العربي الجديد
في توقيت سياسي حساس يتزامن مع مرحلة مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة في العراق، أطلق زعيم جماعة "كتائب الإمام علي" شبل الزيدي تصريحا لافتا تضمن الحديث عن إمكانية حصر السلاح بيد الدولة، وتعزيز العمل المؤسسي واحترام الدستور والاندماج بالمسار السياسي، وهو ما رآه مراقبون رسالة سياسية تعكس محاولة "جس نبض" داخلية وخارجية، لا سيما تجاه الولايات المتحدة.
وقال الزيدي إن "الفوز الذي حققته القوى الحشدية (فصائل الحشد الشعبي) بحصولها على ما يقارب ثلث البرلمان المقبل، لا يمثل مكسبا سياسيا فحسب، بل يضعها أمام مسؤولية أخلاقية وأمنية كبيرة تجاه الدولة والمجتمع". وأضاف أن "التقدم الانتخابي يعكس حاضنتها الشعبية وجمهورها الوطني"، مؤكدا أن "المرحلة المقبلة تتطلب التركيز على النهوض بالواقع الاقتصادي والأمني والخدمي، وتعزيز العمل المؤسسي واحترام السلطات الدستورية والتشريعية والعمل ضمن الأطر القانونية والأعراف الوطنية".
وشدد على أن "وحدة وسيادة الدولة تقتضي حصر السلاح بيد المؤسسات الرسمية ودعم القدرات الدفاعية للقوات الأمنية، الى جانب الحشد الشعبي، وإقرار القوانين الكفيلة برعاية عوائل الضحايا"، معتبرا أن "العملية السياسية الحالية هي ثمرة تضحيات جسيمة، لولاها لما كانت هناك عملية سياسية ولا تمثيل برلماني بهذا الحجم".
وتراهن الفصائل على ثقلها البرلماني الجديد ودورها الأمني خلال السنوات الماضية، للمطالبة بحصة وازنة في الحكومة المرتقبة، تشمل وزارات سيادية قد تكون أمنية أو مؤثرة في رسم السياسات العامة. غير أن هذه الطموحات تصطدم بجدار من التحفظات الأميركية والدولية، التي ترى أن توسيع نفوذ الفصائل داخل الدولة من دون التزامات واضحة قد يعقد علاقة بغداد مع واشنطن ويعيد التوتر إلى الواجهة.
تحول ملموس في خطاب بعض قيادات الفصائل العراقية
ويرى مراقبون أن تصريح الزيدي، الذي خلا من أي لغة تهديد لواشنطن كما جرت العادة، يمثل تحولا، ملحوظا في خطاب بعض قيادات الفصائل المسلحة، من التركيز على شرعية حصر السلاح ودوره الأمني إلى التأكيد على أولوية الدولة والمؤسسات والدستور، في وقت تجري فيه القوى السياسية مفاوضات شاقة لتشكيل الحكومة الجديدة.
ووفقا للباحث في الشأن السياسي العراقي أحمد العزي فإن "التصريح لا يمكن عزله عن السياق الإقليمي والدولي، خصوصا مع وضوح الموقف الأميركي الرافض لمشاركة الفصائل المسلحة في الحكومة المقبلة"، مبينا أن "الحديث عن حصر السلاح والاندماج السياسي يمثل محاولة فتح نافذة تفاهم ولو غير مباشرة مع واشنطن".
وقال العزي لـ"العربي الجديد" إن "التصريح لا يمثل الزيدي وفصيله فحسب، بل يمثل مزاجا داخل عدد من الفصائل الأخرى التي حصلت على مقاعد بالبرلمان، وتدرك صعوبة الجمع بين السلاح والسلطة في المرحلة المقبلة"، مضيفا "هناك هامش مناورة واختبار ردات الفعل عبر هذا التصريح من دون التزامات رسمية، وفي حال لاقى الخطاب قبولا قد نشهد تكراره من قيادات أخرى للفصائل بصيغ مختلفة".
إمكانية التفاهم بشأن المرحلة المقبلة
في هذا السياق، لم تستبعد مصادر عراقية حكومية إمكانية وجود قنوات تواصل أو محاولات غير مباشرة بين الفصائل وواشنطن عبر وسطاء محليين أو إقليميين تتركز على شكل المشاركة وضمانات ضبط السلاح". وقال مصدر مطلع لـ"العربي الجديد"، طالبا عدم الكشف عن اسمه، "تدرك الفصائل أن المضي في تحدي واشنطن بشكل صريح قد يكلفها أثماناً سياسية واقتصادية باهظة، ليس أقلها تعقيد المشهد الحكومي وتعريض البلاد لموجة جديدة من الضغوط أو العقوبات، لذا فإن هذه القوى ليس أمامها إلا المخاطرة بإفشال مسار التوافق، أو تقديم تنازلات مؤلمة تمس جوهر خطابها ومواقفها التقليدية، ولا سيما في ما يتعلق بالوجود الأميركي والسلاح".
وأضاف أن "هناك نقاشاً داخلياً بدأ يتبلور داخل أروقة الإطار التنسيقي من قبل القوى المرتبطة بالفصائل بشأن إمكانية فتح قنوات حوار غير مباشر مع واشنطن، عبر وسطاء محليين أو إقليميين، بهدف التوصل إلى تفاهمات مرحلية. هذه التفاهمات قد تشمل تعهدات بخفض التصعيد العسكري، أو ضبط الفصائل المنفلتة وتنازلات محدودة بشأن هذا الملف، مقابل غض الطرف الأميركي عن مشاركة سياسية أوسع داخل الحكومة".
وتشير تقديرات سياسية الى أن الفصائل العراقية تقف اليوم عند مفترق طرق حاسم، فطموح النفوذ داخل الحكومة الجديدة لا يزال قائماً، لكنه بات مشروطاً بقدرتها على المناورة وإمكانية وجود تطمينات لواشنطن من دون أن تفقد أوراق قوتها الداخلية، الأمر الذي يترك الملف مفتوحاً للنقاش في المرحلة المقبلة، مع ترجيحات بأن تشهد الأسابيع القادمة جولات تفاوض معقدة.
وكثفت الولايات المتحدة، في الأسابيع الأخيرة رسائلها السياسية والدبلوماسية الموجهة إلى بغداد، عبر المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى القائم بأعمال السفارة الأميركية ببغداد، من خلال سلسلة تصريحات ومقابلات رفيعة المستوى مع قيادات عراقية خصوصا داخل تحالف "الإطار التنسيقي" الذي يُجري مفاوضات شديدة الحساسية تتعلق بتشكيل الحكومة المقبلة، وترجمت على أنها رغبة واضحة في التأثير على مسار تشكيل السلطة العراقية قبل استقرار التوازنات النهائية داخل البرلمان. يكشف التوقيت الحساس لهذه التحركات قلقا أميركيا من احتمال تشكل حكومة ذات نفوذ واضح لقوى السلاح.