التقى الرفيق سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الرفيق رائد فهمي، أخيرا، مجموعة من الأطباء البيطريين لمناقشة واقع حال القطاع الذين يعملون فيه وعلاقته بالأوضاع العامة في البلاد.وبعد ترحيب الرفيق د. صبحي الجميلي عضو المكتب السياسي للحزب بالحاضرين وشكرهم على تلبية الدعوة، أشار الرفيق رائد فهمي إلى أن تبادل وجهات النظر مع مختلف التخصصات أمر مهم للحزب، وأضاف أن السبب الجوهري لكل المشاكل هو التمسك بنهج المحاصصة الذي ابتلي الشعب به، مبينا أن الفساد بات منظومة أقوى من الدولة وصار يُصعّب أي محاولة للإصلاح.
وأكد فهمي أن التغيير أصبح ضرورة من أجل إصلاح الأوضاع العامة، مبينا أن القوى التي تهدف إلى التغيير عديدة ولها مجالات عمل واسعة ولا بد من توحيد الجهود.
وفيما يأتي النص الكامل لمداخلة الرفيق رائد فهمي:
أرحب بكم أجمل ترحيب وأهلا وسهلا بكم. نأمل من هذه الجلسة الحوارية أن تكون نافذة نتبادل من خلالها وجهات النظر عامة وخاصة بهذا القطاع. كل شريحة وبما فيها من مشاكل هي جزء من الوضع العام ومرتبطة به. نحن الان امام مفترق طرق بعد 20 عام من التغيير في 2003 ومرت الكثير من الفرص الضائعة والهدر المتواصل للإمكانيات وتهديد مستقبل البلاد، ناهيك عن عدم توفير مستلزمات التنمية المستدامة.
دمار المحاصصة وضرورة التغيير
الفساد استشرى تقريبا في كل مفاصل الدولة وأموال طائلة هدرت وأنفقت دون ان يقابلها الا القليل جدا من المنجزات وإذا كنا في الفترة السابقة نغطي العجز والنقص من خلال النفط فهي حالة ليست مضمونة في المستقبل وبعد سنوات لن يبقى النفط لنعتمد عليه ولن يلعب نفس الدور الحالي.
مع عدم تنمية كل إمكانيات البلاد والبقاء معتمدين على ورادات النفط سيوقعنا في مشاكل أكبر وأعمق. نحن الان في ظل نظام يعتمد على الريع البحت، وتأسست ثقافة وسلوك ومنطق ريعي وهذا أمر خطر جدا. أن الثقافة الحالية لا تهتم بقيمة العمل وتركز على الربح السريع. هنالك فصل بين الاخلاق والسياسة وباتت الأخيرة ميدان لتفتيت الأخلاق والقيم ولا تلتزم بكل شيء كما أن فرص العمل المتبقية للمواطنين هي التعيينات في الدولة وبخلافه لا يوجد عمل لهم تقريبا. لا يمكن ان يستمر المجتمع على هذه الشاكلة والنفط لن يستمر ليستر عيوب الوضع لمدة أطول.
من الصعب جدا تعويض حجم الانفاق دون الاعتماد على النفط والدولة تتحدث عن إقامة المشاريع ولكن لا توجد نتائج. وحتى عندما تتوفر النية لقيادة سياسية تحاول الإصلاح فالأمر غير كاف لأن الفساد أصبح منظومة كبيرة وباتت الدولة في موضع التقاسم بين الأحزاب المتنفذة، لذلك أي تبديل بالأشخاص لا يجدي نفعا وسيواجه هذه المنظومة ويصطدم بها. هنالك حكومات غيرت في الأسماء ولكن ذلك لم يجد نفعا وحتى عند قدوم وزير نزيه في أي وزارة فلا يقدر على فعل شيء لأن المنظومة تفترس الدولة والوزارات، وبالتالي يحتاج الوزير الى قوة داعمة أو الهروب من موقعه الوزاري. أن هذه الأزمة ليست مرتبطة بأشخاص معينين بقدر ما أصبحت بنية متكاملة غير طارئة ونشأت بنية للدولة منقسمة على ذاتها وغير منسجمة ولا تقدر على التخطيط أو التنفيذ. هذه هي نتائج المحاصصة وتقاسم الدولة دون رؤية للبناء والاعمار. بالتالي اصبح الإصلاح محدود ولذلك صارت كلمة التغيير مسموعة وتتردد وهي لا تطلق جزافا.
ما الذي نغيره ومن المستفيد؟
من جهة أخرى يواجه المجتمع سياسات ممنهجة لنشر الجهل وتسطيح الثقافة. أن الجهود الرامية لإصلاح ذلك هي جهود شخصية منفردة ومبعثرة هنا وهناك. اما البلد وسيادته فهي في مأزق أيضا. ان السيادتين الداخلية والخارجية تتعرضان الى مشاكل كبيرة والدولة لا تتحكم بكل مفاصلها بسبب عدم احتكارها للسلاح رغم انه عنصر رئيس في عملية بناء أي دولة وان إرادة البعض من القوى المتنفذة مرتبطة بجهات خارجية مع التأكيد على ان السيادة الداخلية مهزوزة.
نحن امام استحقاق وجودي كدولة، وعلى الصعيد الاقتصادي نحتاج الى تنويع مالي واقتصادي وتعدد مصادر تمويل الموازنة العامة. ان القطاعات التي يمكن ان تشكل حلول بديلة عديدة ومنها الزراعة والسياحة بشقيها الدينية والآثارية وغيرها من الامكانات غير المستغلة بالشكل الجيد. وفيما يخص الاستثمارات فهي محدودة ومقتصرة على أشخاص، والرأسمال الخاص او اقتصاد السوق يفترض ان يشهد منافسة وحرية مثلما يدعون لكن هذا غير موجود. كما ان اقتصاد السوق الذي يتحدثون عنه لا يحمي الملكية وأصبح اقرب إلى المافيوي وصار السوق بلا قواعد منظمة وباتت الفرص للأقوى لا الأكفأ، لمن يحمل السلاح لا من يريد المنافسة.
وفي ظل هذا المشهد نمت ثروات طائلة لدى البعض الذي اصبح اقوى من الدولة. ومقابل هذا النمو هنالك فقر مدقع وكما قال مستشار رئيس الوزراء مظهر محمد صالح قبل أيام: «هنالك 30 في المائة ممن هم تحت خط الفقر»، أي أن لدينا 50 في المائة بحقيقة الأمر ما بين خط الفقر وحوله من أوضاع مأساوية ومن ثم يأتي من يحدثك عن الاستقرار! فأي استقرار في هكذا أوضاع؟
لا يوجد استقرار سياسي او اجتماعي في ظل معدلات عالية للفقر وتدهور كارثي في الخدمات كقطاع الصحة والبنى التحتية وغيرها.
تدمير التعليم
مشكلة أخرى هي تدمير التعليم الذي صار مكملا لكل هذا الخراب من خلال مخرجاته التي لا تقدم المطلوب للبلاد. أصبحت الجامعات تخرج لنا سنويا آلافاً غاضبة بسبب الإحباط والبطالة التي يلقاها الشباب عند تخرجهم لذلك باتت عناصر التفجر الاجتماعي واضحة جدا مع وجود مظاهر المخدرات والهجرة والتهميش.
