اهم الأسباب التي افضت لذلك، تخلف البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية، التي رافقت تخلف الوعي الطبقي والثقافي وضعف ادراك أهمية المشاركة الفعالة في الانتخابات. ويمكن هنا الإشارة الى عدم وجود واقعية في تقدير ضعف القوى المدنية الديمقراطية وتفككها، وعدم تطبيق قانون الأحزاب، الذي لا يبيح المشاركة في الانتخابات لمن يمتلك السلاح او المليشيات، واستخدام المال العام، وتعديل  قانون سانت ليغو بشكل يناسب مقاس أحزاب السلطة، والتصويت الخاص الذي رفع نسبة المشاركين إلى 40 بالمائة كما ذكرت المفوضية. فمن بين 16 مليون ناخب كان 5.6 مليون منهم ممن يحق لهم التصويت الخاص، وهذا أمر مؤثر، في مجتمعنا الذي تسوده أوضاع مربكة وغير مستقرة أمنياً ويتفشى فيه السلاح المنفلت وعصابات الجريمة وتنتشر فيه المخدرات، حيث هناك 19 ألف تاجر لها. كما أن ناخبي التصويت الخاص غالباً ما تم اختيارهم على أسس طائفية قومية، مما يُسبب دخولهم في عملية الإقتراع، ضعف الجانب الديمقراطي لها، فينبغي أن يكونوا على الحياد.

الأمر الأخر يتعلق بمفوضية الانتخابات، التي تتعرض لإنتقادات حادة بكونها مرتهنة لأحزاب المحاصصة والعشائرية، مما افقدها الكثير من حياديتها وقدرتها على بث روح المشاركة الجمعية في الإقتراع، وهو ما انعكس على النتائج لصالح قوى وأحزاب الدولة. كما ينبغي ان لا ننسى، صعوبة ضبط الانتخابات في الاقضية والنواحي وفشل بعض الانظمة الالكترونية في نقل النتائج للمركز، حيث تم نقلها بالواسطة لفرزها باليد، مما فسح ربما للتدخل البشري بها لتغير بعض النتائج.

استعمال المال العام والخاص في شراء ذمم البعض من قبل أحزاب السلطة، ترك أثاراً سلبية على النتائج، وحدث في كثير من الأحيان خلال يوم الانتخابات وأمام اعين الجهات الأمنية والمفوضية وقرب مراكز الانتخابات دون رادع قانوني .

وبالتأكيد كان لفشل مجالس المحافظات وحتى البرلمانات في الدورات السابقة، في القيام بدورها في خدمة المواطنين وبناء مدنهم، تأثيره السلبي على المشاركة، حيث رأى الناس في اعضاء المجالس، مجموعة من المقاولين او التجار والقومسيونجية، وأفقدهم ثقتهم بهذه المجالس، فنأوا بانفسهم عن المشاركة في الانتخابات والشؤون العامة .كما اثرت مقاطعة التيار الصدري لهذه الانتخابات، على جماهيريتها وكثافة المنتخبين ونتائجها، وتعاطف معه الكثير.

يضع البعض كل اللوم على قيادة أحزاب ومسؤولي كتل تحالف (قيم المدني) بالحصول على 6 مقاعد فقط، وهو رقم لا يتناسب مع شعبية هذا التحالف، أو يلوم قيادة الحزب، في وقت لم يكلف هذا البعض نفسه مسؤولية الذهاب إلى مراكز الانتخابات القريبة من سكنه والإدلاء بصوته والمساهمة في عملية التغيير. وعلى اية حال، فإن  بعض مرشحي تحالف (قيم المدني) لم يكن جماهيرياً وحتى معروفا من كثير من القواعد الشعبية، إضافة لقلة مساحة الدعاية لهم والمال المخصص لذلك.

نأت قاعدة القوى المدنية الديمقراطية من الكتاب والمفكرين والمثقفين بشكل كبير بنفسها عن المشاركة بهذه الانتخابات، والتزمت الحياد والحذر والوقوف على التل، ناسين او متناسين بأنهم يمكن ان يكونوا قادة التغيير وشعلته، ويدفعوا المواطنين للمشاركة الفعالة لتطوير العملية السياسية نحو عراق افضل .

كما ينسى البعض التغيرات التاريخية لمجتمعنا والعالم من صعود اليمين في معظم البرلمانات الغربية وغيرها، ويبقى يحلم بالماضي وبالتاريخ النضالي وبجماهيرية الحزب، ويسقط احلامه على الحاضر. يقول لينين : فلندفع بواحد من مناضلينا داخل اعتى البرلمانات رجعية ، لكي ينشر مبادئنا داخل البرلمان ونعرف ما يدور في غرفه المظلمة.

وختاماً، وبعيدا عن ان العملية الانتخابية بتنوعها ودلالاتها كمقود للعملية السياسية، لم تعط للقوى الديمقراطية دورها المنتظر، فإن كل مألاتها ستاخذ افقا أعلى لمسيرة شعبنا، وسيعرقل اي تقاعس للقوى المدنية الديمقراطية، الصراع ويضعفه لصالح الأحزاب الزبائنية، التي تقف بوجه التغيير ويقتل الجهد الواعي المخلص ويحرق الزمن، وما فاتنا ليس بالقليل. كما أن علينا أن ندرك بأن الصراع طويل ويمكن أن يمتد لعدة عقود، ولا يمكن اختزاله بالمشاركة الجماهيرية الواسعة في هذه الانتخابات فقط.

عرض مقالات: