اخر الاخبار

الفن البروليتاري الذي تجسده لنا الواقعية الاشتراكية بأساليبها الابداعية الهادفة هو الفن المرتبط بالجماهير العاملة والمتمحور حولها والمنتج من قبلها الذي يعرض أدق تفاصيل حياتها ويعرض واقعها الطبقي ويجسده فنياً بطرق ابداعية تحمل رسائل نبيلة ونظرة واقعية، ومن أبرز رائدي الواقعية الاشتراكية هم غوركي و شولوخوف في الرواية، ومايكوفسكي في الشعر، وبريخت في المسرح، وإلى آخره من أسماء فناني الواقعية الاشتراكية، وليست الواقعية الاشتراكية شعاراً مؤقتاً أو موضة فنية يمكن تخطيها، بل أنها المنهج الفني الإبداعي للفن البروليتاري، وأن الواقعية الاشتراكية تمثل درعاً لوعي الجماهير العاملة ويبقيه متصلا بواقعه ويحثه على السير قدما ويحميه من تشتيت الفن البرجوازي المنفصل عن الجماهير والذي يضللها عن واقع وجودها الاجتماعي بفنه الخالي من الواقعية كالسراب، والمجرد من أية قيمة فنية، فأنه لا يحمل جوهر الفن الانساني الحقيقي لأنه يعرض الفن ويظهره بمعزل عن الواقع الانساني ويحصر النشاط الإبداعي البشري في قالب ضيق لا يتعدى كونه جماليا خلق من أجل مزج الابداع الجمالي والنشاط البشري لينتج عنه عرض فني يطلق روح البهجة والسعادة، ونشاهد نتائج الفن البرجوازي المجرد من قيمة الجوهر الانساني ينتج لنا أدباً خيالياً كروايات الفانتازيا والرعب والحب الزائفة والشعر الماجن المقزز.

 إن الانتاج الرأسمالي معادٍ للفن كما يقول ماركس لأنه يجرد الفن من قيمته ويحوله إلى سلعة تباع وتشترى وهذا من بديهيات النمط الانتاجي الرأسمالي، الفن الحقيقي إنساني بجوهره لا يمكن أن يكون بمعزل عن الانسان وواقعه، وهذا ما تقدمه الواقعية الاشتراكية بعكسها للواقع الانساني عبر نصوصها الأدبية التي لا يوجد بين نصوصها ما هو بمعزل عن الطبيعة المحيطة بالجماهير، وخشبات مسارحها التي تحمل فناني الجماهير وتعرض الفلكلوريات الشعبية وأغانيها الثورية الحماسية التي توقد الأمل والحماس في داخل الجماهير العاملة، وقد يظهر بأن هذا الفن يصور مجتمعا كلاسيكياً مملاً ولكن بما أن الفن مرتبط بالجماهير العاملة وناتج عنها، وبما أن المادة في تطور مستمر خلال هذه المسيرة التاريخية لذا فأن جميع التطورات في حياة هذه الجماهير وتطور جوانب علاقاتها الانتاجية الذي يصحبه تطور طردي لوعي الجماهير سوف تصب داخل الفن وتغنيه بجميع التطورات الحياتية للجماهير العاملة.

 إن هذا الصراع بين الفن البروليتاري النقي المتمثل بالواقعية الاشتراكية والفن البرجوازي هو صراع الحرية والعبودية، صراع تحطيم أغلال الجماهير وتقييدها به فأن الفن البروليتاري يحمل بداخله وعبر أساليبه وافكاره الحرية عبر فهم الضرورة التاريخية، لذا فأن الحرية هي فهم الضرورة، ولا يمكن فهم هذه الضرورة بمعزل عن الجماهير العاملة لأنهم هم من يقودون هذه الضرورة وهم محركها الرئيسي، وبذلك يكون الفن البروليتاري هو فن الحرية الإنساني، والفن البرجوازي الذي يبتدع الفنون دون جوهر استياتيكي انساني يمثل عبودية الوعي كونه خادماً للطبقات الرجعية يساهم في إبقاء الجماهير غافلة وغير مدركة لوضعها الاجتماعي محافظاً على سلطة الطبقات الرجعية التي يخدمها، ولا يمكن أن يكون الفن البروليتاري فناً من أجل طبقة واحدة بل أنه فن الشغيلة بأكملها، فن الطبقات المتحالفة مع البروليتاريا يكسبها وعياً بروليتارياً كون البروليتاريا هي قائدة الجزء الاساسي من المسيرة التاريخية.

