اخر الاخبار

ضيف الملتقى الحواري الشهري لجريدة “طريق الشعب” الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، للحديث عن التطورات السياسية في البلاد، وما آلت اليه الاوضاع منذ 2003 ولغاية يومنا هذا، والإجابة على استفسارات وأسئلة المساهمين في الحوارية من مثقفين وإعلاميين وناشطين.

وحضر اللقاء كل من الإعلامي سالم السوداني والشاعر حميد قاسم ونشطاء المجتمع المدني فيان الشيخ علي وأنس عزاوي ورؤى خلف، إضافة إلى حضور الرفاق أعضاء هيئة تحرير “طريق الشعب”، مفيد الجزائري وحسين النجار وعلي شغاتي.

الشاعر حميد قاسم كان أول المتداخلين، وإضافة إلى تقديم عدد من الأسئلة، أبدى وجهات نظر في مواقف متنوعة من تاريخ وحاضر الحزب الشيوعي العراقي.

وذكر قاسم أن هذا الحوار يقترن مع الذكرى 89 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، الذي ترسخ عميدا للأحزاب العراقية كتاريخ وموقف، والكثير من التساؤلات تدخل ضمن باب الحوار الديمقراطي بعيدا عن القيود.

الآن المتغيرات كثيرة حتى في داخل الحزب، ما الذي فعله الحزب بعد قطيعة استمرت لأكثر من 25 عاما عن واقعه وبيئته ومحيطه والمكان الذي نشأ من أجله، نعلم أنه كان هناك أناس يعملون في داخل الوطن، لكنه لم يكن حضورا بارزا وقويا وفاعلا، خصوصا في الثمانينات والتسعينات، الحزب في ظل سطوة البعث واستئثاره بالسلطة حتى في أيام الجبهة الوطنية كان أقوى من حزب البعث بدليل مبيعات طريق الشعب والشارع والمظاهرات.

اليوم، كيف يفكر الحزب في أن يستعيد مكانته، في زمن الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات، كيف يمكن للحزب أن يمد الصلة مع الآخرين والشباب تحديداً، وهل فكر الحزب كيف سيتسمر، وما هو التجديد الذي يتماشى مع حركة الزمن والتاريخ والوعي والمتغيرات السياسية الكثيرة، التي تبدأ من السياسة والاقتصاد ولا تنتهي بالمجتمع؟

تحديات تواجه الحزب

رائد فهمي: نأمل أن يطرح هذا الحوار القضايا والتساؤلات، والتي في قسم منها نحن ايضا لدينا تساؤلات، ما تفضل الشاعر حميد القاسم بذكره قسم منه تحديات، أي بمعنى لا توجد إجابات جاهزة، لكن الحزب شخصها كتحديات وتعامل معها ومدرك لأبعادها.

هنالك فرق بين فترة السبعينات وغيرها عن الآن، نحن دائما نتحدث عن الموضوعي والذاتي، موضوعيا في تلك الفترات مع وجود العوامل القطبية الثنائية بالعالم كله، كل ما كان ضد النظام كان الحزب يستقطبه، الناس وهم جمهور الحزب، هناك تيارات دينية ومدنية بجميع تلاوينها كانت تأتي إلى الحزب أو تتجمع في محيطه.

الوضع اليوم اختلف، بمعنى أن المشهد السياسي والقوى السياسية الفاعلة، والكثير من القوى التي كانت في السابق لا تجد ملاذا أو وجهة إلا في الحزب الشيوعي، اليوم لديها توجه باتجاهات ليبرالية ومنظمات المجتمع المدني، بالتالي لا يمكن أن نقارن وضعا شموليا يحدد التنوع السياسي الموجود، وما بين وضع ليبرالي، حيث توجد قوى عديدة ولديها وسائلها الاعلامية والسياسية والمال، ولا يمكن إطلاقا أن نعيد صورة الواقع من هذه الزاوية.

ثانيا، المناخ الفكري والسياسي العام، في ذلك الوقت كان للاتحاد السوفيتي حضوره، وخيارات الرأسمالية من جهة والبديل الاشتراكي، وكان يلهم الكثيرين، ولعب دورا حتى على مستوى البدائل للأنظمة القائمة والمشروع المجتمعي، ولابد أن نذكر ان في تلك الفترة في الثمانينات نشأ النظام النيو ليبرالي (الليبرالية الجديدة).

أحد المفكرين الماركسيين يصف الليبرالية الجديدة ويقول: إنها فكر مؤثر خلال الأربعين سنة الأخيرة. كان مؤثرا لأنه لم يكن فكر سلطة فقط، بل هو فكر واجه الفكر الاشتراكي واستطاع أن يعبئ، ونحن نعرف اليوم أن الليبرالية الجديدة دخلت حتى في الأحزاب الاشتراكية الليبرالية. ومقابل انهيار الاتحاد السوفيتي وكل ما يترتب عليه فكرياً نهضت الليبرالية الجديدة، وظهر ما يسمى في الكثير من البلدان “الرأسمالية” البحث عن بدائل جديدة. الليبرالية الجديدة التي تقدم لك نظاما معينا سواء كان خطأ أم صحيحا، لكن كان لها تأثيرها.

واجهنا على المستوى الفكري تحديا، وليس نحن فقط، بل الحركة الاشتراكية وكل الفكر المعادي للرأسمالية، يواجه هذا التحدي، اليوم بدأ الوضع يتغير منذ عام 2008 لأن الليبرالية الجديدة لأول مرة بدأت تتصدع وبدأت تواجه مشاكل.

