اخر الاخبار

يحتفل العالم يوم غد الجمعة بـ “اليوم الدولي للديمقراطية”، حيث حددت الأمم المتحدة 15 ايلول من كل عام يوما للاحتفاء بالديمقراطية واستعراض أحوالها في جميع بلدان العالم، بهدف تحويلها إلى واقع يمارسه الجميع دون استثناء، على اعتباره حقًا أساسيًا للإنسان لضمان حقوقه وبناء المؤسسات التي تدافع عنها وتحميها.

ولا يختلف حال العراق عن العديد من البلدان التي عانت من قهر واضطهاد الدكتاتوريات عقودا طويلة، وصار مواطنوها يتطلعون بعد الخلاص من الدكتاتورية إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية، على اسس الدستور والقوانين والمؤسسات.

لكن الممارسة تبين ان الديمقراطية في بلادنا اختزلت الى العملية الانتخابية، التي تعاني فوق ذلك من التباسات وثغرات كثيرة، سواء في قانونها أو عبر استغلال موارد الدولة ومؤسساتها، لصالح قوى معينة على مر السنوات التي تلت احتلال العراق عام 2003.

وكما هو معلوم فأن الديمقراطية تقام على أسس معتمدة، لعل أهمها وجود دستور تستند إليه مؤسسات الدولة في تشريعاتها وقراراتها، والمؤسف في حالتنا العراقية أن الكتل السياسية المتنفذة دأبت على انتهاك الدستور في أكثر من مجال ومكان، حتى أصبح التجاوز عليه أمرًا روتينيًا.

 وقد شهدنا ما حدث من انتهاك للتوقيتات الدستورية، عند اختيار رئيس الجمهورية وعند تشكيل الحكومة، على مر الدورات الانتخابية الخمس، كذلك عدم تقديم تقارير الحسابات الختامية مع مشروع قانون الموازنة العامة، وغير ذلك.

وهناك أيضا مبدأ الفصل بين السلطات، الذي جعلته منظومة المحاصصة صعب التطبيق في ظل إصرارها على التدخل في كل صغيرة وكبيرة، وعلى الخصوص  جرجرة القضاء الى ميدان السياسة. ولنتذكر هنا كيف تصارعت الأحزاب السياسية المتنفذة عند اختيار أعضاء المحكمة الاتحادية!

ويستقطب الانتباه الآن حال مجلس النواب ومدى تمثيله لإرادة المواطنين، ما يثير تساؤلات عن مدى مشروعيته التمثيلية وليس القانونية.

من جانب آخر يعتبر احترام حقوق الإنسان دون تجزئة أو انتقائية، ركنا أساسيا في الديمقراطية. ويلاحظ هنا أن المنظومة الحاكمة فشلت في ضمان الاحترام لحقوق الإنسان، تشهد على ذلك أعداد الشهداء والمغيبين والمفقودين والمختطفين والمعتقلين، الذين يعانون بسبب رفضهم المحاصصة والفساد ومعارضتهم مصادرة الديمقراطية وتقزيم حرية التعبير. كما أن محاولات المتنفذين المستمرة تشريع قوانين تقيد حرية التعبير، واستخدامهم القوانين الموروثة من أنظمة الدكتاتورية لملاحقة الناشطين، تعد عائقًا كبيرًا أمام السير على طريق الديمقراطية.

ومن الأمور المهمة الأخرى، العمل وفق مبدأ المواطنة في تكافؤ الفرص وعدم التمييز بين المواطنين لأي سبب كان: الدين او العرق او الجنس او الطائفة. لكن المنظومة المتنفذة في بلدنا رسخت بصورة فجة التفرقة بين العراقيين على أساس الولاءات الضيقة، وأعلت شأن الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. والشواهد على ذلك عديدة، من ابرزها تشكيل الحكومات على وفق المحاصصة وتوزيع المواقع الوظيفية على وفق الولاءات.

ومن ركائز الديمقراطية احترام وحماية حقوق الأقليات، وهذا الملف شهد هو الاخر انتهاكات كبيرة بحق الأقليات، مثل الاستيلاء على ممتلكاتهم ومصادرة مقاعدهم في المؤسسات التشريعية والتنفيذية، عبر طرق ملتوية انتهجتها الأحزاب المتنفذة وذات الاذرع المسلحة.

ويمكن الإشارة هنا الى التعارض بين الديمقراطية وعسكرة المجتمع من خلال التخصيصات المبالغ فيها والمضخمة في الموازنات الاتحادية.

ويبقى القول ان متطلبات تعزيز وتطبيق الديمقراطية بحاجة الى إرادة سياسية، اما الكتل السياسية المسيطرة اليوم فهدفها الأول والأخير هو كيفية الاستئثار بالسلطة ومواردها ، واقصاء المنافسين بالطرق المشروعة او بغيرها.

وان المدخل الى ذلك يمر عبر الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد، وفرض إرادة الشعب في التغيير وفي بناء الديمقراطية الحقة وممارستها منهجا وحكما.