من أين نبدأ بالتغيير؟
نقول بوضوح ان كل قطاع فيه مهام عديدة للتغيير ويجب ان ترتبط هذه المهام بالبيئة العامة وتحديد جذر الازمات الذي اصبح المجتمع في صراع معها. قلنا ان تمثيل المواطنين في العملية الانتخابية مطلوب ومن خلاله يمكن العمل على التغيير لكن بعض الأحزاب احتكرت تمثيل المكونات وأصبحت تقرر حسب رغباتها من الذي يمثل اولا. وبعد عشرين عاماً من هذا النهج المدمر هنالك إصرار على المضي قدما بهذا النهج. ان هذه الصيغة خلقت مصالح تريد إبقاء الوضع لا تطويره، ونشأت مصالح مالية خلقت منظومات حكم كرست كل هذا. صارت مصالح العديد متناقضة مع الخروج من هذه الأزمة وهُمّش المواطنين الذين لا يحصل بعضهم الا على الفتات من خلال التعيينات التي ضخمت الجهاز الإداري. كل هذا أدى الى منظومة سياسية حاكمة تعيد انتاج نفسها انتخابياً وتمتلك اليات القيام بذلك من خلال المال والسلاح والاعلام وغيرها وخلق كل ذلك فجوة ما بين «المكونات» كمجاميع من المواطنين والجهات التي تدعي تمثيلها.
ان انتفاضة تشرين لم تكن لطائفة معينة وجسدت مظهرا واضحا من مظاهر الرفض وهتف الناس ضد الفساد وطالبوا بوطن آمن ومستقر بعيد عن التسميات الطائفية.
اما الحكومة الحالية فنرى ان برنامجها من حيث الطرح قريب مما قاله الناس ولكن ما هي الآليات التي تعتمدها لتحقيق البرنامج؟ كيف تكون جادة وهي نابعة من رحم منظومة المحاصصة التي تعيد انتاج كل هذا الخراب. حتى مع بعض محاولات محاربة الفساد نرى خجلا وخطوات لا تذهب الى رؤوس الفساد الكبيرة والأمر ذاته مع السلاح المنفلت الذي يتساءل الجميع من الذي يتمكن من انهائه؟
التغييرات الإدارية الحالية
ان التغييرات الحالية للمدراء العامين يفترض ان تكون وفق أسس سليمة والسؤال الان عن كيفية استبدال هؤلاء المدراء؟ وهل هنالك نتائج قادمة اذا تم استبدالهم وفق المحاصصة مجددا؟ اذن لا بد من اعتماد معايير النزاهة والكفاءة والإمكانيات، وهذا غير ملموس الى اللحظة. هم يعتقدون ان الوزارات والمواقع هي حصص وبالتالي لا احد يتوقع ان يتنازل هؤلاء عن حصصهم. اذن نستنتج ان التغيير يتطلب الكثير وان توفرت إرادة سياسية لذلك فلا بد من ان تعتمد على حق التمثيل الحقيقي للمواطنين بصورة حقيقية وللأطياف الواسعة لا لأحزاب محددة تحتكر التمثيل.
ان التغيير السلمي يتطلب قوى كبيرة ممن لديهم مصلحة وهم بالتأكيد السواد الأعظم من المجتمع ومن روافع ذلك وجود منظومة انتخابية رصينة وحرة. كل أزمات القطاعات هي مظاهر للأزمة العامة وبات التغيير ضرورة ملحة.
التغيير الشامل والمستدام
نحن نحاول مع ذوي الإرادة الخيرة ونعمل على توحيد الجهود والتوجه للناس وتحفيز نوع من الأمل لديهم لان فقدان ذلك امر خطير ويفقد الفعل المطلوب للتغيير وعندها ستبقى الساحة خالية لأصحاب السلطة. لا يوجد حل بسيط ونعلم يقينا ان ما نتحدث به يتطلب العمل الكثير خصوصا وان السياسة الحكومية الحالية هي سياسة استرضائية. هذا الكلام لا يعني العدم واليأس ويمكن تحقيق إصلاحات جزئية او إيجابية في المشهد ولكن نحن نقول ان المطلوب هو احداث التغيير المستدام وهذا يتطلب إصلاحات عميقة. فمثلا قضية القطاع الزراعي فيها تفاصيل كبيرة وهامة لها علاقة بالامن الغذائي والمياه وغياب رؤية أصحاب القرار عن هذه المفاصل المؤثرة. يُذكر أن العديد من الحاضرين قدموا مداخلات وأسئلة وتعقيبات على جوهر أزمات البلاد وما يعانيه القطاع الزراعي والأطباء البيطريين بسبب ذلك.