ثالثا، المجتمع العراقي عاش الحروب والحصار والتداعيات المجتمعية، وحتى على مستوى السلوكيات والقيم والمواقف، حصلت هجرات منذ أواخر السبعينات، وهنا لا نتحدث عن هجرة الكم، انما هجرة النوع، فالكثير منهم حمل الفكر التنويري والتقدمي، المئات منهم إذا لم نقل آلاف من المثقفين اضطروا لترك البلد، وفيما بعد بدأت بتركه الفئات المهنية المحترفة.

بالتالي طرأ على المجتمع العراقي تغييرات ترافقت مع مجيء صدام حسين والدولة الشمولية، وفيما بعد الحرب وغياب البدائل الفاعلة داخلياً، هنا بدأ البحث عن الخلاص والطمأنينة، وصار التوجه نحو الأفكار الأخرى سواء دينية أو غيرها مجتمعياً، وفيما بعد تكرست، طبعاً بعد الحملة الإيمانية بشكل كبير، وجاء الحصار الذي لعب دورا هائلا على المستوى المجتمعي وخلق مجتمع البقاء، حيث أصبح هم الشخص أن يعيل عائلته، وهذه هي التغيرات الاجتماعية.

تنظيمياً العدد الذي كان ينشط في العمل السري محدود، وبعد العام 2003 جئنا إلى مجتمع الكثير من ملامحه لم يعد المجتمع الذي تركناه.. لم يعد نفسه؛ وهنا تأتي قضية كيفية التفاعل معه، على المستوى الوعي السائد، اذ قام صدام حسين بتقديم المجتمع للأحزاب الاسلامية على طبق من ذهب، كونه ضرب كل ما هو مدني وأنهى فضاءات الحرية وأبقى على المؤسسات الدينية، وجاءت الأحزاب الإسلامية ووجدت الأرضية مهيئة لها.

وفيما يخص الشباب، وضمن الواقع، طالهم ما طالهم، ومنذ الثمانينات ونزولاً، نشأوا بأجواء قطيعة معرفية وتشويه لكل ما هو تقدمي وتنويري، وغاب التواصل الذي رأيناه سابقاً في العائلة، فالنظام الديكتاتوري أرهب العائلة بحيث يتجنب الأب أن ينقل تجربته وفكره لابنه، فقضية التواصل تعرضت للانقطاع.

لا بديل عن الديمقراطية والتجديد

كيف تعاملنا نحن؟ منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وانعقاد المؤتمر الحزبي الخامس (الديمقراطية والتجديد) دخلت الديمقراطية والانتخابات على مستوى الآليات الداخلية للتنظيم.

صار التجديد في الحزب، أولا بالفكر، وبدأت كتاباتنا بعد عام 1993 إذا ما قورنت بالأحزاب الشيوعية في البلدان المجاورة، نجد أن هناك فرقا كبيرا في نوعية الخطاب، وهو أقرب إلى الواقع، وهذا لا يعني أننا نبذنا الفكر ولكن اليوم الفكر جاء من خلال ملامسة ومعايشة الناس بأشكال تعبيرية معينة.

الخطاب اختلف، هل اختلف بما يكفي وبدأ يصل لكل الفئات، لا، خاصة مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي واختلاف اللغة والخطاب، حيث يجب ان يكون مكثفا ومختصرا ومباشرا وبلغة مختلفة، وهذا تحد كبير، والوسائل أيضاً اختلفت ونهتم بها، جئنا متأخرين لوسائل التواصل الاجتماعي بكل مفاصلها ونحن الآن مهتمون بها.

تعدد الأجيال في الحزب قوة

الحزب عمره 89 عاما، ومن الطبيعي أن تجد فيه عدة أجيال، وليس مثل الأحزاب الناشئة، ويمكن ان نواجه شأننا شأن كل الأحزاب طويلة العمر التي لديها تعدد أجيال. الفرق الذي حدث بعد الثورة التكنلوجية والتطورات العلمية ووسائل الاتصال. أنتجت هذه الظروف عملية قطع، ولم يكن التطور هادئا.. اليوم بين الأب والابن هناك فجوة كبيرة على صعيد التكنلوجيا، أصبحنا نعيش في فضاء آخر، وسائل التواصل الاجتماعي والانترنيت والفضاء الرقمي، بحسب ما يصطلح عليه، هو عالم آخر كلياً، وهذا أيضاً انعكس علينا في داخل الحزب؛ هذه تحديات غير غائبة عنا، ونحن في داخل الحزب في آلياتنا في حالة تطور مستمر، كل هذا وغيره، أدى إلى صعود الشباب لقيادة الحزب، وهو غير كاف، ولايزال أمامنا تحدٍ كبير على المستوى القيادي.

على مستوى تلمس الواقع والاحتجاج على الواقع، نعم الشباب لديهم رفض كبير وطريقة تعبير عن هذا الرفض، وممكن نحن أبطأ في هذا الموضوع. فبرزت الحركة الاحتجاجية بأشكالها وخطابها، ونحن لم نتخلف عن الحركة الاحتجاجية لا بل كنا مبادرين منذ عام 2011 وغيرها، وفيما بعد هذه الحركة الاحتجاجية، توسعت خاصة في عام 2019 حيث طرأت ملامح جديدة؛ وهذه أيضا فرضت كيفية التواصل مع العمل الاحتجاجي.

التغيير الشامل وإعادة توزيع الثروة والسلطة

وشيء آخر، أريد أن أقوله في هذا الشأن قضية المعارضة، نحن اليوم طرحنا التغيير الشامل، وهذا التغيير الشامل ربما غير مفهوم بالنسبة للبعض، نحن نعتقد أن بعد عام 2003 صار هناك توزيع معين ليس فقط للثروة، نعم ربما الناس تحتج لأن الثروة سيئة التوزيع وهناك فوارق. رفضنا نحن أن يقترن بتوزيع السلطة والذي تم من خلال آلية المحاصصة ووزعت السلطة على أساس المكونات وممثلي المكونات، وفق هذا البعد الاجتماعي وليس البعد العمودي.

