حلّ الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ضيفا على ندوة حوارية بعنوان “الوضع العراقي الى اين؟”، ضمن فعاليات معرض أربيل الدولي للكتاب، للحديث عن الأوضاع السياسية الراهنة، حاوره فيها الدكتور محمد احسان.
غياب العدالة الاجتماعية
وردّ فهمي على اسئلة المحاور بالقول: ان “المشهد السياسي في العراق بعد عام 2003، جرى تأسيسه وفق مبدأ الديمقراطية التوافقية، التي جرت ترجمتها الى (المحاصصة) في الوقت الذي كان ينتظر فيه العراقيون ان تتحول البلاد نحو نظام ديمقراطي مؤسساتي”، مشيرا الى ان “هذا النهج قاد البلاد بعد مرور 20 عاما الى أزمة بنيوية من ابرز مظاهرها استشراء الفساد في كافة مفاصل منظومة الحكم، ما جعلها عاجزة عن تقديم أي شيء، إضافة الى عدم الاستقرار الأمني واستمرار التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي”.
وأضاف فهمي، ان “منظومة الحكم عاجزة عن تقديم الحلول للازمات التي تواجه البلاد، والدلائل واضحة فالعراق ما أن يخرج من أزمة حتى يدخل في أخرى اعمق وأشد”، مبينا ان “الفساد وسوء الادارة خلقا تفاوتا اجتماعيا كبيرا بين الفئات الاجتماعية من خلال تكدس الثروات بيد الأقلية الحاكمة، ومن يتبعها في مقابل الفقر المدقع لملايين العراقيين، ما يؤشر غيابا واضحا للعدالة الاجتماعية.
التغيير ممكن
واكد الرفيق خلال الندوة التي شهدت حضوراً لافتاً ان “التغيير عبارة عن عملية تراكمية متعددة الابعاد، منها سياسي مباشر، وآخر جماهيري يتعلق بالوعي والثقافة والتشريع”، مؤكدا ان “القوى المتنفذة ليست ـ كما تحاول ان تصور نفسها على أنها كتلة صلدة ـ انما هناك تباين وتمايز في ما بينها، وبالتالي فأن عملية احداث التغيير ممكنة في حال توفر الضغط الشعبي اللازم لذلك”.
وبيّن فهي “ضرورة السعي لتحقيق تغيير شامل وجذري يطال المنظومة الحالية المولدة للازمات بشكل دائم”، معتبرا “استمرار الحركة الاحتجاجية منذ عام 2011، دليلا راسخا على فشل المنظومة والحاجة الماسة الى تغييرها بشكل جذري”.
ويعلل فهمي عدم إمكانية تحقيق استقرار سياسي في البلاد بـ”وجود تنافس شديد بين قوى منظومة الفساد على السلطة، وهذا يقود أيضا الى صعوبة تأمين حالة استقرار اقتصادي”.
المنظومة غير قادرة
وأشار الرفيق الى ان “المنظومة القائمة غير قادرة على فرض إرادتها او إنفاذ القانون، اذ تتحدث الحكومة عن تشريع قوانين جديدة. نعم، بعضها جيد، لكن المشكلة لا تكمن في التشريع، انما في آلية التنفيذ”، منوها بأن “بناء دولة فاعلة وقادرة على بناء رؤية وطنية، وتمتع باستراتيجيات في ظل هذه المنظومة، ربما صعب المنال”.
وبيّن فهمي، ان “العائلة العراقية ذات الدخل المتوسط تجد صعوبة اليوم في تأمين التعليم والصحة ومتطلبات العيش الكريم، وبالتالي فإن هذه العوامل تسهم في زعزعة بنية المجتمع ومقومات الدولة”، منوّها بـ”صعوبة استمرار ديمومة انسيابية الريع النفطي في ظل تعاظم نفقات الدولة على القطاع العام”.
وحول المعرقلات أمام الاستثمارات الخارجية في القطاعات الصناعية والزراعية، ذكر فهمي، أن الابتزاز والفساد يشكلان عائقا أساسيا أمام هذه العملية.
البنية السياسية هشة
واسترسل في حديثه، أنّ “الحكومة الحالية تشكلت بعد أزمة مستعصية، وطرحت منهاجا حكوميا والتزامات حددت بتوقيت زمني (100 يوم)، لكن هذه المهلة مضت من دون ان يتحقق شيء”، معتبرا ان “البنية السياسية في البلاد هشة، وتبدو عاجزة عن التفكير في مشاريع بعيدة الأمد، لأن أي حكومة تنتهي ولايتها تذهب مشاريعها معها، وهذا يشكل دليلا دامغا على عدم وجود عملية تراكم في اتجاه تحقيق بناء الدولة”.
الدولة لم تحصر السلاح بيدها
وحول حالة اللادولة، يشرح فهمي بان هناك قوى متنفذة مستفيدة من حالة عدم بناء مؤسسات للدولة، من اجل المحافظة على مواقعها ومكتسباتها التي من الصعب المحافظة عليها في ظل وجود مؤسسات قوية، مبرهنا على ذلك “بعدم قيام الحكومة ـ مثلا ـ بحصر السلاح بيد الدولة، وإيقاف الانتهاكات والتدخلات الخارجية، وعليه فالدولة غائبة عن الكثير من القضايا المتعلقة بسيادة البلاد، على الرغم من تشخيصها من قبل المنظومة الحاكمة لكنها تبقى غير قادرة على معالجتها”.
وبخصوص توازن القوى الدولية، اكد فهمي ان هناك “تركيزا على العراق، وزيارات المسؤولين الدوليين الى العراق ليس صدفة؛ فهناك تحديات دولية مثل الحرب الروسية الأوكرانية التي لديها تداعيات سلبية على العالم بصورة عامة”، مشيرا الى ان “الحرب جعلت من ملف الطاقة يكون في صلب اهتمام العالم خاصة وان العراق يحتل مكانة كبيرة في هذا المجال، على اعتبار خزينه النفطي ومجالات متعددة أخرى”.