اخر الاخبار

متابعة – طريق الشعب

 يواجه العراق واحدة من أخطر الأزمات الزراعية والحيوانية في تاريخه الحديث، بعد أن سجل خسائر غير مسبوقة في الثروة الحيوانية خلال الشهور الماضية، نتيجة تفاقم شحّ المياه وجفاف المراعي الطبيعية.

وتشير بيانات إلى أن الخسائر لم تقتصر على الماشية وحسب، بل شملت أيضاً الثروة السمكية التي تراجعت بنحو 60 في المائة في عدد من المحافظات الجنوبية، إلى جانب انخفاض المساحات المزروعة بنسبة تتجاوز 50 في المائة، بسبب ضعف الموارد المائية وتقليص الخطة الزراعية.

وتفيد تقارير صادرة عن وزارة الموارد المائية، بحصول جفاف شبه كامل للأهوار، وتحول مساحات واسعة منها إلى أراض قاحلة، ما تسبب في نفوق أعداد كبيرة من الجاموس والطيور والأسماك التي كانت تعتمد على تلك البيئة المائية.

ولم تقتصر الأزمة على محافظات الجنوب، بل شملت أيضا محافظات الوسط. ففي ديالى على سبيل الذكر، انتهت الثروة السمكية في بحيرة سد العظيم "بالكامل" – حسب تصريح اللجنة الزراعية في مجلس المحافظة نهاية الأسبوع الماضي، مشيرة إلى أن البحيرة جفت بنسبة 100 في المائة وتحوّلت إلى صحراء قاحلة.

وأدى هذا التراجع الكبير في الثروتين الحيوانية والسمكية، إلى فقدان آلاف العائلات مصادر معيشتها، واضطرارها إلى البحث عن وسائل عيش أخرى.  

نزوح من أجل العيش

وسجلت محافظات المثنى وذي قار وميسان أعلى نسب الخسائر في الثروة الحيوانية – حسب ما تتناقله وسائل إعلام عن معنيين ومراقبين. حيث شهدت تلك المحافظات نزوحا داخليا من الأرياف إلى المدن بحثا عن بدائل للعيش، بعد جفاف المراعي ونفوق المواشي، الأمر الذي يعمّق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وينهي مساهمة القطاعين الزراعي والحيواني في الناتج المحلي الإجمالي.

وكانت لجنة الزراعة والمياه والأهوار في مجلس النواب قد أكدت أن البلاد تمر بأسوأ أيامها على صعيد الزراعة والمياه، في ظل أزمة مائية غير مسبوقة تسببت في خسائر فادحة في الثروتين الحيوانية والسمكية، وهددت بانهيار الموسم الزراعي الحالي.

ووفقا لعضو اللجنة ابتسام الهلالي، فإن "الخسارة الكبرى تمثلت في انخفاض الثروة الحيوانية بنسبة 70 في المائة، تلتها خسائر كبيرة في الثروة السمكية، ثم في القطاع الزراعي عموما".

 انكماش أعداد المواشي

من جانبه، يذكر مدير عام دائرة الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة وليد محمد رزوقي، أن أزمة شحّ المياه خلال العامين الماضيين كانت العامل الرئيس لتراجع مشاريع تربية الثروة الحيوانية في عموم المحافظات، مبينا في حديث صحفي أن هذا التراجع ترافق مع انخفاض حاد في إنتاج الأعلاف.

ويشير إلى أن شحّ المياه وغياب المراعي الطبيعية في مناطق الأهوار والبادية الجنوبية أدى إلى انكماش كبير في أعداد المواشي ونفوق أعداد من الجاموس في بعض المناطق التي تعتمد على مياه الأنهر والمسطحات المائية، ما جعل القطاع الحيواني يواجه واحدة من أصعب مراحله منذ عقود.

ويؤكد رزوقي أن وزارته تعمل على معالجة هذه التحديات من خلال إطلاق مشاريع متكاملة لتربية العجول وإنتاج الأعلاف محلياً، إلى جانب مشاريع أخرى في محافظات المثنى وذي قار وديالى، تهدف إلى إعادة تنشيط القطيع الوطني وتأمين اللحوم الحمراء للسوق المحلية، لافتا إلى أن أبرز التحديات التي ما زالت تواجه المربين هي ارتفاع كلفة الأعلاف المركّزة وصعوبة الحصول عليها، إضافة إلى تراجع الموارد المائية، ما يستدعي دعماً حكومياً استثنائياً لتأمين الأعلاف بأسعار مدعومة وتشغيل معامل محلية لإنتاجها.

 أخطر نتائج الأزمة المائية

إلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي كريم الحلو أن "خسارة العراق ثروته الحيوانية تمثل واحدة من أخطر نتائج الأزمة المائية التي تعصف بالبلاد، ليس فقط من زاوية بيئية أو زراعية، بل من منظور اقتصادي ومعيشي شامل يمسّ الأمن الغذائي واستقرار المجتمع الريفي".

ويضيف في حديث صحفي قوله أن "المؤشرات الميدانية في محافظات المثنى وذي قار والبصرة وميسان بينت اختفاء المراعي الطبيعية ومصادر الأعلاف التي كانت تعتمد عليها الثروة الحيوانية، فضلاً عن نفوق أعداد كبيرة من الطيور والأسماك والجاموس التي تمثل ركائز البيئة المحلية".

وينوّه الحلو إلى أن "تزايد الهجرة الداخلية من المحافظات الجنوبية إلى المراكز الحضرية خلق ضغوطاً جديدة على المدن من حيث الخدمات والسكن وفرص العمل، وبدأ يعيد تشكيل البنية السكانية في المحافظات، في وقت تفتقر فيه الدولة إلى برامج حقيقية لاحتواء المهاجرين وتأمين بدائل معيشية لهم". ويوضح أن "الانخفاض الكبير في الثروة الحيوانية انعكس مباشرة على السوق المحلية. حيث ارتفعت أسعار اللحوم ومشتقات الألبان بنسبة تراوح بين 25 و40 في المائة خلال الشهور الماضية، فيما تراجعت كميات الإنتاج المحلي مقابل زيادة الاعتماد على الاستيراد من الدول المجاورة لتغطية النقص".