وعلى مدى 20 عاما مع هذا التوزيع الأولي، والذي كان يحاول معالجة المظلوميات “ كمبرر”، نشأت منظومة من المصالح مرتبطة بطريقة التصرف بالريع النفطي، أما من خلال الامتيازات المفرطة أو من خلال الفساد، وخلال هاتين العمليتين نشأت شريحة كاملة مستحوذة على السلطة وآلياتها، والتي هي مدخل للوصول إلى الثروة باعتبار أن البلد ريعي، والسلطة تعني الثروة.

اليوم عندما نريد أن نعارض ونقول التغيير الشامل، ربما نختلف حتى مع بعض الإخوة في الاحتجاجات ممن لا يدركون أبعادها، نحارب الفساد وضد الفاسدين، الفاسدون جزء من العملية، وفيما بعد يراد أن نأتي بحكومة تكنوقراط، لا، الموضوع أعمق، وحتى هذه الحكومات وغيرها هي جزء من الدولة، مثلا من يسيطر على الدولة ومؤسساتها.

اليوم نقول إن هذه الدولة خاصة بعد العشر سنوات الأخيرة، بعدما تمكنت شرائح جديدة، أصبحت بمضمون اجتماعي واضح، الدولة تخدم شريحة ضيقة في المجتمع العراقي بكل مكوناته ويشمل ذلك الإقليم ايضا، وهذه الشريحة الضيقة تتنافس فيما بينها على حصص السلطة والنفوذ، ولكن تجتمع على إعادة انتاج منظومة الحكم لأنها الوسيلة التي تمكنها من الاستحواذ على القرار والثروة، ليس هناك انتاج يخلق قيمة إضافية وثروة إضافية، فالثروة التي تتراكم في قطب من المجتمع يقابلها فقر مؤشراته واضحة، فـ 30 في المائة من الشعب تحت خط الفقر والعشوائيات وما إلى ذلك، بالتالي يستخدم اليوم مصطلح حكم الأقلية، لذلك ربما يُستخدم تعبير “الأوليغارشية” وهذا أصبح واقعا.

وحتى عندما نتحدث اليوم عن معركة قانون الانتخابات، فقضيتها أكبر من قانون “سانت ليغو”. المتنفذون يريدون انتخابات كوسيلة لشرعنة إعادة انتاج حكمهم، ونحن عندما نقول التغيير الشامل نتحدث عن تلك الآليات التي تجعل توزيع السلطة يديم اللاعدالة في المجتمع وهذه الاستقطابات ومنظومة الفساد، بالتالي نظرتنا أعمق، من يقف بوجه المنظومة الحاكمة؟ هنا يأتي التكتيك والاستراتيج، من يغير؟ من هي الشرائح الاجتماعية ذات المصلحة؟

في المجتمع قطيعة مع المنظومة الحاكمة

هناك مؤشر العازفين والمقاطعين للانتخابات الذي يصل إلى 80 في المائة، والبعض يقول حتى أكثر من 80 في المائة، وهذا يؤشر إلى أن هناك في المجتمع قطيعة معينة مع المنظومة الحاكمة، هل تحول ذلك إلى قوة فاعلة وضاغطة؟، المنظومة الحاكمة الآن تملك السلطة والمال والسلاح، وحتى يمكن جزء كبير من الإعلام وكذلك البعد الثقافي، وبدأت تتحرك كمنظومة متكاملة، وإذا أردنا أخذ مؤشراتها نأخذها من خلال الدولة، حتى في البرلمان اليوم تجد رجال أعمال واشخاص لهم امتدادات في مجاميع السلاح المنفلت.

هذا التشابك والتحالف موجود وهذه منظومة لها قدراتها الكبيرة، ما الذي يواجهها؟ تواجهها قوة الناس والانتفاضة، نعم لديها قوة تستطيع أن تزحزح، ولكن قد تكون لفترات. كذلك نحن باستراتيجيتنا نعارض نهج المحاصصة ليس لأنه فقط من معايير أسباب مجيء الفاسدين وغير الكفوئين، بل لأنه صيغة من صيغ توزيع السلطة، التي تعيد انتاج احتكارها، فنحن نريد أن نغير المحاصصة وهذا النهج من أجل أن يعاد توزيع السلطة على مستوى أكثر ديمقراطية وعدالة.

نعمل على مستويين

وأيضاً القوة المواجهة لهذا النهج، نسعى لأن تكون على مستويين، العمل من فوق والعمل من تحت، والأخير نحن نعطيه الأولوية، خاصة خلال السنوات الأخيرة، وهو الحراك الجماهيري، حيث تحتج الجماهير بأشكال مختلفة ونحن نتفاعل معها ولنا حضورنا، ونعمل على تشكيل اللجان والاصطفافات والتحالفات والائتلافات، ولا تأخذ خطا معينا، ومن ضمن ذلك العمل بين الشباب، ونريد أن نعمق البنى الاجتماعية الأكثر تماسكاً، فلدينا اليوم العمال وهناك فئات مهمشة من العملية الإنتاجية والريع، وهي الآن تلعب الدور الأكبر في الاحتجاجات، وهذه الشريحة تنظيمها وخطابها مختلف، ونواجه تحديات في هذا الشأن، وهذا أمر نلاحظه إذا ما حللنا القوى المشاركة في الانتفاضة.

ومن جانب آخر كما قلنا هناك العمل الفوقي، هذا العمل في البرلمان والدولة، ونحن لا نستثنيه، لكنه يخضع لمتطلبات العمل من تحت، وإذا اقتضى الأمر وأصبح هناك تعارض، نترك العمل الفوقي، ولذلك قدمنا استقالتنا من مجلس النواب وغادرنا مواقع، لأننا لم نشارك من أجل الموقع، ونحن نعتبر العمل البرلماني هو ميدان من ميادين الصراع الذي لا يمكن فصله عن باقي الميادين خارج مؤسسات الدولة.

وحين يتحدث البعض عن “السلمية”، ويجب ان يكون العمل فقط من داخل البرلمان، فهذا فخ، كون البرلمان بهذه الآليات لم يعد فاعلا، وإمكانية ان يتحرر ويكون عاكسا حقيقيا لإرادة الناس، فقد تم تحجيمه بأشكال مختلفة، من خلال القوانين والمال السياسي، وهذا أمر ندركه، لكن هذا لا يعني اننا نستهين بالبرلمان.

الإعلامي سالم السوداني المساهم في الحوارية، طرح تساؤلات عديدة، كانت قريبة للمداخلة، تحدث من خلالها عن دور الجمهور العام والنخب، والأمزجة المتغيرة التي تحرك القناعات.

ويرى السوداني في معرض حديثه، أن الجمهور، في أغلبه شئنا أم أبينا، مع أو ضد، منطلقاته دينية وإسلامية، ودائما لديكم تقاطع مع هذا الجمهور الكبير، الشيء الآخر مخاطبا الرفيق أبو رواء الذي تحدثت به جنابك عن الشباب، هل عمر الحزب بايولجياً 89 عاما أم هو متجدد، إذا كان 89 عاما فمعناها يحتضر، أريد إجابة على هذا السؤال من عندك.

وتابع السوداني مداخلته، بأن “وجهة نظركم معروفة وما تريديونه، والرفض معروف، وربما الناس أيضاً تنسجم وتتعاطف معكم في القضايا التي تحدثت عنها، حيث تحدثت عن أنكم تريدون التغيير الشامل وهذه كلها مقبولة ومعروفة عند الناس، لكن وظيفتكم ليست الرفض، بل أن تكون لديكم آليات لصنع البدائل وهي أصعب مرحلة عند الأحزاب، وهذه تحتاج إلى التفاتات، فالرفض بحد ذاته ليس هدفا ولا يقنع الآخر، بأنك صح فالجميع يمكنهم الرفض، بصراحة من خرج في احتجاجات تشرين هم ناس نوعيون، لكن بالنتيجة هم لا يمثلون كل الشعب أو نصفه، لذلك نحتاج صناعة قاعدة جماهيرية أخرى، كم لديكم شباب في الحزب وطريقة حساب حجمكم هذه بحاجة إلى إيضاح أيضا.

نحترم الخطاب الشعبوي ونتفاعل معه

رائد فهمي: الثقافة الشعبوية لها عاملان في تقديرنا، أحدهما هو وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح كل شخص هو وكالة أنباء ويبث رأيه مباشرة بدون فلتر أو أي نوع من الأفكار تطرح مباشرة في الفضاء العام، والعامل الثاني البنية المجتمعية، ذكرت أن المجتمع إلى حد كبير ضعفت فيه الأطر المنظمة، بالتالي ضعفت المؤسسة النقابية وحتى منظمات المجتمع المدني، رغم دورها إلا أنه لا يزال محدودا. المؤسسات الثقافية ودورها المجتمعي ليس بذلك الدور ويرجع ذلك إلى جملة من العوامل.

نحن أيضا نعاني من الشعبوية، وطبيعي أن تقول الناس مطالبها بشكل مباشر دون أن تتهيكل نظرياً، وقسم منها مقصود، شعبوية من باب الكسب والتحريض الجماهيري والتعبئة، والمعيار في المطاف الأخير الواقع الذي يفرزه، فمثلا حتى في الحركة الاحتجاجية منذ عام 2019 إلى الآن، هناك مراجعات في داخل الحركة الاحتجاجية وخطابها، وهذا الخطاب خضع لتجربة عميقة. الانتفاضة وما قدمته من تضحيات وما أعقب ذلك. هناك بعض الأفكار في الواقع بدأت تتشذب.

نحن لا نتعالى على الخطاب الشعبوي، ويجب أن نحترمه ونكون جزءًا منه ونتفاعل معه ونهذبه، وهذا ما نسعى اليه من خلال جانبين، الأول عبر وسائلنا التي لم نكن نعيرها اهتمام (وسائل التواصل) التي تلاقي صدى وتكون مصدرا للكثير من الأفكار الشعبوية، وأصبحنا نعير اهتماما كبيرا لوسائل التواصل الاجتماعي ولا نزال متأخرين قليلاً عنها، والجانب الآخر اهتمام الحزب بملامسة مشاكل الناس الحقيقية والحركات المنبثقة من رحم هذا المجتمع، حركات الاحتجاج بأشكالها، قسم منها مطلبية وقسم منها سياسية، ووجهتنا أن نحاول التواصل معها ولنا حضور فيها، وفي الفترة الأخيرة حققنا تقدما، حيث حققنا صلة بمعظم الحركات الاحتجاجية، واستطعنا أن نتجاوز بعض الفجوات التي كانت تفصلنا عنهم، بسبب قدرتنا على إطلاق حوارات فيما بينهم.

 وجزء آخر ما تسنده من داخل تلك الحركات، وبدأنا نتلمس منهم استعدادا للتحاور ليس بمعنى انهم يتقبلون ما نقوله كلياً، لكن هم بدأوا يدركون أن المصلحة مشتركة في أن يخوضوا حوارات، هذا الخطاب إذا تلاحظوه سواء مع قوى التغيير أو مع جماعات غيرها، لدينا حوارات ونقاشات معهم في هذا الموضوع، ويبقى العمل الاحتجاجي فيه بعد شعبوي بحكم طبيعته، لكن المطالب وغيرها بدأت تتشذب من خلال هذا التفاعل.

 ما نعارضه هو تسييس الدين

بالنسبة للدين، نحن بصراحة استراتيجياً نحاول أن نضع القضايا العقائدية والإيمانيات ضمن حريات الشخص، لكن عملية تسييسها وجعلها محاولة للتجييش ولخلق فجوة بيننا وبين القوى المدنية عموماً وبشكل خاص، كانت توجهات ذات طابع سياسي وهي محترمة، ونعمل أن لا تكون بيننا وبين جمهورها المتدين سدود وحواجز.

ونحاول ان نضع الموضوع وفقا لمساحته الاعتيادية الإيمانية وحققنا نجاحا في ذلك. واعتقد اليوم لو أخذنا صورة عن الوعي في 2003 و2004 و2005 ومن يراها اليوم، ويأخذ عينة من مواطنين اعتياديين يلاحظ أن هناك فرقا كبيرا، حتى عند السؤال عن المواقف من القضايا الدينية، ومن القضايا المدنية.

على المستوى السياسي، عملية جعل المشكلة كأنها مشكلة معتقدات ـ تسييس الهويةـ باختصار بدأت تصطدم بالواقع، والانتفاضة كانت أبرز تعبير عن هذا الموضوع، لاسيما حين ذكرت قضايا لا تتعلق بالهوية، لا بالدين ولا المذهب، وكانت تطالب بالوطن والكرامة وضد الفساد، بالتالي لاحظنا ان الصراع انتقل حتى داخل المؤسسات السياسية الدينية التي كانت تقول انها تحمي المذهب والدين، اليوم أصبح جمهورها تقليديا بعد معايشته للواقع والممارسات الفعلية.

في العمق الاجتماعي بالريف وبعض الأوساط، نعم لا نزال نواجه مشكلة، ولا يزال هذا الجمهور في ظل أجواء قوانين الانتخابات الراهنة هو عمق يؤمن للقوى المحافظة أن تصل للسلطة، حتى بالضد من مصالح هذه الجماهير، وحتى في العلاقات مع التيار الصدري، كان هذا الموضوع رئيسيا، في إحدى جوانب موقفنا، وليس كله، هو أن هذا التيار هو حركة عقائدية دينية شعبوية، كان ممكن أن تحمل اقسام منه مضمونا معاديا للمدنية والخ، وعندما أصبحت هناك فرص للتحالف، كانت رسالة سياسية للمجتمع ككل، من أن هذه الفجوة بغض النظر عن المضامين ليست عائقا يحول دون قيام لقاء سياسي على قضية معينة.

السوداني: لكنكم لم تحققوا سوى مقعدين في البرلمان؟

رائد فهمي: لم يكن تحقيق المقاعد البرلمانية معيارنا، بل وتنازلنا عنها في الأخير، فهو لم يكن هدفا بحد ذاته، بل كان هناك البعد الأكثر منه، نحن نعتبر قضية التغيير هي ليست فقط قضية القوى المدنية، فهذا الأمر يمس مصالح الناس كلها، بما فيها الناس من جمهور الحركات الإسلامية، فهم متضررون من واقعهم الاقتصادي والاجتماعي، وهم جزء موضوعي من القوى الاجتماعية التي لها مصلحة في التغيير، فقسم من التحالفات والائتلافات تهدف إلى تحريك جماعات مجتمعية بهذه الوجهة.

هناك فهم خاطئ للتحالفات، إذا لم تحقق شيئا فهذا لا يعني فشل التحالف، فكل التحالفات التي أجريناها فيها عناصر نجاح وعناصر فشل، بما فيها الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، يمكن للتحالف ان يكون لغرض معين، فالتحالف مع الصدريين كان من الممكن ان يستمر وحقق شيئا معينا، لكن نحن غادرناه، عندما لم يحقق شيئا آخر، وهذا لا يعني نهاية الدنيا، واليوم لا يمكنك التقدم بدون تحالفات، وأي حديث عن أن أي حزب يحقق شيئا لوحده، لا تدعمه معطيات الواقع.

البعض يقول إن من في السلطة جهلة ونحتاج إلى تكنوقراط لإدارة السلطة، وهذا الفكر خطر، لان القضية لا تتعلق بالجهل، وقد يكون الوزير لا يملك معلومة، لكن لديه استشاريون وتصل له المعلومة، وجميعهم يعرفون الفساد ومسبباته ويعرفون أن احد مشاكل الفساد هي طريقة اختيار الشخص وآليات العمل والشفافية، لكن لا يعملون بها، التكنوقراط قد يكون فيه بعد يخدم المنظومة الحاكمة، فالقضية ليست فنية، لذلك نحن نتكلم عن الدولة وليس فقط الحكومة، فهي على مدى 20 سنة تعبر عن مصالح معينة، فلو لم يكن هناك أي أحد من الأحزاب الحاكمة للسلطة، وتأتي بعناصر جيدة لن تستطيع تسيير الدولة كما تريد.

لذلك يجب ان يكون هناك فهم لما نقصده بالتغيير الشامل، وأنه لن يتحقق بدفعة واحدة، إلا إذا كانت هناك ثورة عارمة، وعناصر من متطلبات ذلك غير متوفرة، وممكن ان يكون هناك عمل تراكمي، خلال هذه الفترة نعمل على أولوياتنا، فالحكومة الحالية مثلا أولت أهمية للجانب الصحي ونحن نعمل على مقترحاتنا للصحة، وكذلك في التعليم، اليوم هناك التعليم الخاص والطب الخاص، نحن لسنا ضد وجودهما بشكل مطلق، ولكن أن يصبح التعليم الخاص أساسيا والتعليم العام ثانويا، هنا تكمن الخطورة، لان هناك بعد اجتماعي، فليس كل الناس تستطيع الوصول للطب الخاص وللتعليم الخاص.

مفاهيمنا تجد طريقها إلى جماهير واسعة

وبالنسبة لمقياس النفوذ المباشر في الدولة محدود، ولكن أن أريد التحدث عن النفوذ والتأثير الفكري للحزب، اليوم لا أحد يتجرأ ويدافع عن المحاصصة فكرياً، فكرة التغيير بالأساس نحن أول من طرحها، واليوم حتى نسمع أيضا السيد مقتدى الصدر يتحدث بالتغيير، وحتى فكرة التغيير الشامل، ونلاحظ أن الكثير من الأفكار أصبحت سائدة.

الحزب والقوى المدنية الأخرى لعبوا دورا كبيرا، بمعنى أنه في الفضاء الفكري القوى المتنفذة في حالة تراجع ودفاع، هل تلاحظ التناقض؛ وهم أقوياء في كل شيء، ولكن البرنامج الحكومي هو البرنامج الذي طرحته الاحتجاجات، واليوم عندما يتحدث رئيس مجلس الوزراء سواء السوداني وقبله الكاظمي وغيرهما يتحدثون بأطروحات ومواضيع تطرحها القوى المدنية لا أطروحاتهم.

أما أن لديهم إجراءات للتضييق على الحريات، نعم، لديهم، لكن الفضاء الفكري والسياسي يخلق أرضية أفضل لتحويل هذا الفضاء إلى واقع أحرز على المستوى المفاهيمي، وتحديد طبيعة الأزمة تحتاج إلى متابعه تحويله وتمكينه بالأدوات السياسية الفاعلة وهذا التحدي الأكبر.

علي شغاتي: في بداية الحديث لابد من الإشادة بالجهود المبذولة من قبل الحزب من خلال الإصرار على رفع الدعاوى الدستورية ومنها ما يخص عدم إرفاق الحسابات الختامية مع الموازنات العامة، وأعتقد أن هذه الاجراء يسهم بشكل مباشر بتذكير القوى المتنفذة بوجود دستور يجب احترامه وأن الاستمرار في انتهاكه يخل بمجمل العملية الديمقراطية في العراق.

هناك أسئلة ملحة تدور دائما، ما أبحث عن الإجابة لها، أولها يعود إلى عام 2003 حيث انفرد الحزب الشيوعي العراقي عن بقية أحزاب المعارضة بموقف وطني رافض للحرب والدكتاتورية، لكن بعد سقوط النظام اشترك الحزب في مجلس الحكم والعملية السياسية.

والأمر الآخر، هو التطور في الخطاب السياسي ما بعد انتفاضة تشرين والانتقال من شعار الإصلاح إلى التغيير ثم التغيير الشامل وما رافقه من عدم مشاركة في الانتخابات، لكن المتابع للخطاب السياسي يلمس أن هناك تراجعا في نوعية الخطاب وهذا ما يفسر ربما بالتراجع عن شعار التغيير الشامل.

هذه المواقف تحمل من الضبابية الشيء الكثير ولا بد من توضيحها للجمهور، وفي حال المشاركة في الانتخابات ما هو ميزان القوى الذي يمكن تغييره في ظل سيطرة الأحزاب المتنفذة على مؤسسات الدولة؟

والسؤال الأخير، هل هناك راهنية للمشروع اليساري الديمقراطي في العراق؟

رفضنا الغزو الأمريكي واحتلال العراق

 رائد فهمي: فيما يتعلق بموضوع الاحتلال، فموقف الحزب كان واضحا برفضه للغزو الأمريكي واحتلال العراق، أما فترة ما بعد الاحتلال فقد طرح الحزب خيار تشكيل حكومة قوى ائتلافية لكل الأطراف المعارضة لملء الفراغ السياسي، ولكن هذا الأمر لم يتحقق.

وعلى صعيد الموقف السياسي، فأن قوى المعارضة العراقية اشتركت في مجلس الحكم، أما القوى التي وقفت في وجهة العملية السياسية فهي إما قوى صدامية وأخرى اتضح في ما بعد اشتراكها في العمليات الإرهابية، وبالتالي من غير الممكن التحالف مع البعثيين الصداميين أو من يريد عودة النظام السابق، و الحزب في عام 2003 كان في مرحلة تضميد الجراح وإعادة البناء وترتيب الأوضاع والتواصل مع الجماهير، وطرح خيار البقاء خارج العملية السياسية يعني العزلة، خاصة وأن طيفا واسعا من العراقيين كان تواقاً ومتطلعاً للخلاص من الدكتاتورية والاستبداد، ونشير إلى أن القوى التي قاطعت العملية السياسية اندثر أغلبها.

وعليه فأن الحزب اعتبر المشاركة في مجلس الحكم هو ميدان آخر من ميادين الصراع لقطع الطريق أمام تمرير المشروع الأمريكي (الليبرالي) بشكل كامل، والذي نعتقد أن المواجهة لا تقتصر على شقة الاحتلالي، فالمشروع الاقتصادي تحول إلى صراع داخل منظومة الحكم.

ومثال على ذلك أول المشاريع الامريكية كانت الخصخصة والإجراءات الحاسمة لتغيير البنية الاقتصادية على غرار مصارف بولونيا وغيرها، وفشل مشروعها بمقاومة من داخل مجلس الحكم لأسباب عديدة، والكثير من الأمور لم تكن تسير كما يريدها الامريكان، وأخرى سارت كما يريدون.

وأريد التذكير هنا ان المؤتمر الوطني الثامن للحزب أكد أن العملية السياسية تعيش نوعين من التناقض بينها وبين أعدائها، فالإرهاب ودعاة عودة النظام الشمولي من جهة، والصراع على الدولة ومحتواها ومضمونها من جهة أخرى، ولهذا فأن الحزب اعتبر قضية البرلمان والحكومة ميادين للنضال من أجل تبني المشروع المدني الوطني الديمقراطي، ببعده الاجتماعي والاقتصادي.

العمل في مؤسسات الدولة هو وجه آخر للصراع

  أما موضوع عدم المشاركة في الانتخابات فالقضية غير مطلقة وتعتمد على الظروف وبنية النظام وطبيعتها، وتحليل الوضع السياسي، وفي حال وجود كتلة متماسكة داخل مؤسسات الدولة مثل البرلمان يمكنها خوض صراع لتمرير قوانين تهم المواطنين مثل الضمان الاجتماعي والمحافظة على الحريات و عدم المساس بها، خاصة ونحن نرى المحاولات الدؤوبة للقوى المتنفذة للمساس بالمكتسبات الدستورية من خلال طرح مسودات قوانين منافية لحقوق الانسان والدستور، وعليه فأن المشاركة في الانتخابات والدخول إلى مؤسسات الدولة لا يتنافى مع شعار التغيير الشامل، فالعمل في داخل مؤسسات الدولة هو ميدان آخر للصراع.

إن وضوح الرؤية في مواجهة منظومة الحكم واختيار ميادين الصراع ضروري جدا في تحقيق الأهداف، خاصة وأن كل ميادين الصراع مفتوحة أمامنا لخوضها، وعليه نعتقد أن القوى الداعية للتغيير عليها عدم الركون والسكون في جانب واحد، فالعمل داخل البرلمان غير كافٍ، لذلك نؤمن بضرورة وجود ظهير شعبي ضاغط للأفعال السياسية من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف وصولا إلى التغيير الشامل.

وحول راهنية المشروع اليساري في العراق، فأن المنظومة النيو ليبرالية العالمية تصدعت بسلسلة أزمات وخاصة بعد عام 2008، لأن الرأسمالية اختلفت وتحولت إلى رأس مالية ريعية، ويمكن ملاحظة الأمر من خلال انتاج الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وغيرها، وتتلخص ريعيتها في انتاج برامج وتحقيق الربح من ارتفاع الأسهم الخاص بها، بالتالي هذه الرأسمالية يكبر حجمها عن طريق الميدان المالي وليس الميدان الانتاجي، وهذا الأمر خلق أزمات عميقة وكرس الفوارق الاجتماعية.

 ونحن نتحدث الآن عن مشروع يصطدم بالرأسمالية ويتجاوزها، خاصة وأن الرأسمالية بحالتها الحالية وآلياتها بالنسبة للبشرية غير قابلة للاستدامة وذات الحال ينطبق على العراق.

الناشط المدني أنس عزاوي: هناك مجموعة من الحركات الاجتماعية التي تتبنى خطابا مشابها لخطاب الحزب الشيوعي في مواضيع عديدة منها قانون الانتخابات، ودائما ما يأخذ الحزب الشيوعي على عاتقه عملية لملمة الاوراق وتوحيد الصفوف وتنظيم الحراك الجماهيري، اليوم أين يجد الحزب نفسه في ظل وجود حركات جديدة ناشئة تتبنى هذا الخطاب الذي كان حصراً للحزب الشيوعي العراقي؟ وما هو مدى التقارب بينكم وبين الحركات الناشئة، فالبعض يتهم هذه الحركات الناشئة بانها تمول من الاحزاب الحاكمة ونشأت في كنف هذه الاحزاب وخرجت للساحة فقط للمشاغلة؟

منظمات المجتمع المدني ليس بديلا عن الأحزاب

 رائد فهمي: إن مناقشة ظهور الحركات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني يعود لتسعينات القرن الماضي وما طرح في حينها من انتهاء دور الأحزاب السياسية في الحياة العامة، أثبتت التجربة عدم صوابه، فلا يمكن اعتبار منظمات المجتمع المدني بديلا للأحزاب ولا العكس، وكل جهة لها ساحتها وميدان عملها.

وظهور الحركات الاجتماعية الاحتجاجية له أسباب موضوعية، وكما معلوم أن لها تركيبات متنوعة وأثبتت أنها ممكن أن تهز وتسقط أنظمة كما في مصر وتونس، وهنا أيضا أسقطت حكومة عادل عبد المهدي، لكنها لا تستطيع خلق بدائل لعدم امتلاكها مشروعا متجانسا كلياً، وإذا انطلقت لتأسيس المشروع المتجانس فأنها بحاجة إلى شكل من التنظيم أقرب إلى تنظيمات الأحزاب، وهذا ما حدث فعلا بعد انتفاضة تشرين حيث رفع البعض في البداية شعار كلا كلا للأحزاب، لكن القوى الفاعلة في الاحتجاج عادت لتشكيل الأحزاب وهذا التطور إيجابي.

إن هذه التنظيمات أفقية وما زالت لا تمتلك العمق الكافي والخبرة لمواجهة منظومة متمرسة مستعدة للمواجهة معارضيها بالقمع السافر والترغيب والاندساس وتشويه السمعة، ومن ضمن ذلك ايجاد تنظيمات مفتعلة، ويمكن للمتابع رصد الاتهامات والتخوين في ما بين أعضائها.