ماذا يجب أن نفعل؟ (مبدأ جدانوف كمثال)

من أجل تطور أي مجتمع وتقدمه نحو منظومة علاقات انتاجية حديثة ومتطورة أكثر من سابقتها، لابد أن تكون ميادين البناء الفوقي ناضجة بما فيه الكفاية وفي مرحلتها نحو عدم اكتفائها وعدم احتواء علاقات انتاج هذه المرحلة لتطورها المستمر لتمارس تأثيرها على البناء التحتي للمجتمع وتساهم في تغييره، فأن دور البنيان الفوقي للمجتمع ليس فقط كونه مرأة تعكس تطور العلاقات الانتاجية في البنية التحتية للمجتمع ويتغير بتغيرها، هذا جواب احادي الجانب فقط، بل يمكن لميادين البنيان الفوقي أن تمارس تأثيراً عكسياً على البنية التحتية وتحدث تغييرا نوعيا فيها، فأن تراكماً كمياً في مستوى تطور وعي الجماهير العاملة يؤدي إلى تغير نوعي في علاقات الانتاج يزيح علاقات الانتاج القديمة التي لم تعد تلبي مطالب واحتياجات القوى المنتجة بعلاقات انتاجية جديدة ملائمة لمستوى تطور هذا الأخير، ولابد أن نعرض جزءا من رسالة انجلس إلى شميدت «صحيح أن الظروف المادية للوجود (البنية التحتية) هي السبب الأول، ولكن هذا لا يستثني أن تمارس الميادين الأيديولوجية (البنية الفوقية) بدورها تأثيراً معاكساً ثانوياً على هذه الظروف المادية»، لذا بما أن الفن هو أحد أهم ميادين البنيان الفوقي للمجتمع يجب أن يبلغ من التطور مبلغه ويمتلئ بالتطورات الفنية الحديثة الناشئة بداخله والتي سوف تحل محل الفنون القديمة التي عفى عنها الزمن امام التطور الفني الناشئ، ويكون في طريقه للتغير الكلي معلناً بداية حقبة فنية جديدة متراكمة بدورها مع ميادين البنيان الفوقي الاخرى محدثة تغييراً نوعياً كما في عصر النهضة، ولا يمكن أن يؤدي هذا التغيير إلى مجتمع اشتراكي دون أن تكون هذه الحقبة الفنية هي حقبة الواقعية الاشتراكية التي يتخذها الحزب الشيوعي منهجاً فنياً له.

 نشأ مبدأ جدانوف من جوهر لينيني مظهراً النظرة الكلاسيكية اللينينية للعالم على وجود معسكرين رأسمالي واشتراكي وصراعهم هو صراع الخير والشر وصراعهم ليس محصوراً في الميادين السياسية والعسكرية بل أن هذا الصراع يشمل جميع ميادين الحياة وبالتالي فأن ميدان الفن لن يخلى من الصراع هذا لذا لابد من التأكد أن الفن الذي يصدر هو فن يملك قيمة تستحق النشر وتعريضها للأضواء وغيرها من الفنون الخالية من أية قيمة وبمعزل عن الجماهير هو فن لا يستحق النشر وأن اخطاره كارثية على مستقبل الاشتراكية من تشويش وعي الجماهير وجعله وعياً غير مدركاً لوجوده واهدافه عكس الفن الواقعي الاشتراكي الذي يحرص على ايصال الواقع بطرق ابداعية مختلفة إلى وعي الجماهير وجعله وعياً مادياً حراً وأن لمبدأ جادانوف اخطاء عدة مرتكبة ولكنه لينيني الجوهر وما يهم هو الجوهر دائما فأن الجوهر هو الثابت في الاشياء المتغيرة.

عرض مقالات: