراري. المكون الثالث للأزمة هو التناقض الجيوسياسي الذي نجم بين الرأسماليات من أجل الربح في فترة الكساد الاقتصادي، كما ان المنافسة الشديدة بين القوى الامبريالية حول مجموعة G7، وهناك اقتصاديات رفضت المشاركة مثل الصين وروسيا، نتيجة لذلك نرى أن كافة الصراعات الجيوسياسية من العراق إلى افغانستان مرورا باليمن واوكرانيا، أدت إلى حروب متزايدة، والمعركة بين امريكا والصين حول تايوان تقترب.

س: خلال الأزمة الحالية هناك أحد ركائز النمو لا زالت تقاوم وهي العمالة، كيف تفسر استمرار انخفاض معدلات البطالة؟

ج: حقيقة أن معدلات البطالة الرسمي تقترب من ادنى مستوياتها منذ ما يقارب نصف قرن في الاقتصاديات الكبرى، بمستويات متفاوتة ( اعلى في اوروبا واقل في أمريكا واليابان)، يرجع هذا جزئيا إلى تحول الشركات من الاستثمار في التكنولوجيا المقتصدة في العمالة إلى استخدام عمالة رخيصة ضمن التكنولوجيا المستخدمة حاليا، بالإضافة إلى التوسع في قطاع الخدمات في الاقتصاديات الكبرة مثل الصحة، السياحة، المرافق الترفيهية، والتي تستخدم المزيد من العمالة لكل وحدة انتاجية، كما أن هذا القطاع يدفع غالبا أجورا منخفضة ويدعم العمل المؤقت والجزئي، واذا نظرنا إلى معدل العمالة للسكان في سن العمل فإن النسب تنخفض والأسباب عديدة ممن تركوا سوق العمل، منها العودة إلى الدراسة او اخد تقاعد مبكر، فئات لم تستطع العودة إلى العمل بسبب اصابتهم بالجائحة لفترة طويلة، فئات مدمنة على المواد الأفيونية كما في أمريكا، في بريطانيا هناك اكثر 2.5 مليون انسان مصاب بأمراض طويلة الامد لا يستطيعون العمل وهو رقم كبير. يظهر أن هناك تناقضا جديدا في السنوات المقبلة: انخفاض النمو الاقتصادي، انخفاض الدخل الحقيقي مع انخفاض معدلات البطالة وصعوبة الحصول على العمالة من قبل الشركات.

س: هل تعتبر الأزمة التضخمية مرحلة جديدة في الأزمة العالمية؟ ارتفاع اسعار الفائدة يبدو أنه يهدد عدة مصادر للنمو، دون أن ينجح في احتواء التضخم الإ عن طريق ركود اقتصادي.

ج: ارتفاع معدل التضخم الذي أعقب أزمة الجائحة اوجد تناقضا جديدا من نتاج أزمة الوباء التي ادت إلى قلة العرض والنقل الدولي مع اختناقات ونقص العمالة في القطاعات التي خرجت من القيود الصحية، مما ادت إلى استمرار دوامة التضخم في الطاقة والغذاء والتي استغلتها الشركات المتعددة الجنسيات لرفع الاسعار وزيادة الارباح.

إن الطريقة الوحيدة للخروج من “ الأزمة المتعددة” هي تغير نمط الانتاج الرأسمالي بنمط اشتراكي السياسات النقدية والضريبة التقليدية غير مجدية للسيطرة على ارتفاع التضخم، لأنها تسعى إلى تقليل الطلب الكلي من خلال تقليل الدخل وزيادة تكلفة الاقتراض، لذا قامت البنوك المركزية برفع اسعار الفائدة، مع انخفاض قليل لان اسعار المواد الغذائية انتعشت مع بقاء التضخم الاساسي اعلى بكثير من مستوياته قبل الأزمة الصحية.

س: هل ملاحظتك حول “ الركود الطويل “ تفسير للأزمة المتعددة تتطابق مع فكرة هيريك جروسمان التي وضعها عام 1929؟ بتعبير آخر هل الأزمة المتعددة هي أعراض انهيار الرأسمالية بسبب عدم قدرتها على مواصلة تراكم رأس المال؟

ج: حجة جروسمان، هو أن نمط الانتاج الرأسمالي يتعرض لأزمات انتاج واستثمار منتظمة بسبب الانخفاض لربحية رأس المال، هذا هو المفتاح الرئيسي للتناقض داخل الرأسمالية بين البحث عن زيادة انتاجية العمل والسعي إلى زيادة ربحية رأس المال وينتج عن هذا التناقض ازمات وكسادات منتظمة ويزيد من خطر نشوب الصراعات دولية ومحاولات جديد لرأس المال للضغط على العمل.

هل تستطيع الرأسمالية أن تخرج من كسادها الحالي وتعكس “الأزمة المتعددة”؟ لم يقل جروسمان أن الرأسمالية سوف تنهار ولكن من الصعوبة الهروب من الركود الاقتصادي وانخفاض الربحية، مع ذلك كما يقول ماركس، لا توجد أزمة دائمة في ظل الرأسمالية، إذا تمكنت من التعافي بسرعة فقد يؤدي إلى توفر شروط جديدة للتوسع، ها هذا ممكن؟ الذكاء الاصطناعي والروبوتية قد تكون احدى عناصر التغيير مما يعزز انتاجية العمل من خلال الغاء ملايين الوظائف التي تؤديها سابقا الايدي العاملة.

في الواقع، الطريقة الوحيدة لخروج الانسانية والطبيعة من “ الأزمة المتعددة” الحالية هو تغيير نمط الانتاج الرأسمالي بالاشتراكي، بمعنى آخر من خلال اقتصاد مشترك تديره وتخططه مجموعة من العمال دون شركات رأسمالية تنتج من أجل الربح ويتم انشاؤها على المستوى العالمي لوقف النزاعات والحروب من أجل الموارد الأولية والارباح، أن لم يحدث ذلك، كما قال ماركس، فإن كل هذه الاضطرابات تستمر وتزداد سوءا مع كل عقد من الزمن.

ــــــــــــــــــ

المصدر: ميديا بار

عرض مقالات: