اخر الاخبار

اعتبر كارل ماركس أن الصراع الطبقي هو أساس تطور التاريخ ومحرّكه، وان كل مجتمع انساني هو ثمرة للصراع بين الطبقات. ففي كل مراحل التطور البشري حصل صراع بين الطبقات الاجتماعية، بسبب غياب العدالة الاجتماعية، ما أحدث فجوات طبقية قسمت المجتمع بين طبقة مستغَلة وطبقة مستغِلة، بين الظالمين والمظلومين، بين المضطهَدين والمضطهِدين. وبطبيعة الحال يميل هذا النوع من الصراع إلى الاستقطاب المستمرّ في اتّجاهين متعارضين.

 لم يكن المجتمع العراقي خارج سياق البلدان التي تغيّب أنظمتها المتسلطة العدالة الاجتماعية، فتكونت فجوة طبقية في المجتمع ظلت تتسع باضطراد. فهناك حفنة من المتخمين الذين أثروا عبر التطاول على المال العام، وعشرات الملايين من المواطنين الذين يرزحون تحت خط الفقر، وبقى هذا الحال يلازمهم حتى في السنوات التي ارتفعت فيها عوائد النفط، الذي رغم موارده الكبيرة أثمر فقرا واسعا، بسبب الإدارة النفعية والاستغلالية للأنظمة الحاكمة. فلم تحقق عوائد النفط شيئا للكادحين والفقراء في غياب العدالة في توزيع الدخل والمنافع على فئات الشعب المختلفة، وفي ظل تغييب حق المواطن العراقي في التمتع بمستوى معيشة كريم ولائق، يحافظ بفضله على الصحة والكرامة والرفاهية، خصوصا مع تجاهل مجمل الحقوق الأخرى الاقتصادية والاجتماعية، الضامنة لكرامة الأنسان، مثل الحق في التعليم والحق في العمل والضمان الاجتماعي وغيرهما.

 وقد توقفت مؤتمرات حزبنا الشيوعي التاسع والعاشر والحادي عشر، في تحليلاتها للأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، عند طبيعة الصراع الاجتماعي في العراق، وأشرت بوضوح الانقسام الطبقي الحاد في مجتمعنا، كما توقفت عند الفجوة الطبقية التي  تتسع بشكل مضطرد، وبيّنت أن هناك أقلية (اوليغارشية) تمسك بالسلطة وتتحكم بالمال، تقابلها الأكثرية من طبقات المجتمع الأخرى.

ورصدت مؤتمرات الحزب وجود طغمة فاسدة توسع ثراؤها بشكل جنوني، وهي تواصل نهب الأموال العامة دون اكتراث للقانون او لردود فعل المجتمع على حجم الفساد وما يدره لمن يستحوذون على المال بكل الطرق غير الشرعية والبعيدة عن القانون وعن النشاط الاقتصادي الإنتاجي، وان هؤلاء فاقوا المافيات في ما حصلت عليه عبر التاريخ. ويكفي ان نتذكر الطريقة التي نهبت بها اموال الضرائب في جريمة سرقة القرن، التي تناستها الدولة ولم يلاحقها القانون.

لقد اكتمل تشكيل طبقة اجتماعية مترفة فاحشة الثراء، نواتها طغمة الحكم الى جانب حيتان الفساد والمرابين من أصحاب البنوك وكبار المضاربين بالعملة الصعبة، الذين كانوا قبل 2003 اصحاب “بسطيات” ثم انتفعوا من مزاد العملة واصبحوا أصحاب تريليونات، ومعهم سماسرة الصفقات وقادة المليشيات الذين استهوتهم لعبة جني المال أيّا كانت الطريقة، ومعهم بعض كبار موظفي الجهاز البيروقراطي للدولة التابعين للقوى المتنفذة، ومسؤولو اللجان الاقتصادية لأحزاب السلطة، ومهربو النفط، ومجرمو صفقة القرن واشباههم في هذا النوع من الجرائم، يضاف اليهم  كبار تجار المخدرات والمتاجرين بالبشر. ويفصل هؤلاء وطبقتهم عن طبقات المجتمع الأخرى بحر من الظلم والحرمان، ومآسي العوز والفقر وشظف العيش في أوساط العمال وفقراء الفلاحين والعاطلين عن العمل والمهمشين والعاملين في القطاع غير المنظم، كذلك منتسبي الدولة ممن يقعون في أسفل السلم الوظيفي حتى الدرجة الخامسة، بجانب سكنة العشوائيات ومن يعتاشون على مكبات النفايات.

لا يكفي الحزب نشاطه الفكري في تحليل الواقع ومعرفة طبيعة الصراع، استنادا الى مفهوم الصراع الطبقيّ ودوره في التغيير الاجتماعيّ، وفي رسم الصورة الطبقية للنظام الاجتماعي وتبيان تناقضاته وتفاعلاته، بل يحتاج الأمر مزيدا من النشاط السياسي والتعبوي تصديا لطغمة الفساد، وتحشيد الطبقات الكادحة والمهمشة وكل من يشاركنا في تبني العدالة الاجتماعية وإزالة التفاوت المفرط في كل جانب من جوانب الحياة، لبناء مجتمع تختفي فيه، بمرور الزمن، الانقسامات الطبقية العميقة. 


ولا ينبغي نسيان قانون التناقض في التحليل، فهو قانون علمي يحكم كل الظواهر، وقد تموضع بين طبقات المجتمع وشرائحه. فما يجري اليوم من صراع هو طبقي بامتياز رغم اختلاف العناوين، اما التناقض الرئيسي اليوم فهو بين الشعب ومصالحه من جهة، ومن جهة أخرى طغمة الحكم ومصالحها، حيث تستميت في التشبث بالسلطة، وقد اثبت قدرتها على الاحتيال والخديعة بتصوير الصراع في المجتمع بصورة الصراع الطائفي، في محاولة لإشاعة الوهم والالتفاف على الديمقراطية وأفراغها من محتواها، وتحويل آلية الانتخابات الى لعبة مملة. فالديمقراطية لا تعني لطغمة الحكم سوى انتخابات صورية، غايتها تجديد المحاصصة وإدامة التمتع غير المشروع بالامتيازات.

ان الديمقراطية الحقّة لا تمارس فعلاً إلاّ حين يكون الناس في مأمن من مخاطر الفقر والمرض والبطالة. ولا وجود لمواطنة حقيقية من دون مساواة للمواطنين. ولا وجود لمثل هذه المساواة من دون تشريك الجزء الأكبر من الاقتصاد، ولا ديمقراطية من دون توسيع الحقوق والمشاركة السياسية.

بكلمات أخرى يشكل الكفاح من أجل الحقوق الديمقراطية جزءا من ميدان الصراع الطبقي. وهدف الشيوعيين هو توسيع الديمقراطية والحرية الى أقصى حد ممكن في سياق النظام السياسي، وتوسيع الأشكال الديمقراطية ومبادئ الرقابة الشعبية في الميدانين السياسي والاقتصادي وفي سائر الميادين الاخرى.

عرض مقالات: