اخر الاخبار

منذ أكثر من تسعين عاماً، وجريدة الحزب الشيوعي العراقي تشق طريقها بين العواصف والتحديات، محافظة على وهج رسالتها التنويرية، ووفائها لالتزاماتها الوطنية والإنسانية، وانحيازها التام لقضايا الشعب والوطن. وكما وُلدت في تموز 1935 وسط صراع الأفكار والتحديات السياسية، بقيت منذ ذلك الحين منارة للفكر الحر، وصوتاً للمواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية.

وامتدادا لهذا النهج، دأبت الجريدة منذ عام 2013 على إقامة مهرجانها السنوي الذي تحوّل إلى تقليد ثقافي راسخ، يجمع محبي الكلمة الحرة ورواد الفكر والفن من مختلف المحافظات العراقية. ولم تتوقف هذه الفعالية إلا خلال سنوات جائحة كورونا التي شلت أنشطة العالم بأسره، لتعود الجريدة من جديد أكثر إصراراً على الحياة والعطاء في مهرجانها العاشر هذا العام، وتؤكد أن الثقافة هي طوق النجاة حين تشتد الأزمات.

ليس المهرجان العاشر مجرد احتفاء سنوي بالجريدة ومسيرتها، وانما هو حدث وطني وفكري وثقافي بامتياز، يعكس عمق العلاقة بين الصحافة الحرة والمجتمع، ويجسد العزم على الاستمرار رغم كل التحديات. فهو يأتي في مرحلة دقيقة يعيشها العراق، تتقاطع فيها الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتُطرح مجدداً الحاجة إلى التغيير الحقيقي وبناء الدولة المدنية العادلة التي طالما حلم بها العراقيون.

ومن هنا، تأتي أهمية الشعار "وعي.. تغيير" المعتمد للمهرجان، بوصفه دعوة مفتوحة إلى اليقظة الفكرية والاجتماعية، وإلى إدراك الناس لحقوقهم ومصالحهم، وتحويل الوعي إلى طاقة جماعية قادرة على دفع عجلة التغيير إلى الأمام. فالوعي، كما تؤمن به "طريق الشعب"، ليس مفهوماً نظرياً، بل هو قوة فاعلة تعيد تشكيل المجتمع على أسس العدالة والمواطنة والكرامة الإنسانية.

ويكتسب المهرجان هذا العام أهمية إضافية كونه يتزامن مع الاستعداد للانتخابات البرلمانية المقبلة، ما يجعل من فعالياته مساحة للتفكير الجماعي في مستقبل البلاد، وفرصة لحوار وطني مفتوح حول سبل الخروج من الأزمات. فحين يتحول المواطن من متفرج إلى مشارك فاعل، يصبح صوته أداة للتغيير والإصلاح الجدي، ويغدو الوعي الجمعي هو الركيزة التي يُبنى عليها عراق أكثر عدلاً وحرية.

إن إقامة المهرجان رغم الظروف الصعبة تعد بحد ذاتها رسالة تحدٍ وأمل، تؤكد أن الثقافة لا تعرف التراجع، وأن الكلمة الحرة قادرة على أن تشعل الضوء حتى في أحلك اللحظات. فالمهرجان ليس مجرد فعالية إعلامية أو فنية، بل هو حدث وطني جامع يربط بين الأجيال، ويستحضر تاريخ الجريدة ونضال روادها الأوائل الذين حملوا مشعل الحرية والفكر التقدمي.

تتضمن فعاليات المهرجان العاشر باقة غنية من الندوات الفكرية، والحوارات العامة، والعروض الفنية والموسيقية، وورش الشباب التي تناقش قضايا الوطن والمجتمع، في محاولة لترسيخ ثقافة الحوار والإبداع. كما أن المشاركة الواسعة والمتنوعة من المثقفين والنشطاء والفنانين تؤكد أن "طريق الشعب" لا تزال تحتفظ بمكانتها جسرا بين الكلمة والجمهور، وبين الفعل الثقافي والواقع الاجتماعي.

وعلى ضفاف دجلة الخير، في شارع أبي نؤاس، يتجدد اللقاء هذا العام بروح التفاؤل والعزم، لنحتفي جميعاً بمسيرة جريدة لم تفقد بوصلتها يوماً، وبمهرجان يؤكد أن الثقافة يمكن أن تكون منصة للتنوير والتغيير في آنٍ واحد.

فليكن المهرجان العاشر محطة جديدة في طريق الوعي، ودعوة مفتوحة إلى مواصلة الحلم بعراقٍ أجمل، ينعم أبناؤه بحياةٍ كريمة، آمنة ومستقرة، يظل فيها الضوء أقوى من العتمة، والكلمة الحرة هي البوصلة نحو المستقبل.