رؤيتنا في التعامل مع الجميع تتم عبر الأفعال والمواقف لا التخمينات، وعملية الفرز تمر عبر المواقف، لهذا طرحنا مشروعنا من خلال قوى التغيير الديمقراطية وتوصلنا إلى تفاهمات يمكن لها بناء تحالف رصين لا يهتز أو يتصدع عند أول اختبار.

الحديث عن مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي يطمح لأن يكون بديلا للمنظومة الحاكمة عليه خلق استدامة وقدرة على مواجهة الصراعات والانعطافات، وأن يستند إلى مشروع فكري رصين يعزز الثقة والعمل المشترك، وعليه فأننا نسعى من خلال مظلة قوى التغيير الديمقراطية للعمل بهذا الاتجاه.

رؤى خلف: هل يمكن ان تتوحد القوى المدنية مع الأحزاب التشرينية لأنه دائما تعتبر القوى المدنية هي الأصعب ومن الصعب أن تتوحد؟، والسؤال الآخر معني بالحركة الاحتجاجية، هل يعتقد الحزب أنه من الممكن أن تكون هنالك نهضة للحراك الجماهيري كما حدث في تشرين 2019؟، وأخيرا كيف يواجه الحزب الشيوعي المزاج الجديد من مسألة التنظيمات الحزبية؟

نعمل على البعد الاجتماعي والسياسي في الحراك

رائد فهمي: إن صعوبة توحيد الحركات والقوى المدنية تكمن في استنادها إلى قناعات فكرية مختلفة، لهذا نخوض نقاشات معمقة من أجل إيجاد صيغ معينة لتوحيد الأهداف والرؤى مع تنوع الأطر، عليه فأن توحيد العمل يشترط توحيد الرؤى والأهداف والاولويات.

إن الدعوة إلى إقامة الدولة المدنية المنبثقة من الشعب ودولة المؤسسات والقانون، ليست هدفا للقوى المدنية وحدها، فهناك طيف واسع من العراقيين الذين يحسبون على التيارات الدينية يدعون إلى إقامة الدولة المدنية، وعليه من الضروري الجمع بين القضايا الفكرية والسياسية دون إلغاء او إقصاء البعد الاجتماعي من أجل تحقيق الهدف المنشود في إقامة الدولة المدنية الديمقراطية.

نلاحظ أن هناك مشكلة ما بين البعد الاحتجاجي والبعد السياسي؛ فالعمل الاحتجاجي فيه خطاب شعبوي، وفي السياسة يجب ان تكون هناك ملموسيات، لهذا هناك تفاوت بينهما، ونحن نتفهم هذا الموضوع ولا نضعه كعائق أمام إقامة الصلة، ولكن في الوقت نفسه نميز بين الاحتجاج والرفض المطلق للأشياء.

اما حول موضوع عودة الحركة الاحتجاجية، فالتاريخ ليس بالضرورة ان يعيد نفسه بذات الصيغ، ومن الصعب أن تنشأ انتفاضة أخرى بنفس الطريقة، لكون السلطة تعلمت من تشرين والمنتفضون هم أيضا تعلموا منها الدروس والعبر.

ان المار من ساحة التحرير يمكنه ملاحظة وجود قوات حفظ القانون بشكل كبير في الساحة، السبب ان المنظومة الحاكمة لا تريد ان تفاجأ بمثل ما حدث في 2019، لهذا في أي احتجاج نجد ان نسبة قوات الأمن تمثل ثلاثة مقابل واحد من المحتجين.

عوامل تجدد الانتفاضة قائمة

المشاكل والقضايا التي انبثقت بسببها الانتفاضة لا تزال قائمة، ولا يمكن حلها من خلال إجراء تعيينات هنا وهناك، والمنظومة الحاكمة غير قادرة على انتاج الحلول، لهذا أقدمت على إعداد مسودة قانون للموازنة يمكن أن يطلق عليه مصطلح “استرضائي” لشراء صمت الناس وإعادة الصلة معهم بعد القطيعة الواضحة والعزوف عن المشاركة في الانتخابات، واستقالة الصدريين من مجلس النواب.

قد يعتقد البعض أن الحديث هنا يعني الوقوف بالضد من عملية خلق فرص العمل للناس، وهذا خلاف للواقع، فنحن نشير إلى أن هذه الطريقة ستخلق ازمات مستقبلية لا يمكن معالجتها، والسير في هذا النهج الفاشل محفوف بالمخاطر على الصعيد الاقتصادي والمالي، لكن المنظومة المتنفذة تحاول تحويل حالة الهدوء الحالي إلى استقرار وهي تعلم ان هناك فرقا كبيرا بين الأمرين.

نعتقد ان منظومة الحكم غير قابلة للاستدامة، بمعنى أن هذا النهج مكلف سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وأن استمراره يعني تعميق التناقضات الاجتماعية، وعدم بناء الدولة، لأن هنالك تناقض جوهري ما بين نهج المحاصصة القائم على اقتسام السلطة وما بين بناء الدولة، وما بين وجود مؤسسات مسلحة مرتبطة ظاهريا بالدولة لكن لديها إدارة منفصلة ومنظومة قيادة ومشروع آخر.

إن موضوع حصر السلاح بيد الدولة هو ضمن برنامج الحكومات منذ عام 2018، لكنها لحد الآن غير قادرة على احتكار السلاح ومحاسبة العناصر المنفلتة.

إن المسعى الحالي للحراك الاحتجاجي هو الشق المطلبي، على القوى الفاعلة تدارك هذه الاحادية قبل فوات الأوان لكون مفتاح الحل الجوهري لازمات العراق هو العمل السياسي.