شارك الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، أمس، في المؤتمر السياسي السادس للتجمع الوطني التقدمي.
والقى الرفيق فهمي خلال المؤتمر، كلمة الحزب بهذه المناسبة، حيث جاء فيها ما يلي:
“يسعدنا المشاركة في افتتاح أعمال مؤتمر التجمع الوطني التقدمي السادس وأن أتوجه لكم باطيب التحيات والتمنيات بالنجاح في مداولاته والخروج بالقرارات والتوصيات التي تعزز وحدة العمل الوطني العراقي في ظل ظروف بالغة الصعوبة وأزمات محتدمة تحاصر شعبنا وترهق حياته اليومية وتزيد من معاناته بسبب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتردي الخدمات وتدهور الظروف البيئية وعدم الاستقرار الأمني والسياسي وتغول الفساد ومنظوماته وامتداده إلى جميع مفاصل الدولة ، إضافة إلى الانتهاكات المستمرة للسيادة الوطنية وللقرار الوطني المستقل.
ينعقد مؤتمركم ومنظومة الحكم التي افرزتها العملية السياسية القائمة على نهج المحاصصة الطائفية والأثنية تشهد أزمة مركبة وشاملة تجد تعبيرها وتجلياتها في الأزمة السياسية الخانقة التي لا تشل عمليا التداول السلمي للسلطة وحسب، لعجز مجلس النواب عن انتخاب رئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، وإنما تفاقمت آثارها لتزعزع أركان البناء الدستوري للنظام السياسي ، إذ خرقت جميع المدد الدستورية لانتخاب الرئاسات أوادت في سابقة ليس لها نظير في التجارب الديمقراطية، إلى انسحاب أكبر كتلة فائزة في الانتخابات من مجلس النواب، ما يؤشر أزمة في عملية الانتقال الديمقراطي ومؤسستها الرئيسة المتمثلة بالبرلمان ، والتي اختزلت اصلا إلى مجرد انتخابات. كما تتضح يوما بعد آخر، انعكاسات هذه الأزمة الوخيمة على حياة المواطن وخصوصا الفئات والشرائح الشبابية في المجتمع، الضحية الأكبر لانسدادات وفشل منظومة حكم المحاصصة والفساد.
إن ما بات يوصف بالانسداد السياسي، يعكس إذن أزمة أكبر وأعمق من مجرد الفشل في تشكيل حكومة جديدة، وهي أزمة العملية السياسية القائمة على المحاصصة والتي تمثل أس البلاء والحاضنة للفساد والمسؤولة الأولى عن الفشل في عملية إعادة بناء الدولة وأدائها وقدرتها على النهوض بوظائفها الأساسية في خدمة المجتمع والحفاظ على أمن الوطن واستقراره والذود عن سيادته الوطنية وضمان أمن المواطن وتوفير البيئة الملائمة لمؤسساته الدستورية الديمقراطية والاتحادية لاداء مهامها .
وتؤكد التطورات الحالية ما سبق أن قمنا بتشخيصه مع الكثير من القوى والأحزاب والشخصيات الوطنية والمدنية الديمقراطية، بأن استمرار النهج القائم على المحاصصة الطائفية والأثنية، والتي ضاقت قاعدتها أكثر لتتحول إلى محاصصات حزبية وفئوية ضيقة لأحزاب وقوى تدعي تمثيل المكونات في الوقت الذي يعبر أبناء هذه المكونات عن رفضهم لهذه القوى، كما دللت انتفاضة تشرين الباسلة وحركات الاحتجاج الشعبي المتواصلة في العديد من المحافظات، وكما عكسته ايضا الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب التي شهدت مقاطعة وعزوف أكثر من سبعين بالمائة من الناخبين وانحسار قاعدة التمثيل الشعبي لمجلس النواب الحالي لأقل من عشرة بالمائة من المواطنات والمواطنين الذين يحق لهم التصويت، وقد تقلصت هذه النسبة أكثر باستقالة نواب الكتلة الصدرية من مجلس النواب..
في ضوء كل هذه المعطيات والجوانب المتعددة للأزمة المستحكمة، بات التغيير ضرورة ملحة وآنية لأجل إخراج البلد من دوامة الأزمات ووضعه على سكة الاصلاح الجدي والتعافي لمواجهة التحديات الوجودية أمام العراق.
وفي هذا الشأن تبرز مسألتان أساسيتان ، الأولى تحديد ماهية التغيير المنشود، والثانية كيفية تغيير موازين القوى السياسية لصالح مشروع التغيير، أي تشخيص القوى المحركة والحاملة لمشروع التغيير وتحديد واضح لأهدافه القريبة والبعيدة وطريقة التغيير التي تعتمدها تلك القوى ووسائلها وأشكال العمل التي تلجأ اليها وتستخدمها في هذا الصراع السياسي.
وبخصوص هاتين المسألتين نرى إن عمق الأزمة وتعدد مستوياتها ومجالاتها وطابعها البنيوي، تقتضي تغييرا يتصف بالشمولية، أي يشمل الشخوص والقوى المتحكمة بالعملية السياسية وبالنهج والسياسات، كما يتطلب إصلاحات عميقة في الدولة وأجهزتها، وبتعبير أكثر تكثيفا نلخص توصيف التغيير المطلوب بالتغيير الشامل الهادف إلى مغادرة نهج “الديمقراطية التوافقية” ومرجعيتها الفكرية دولة المكونات والتوجه نحو دولة المواطنة، المدنية الديمقراطية القائمة على العدالة الاجتماعية.
إن عملية التغيير في ظروفنا الحالية، ولأجل أن تكون سلمية ودستورية كما ننشدها، تتطلب تعديل موازين القوى السياسية لصالح القوى التي تتبنى هذا المشروع بعناوينه ومضامينه الأساسية، ولصالح الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية التي لها مصلحة في تحقيقه، وهي تمثل نسبة عالية من المجتمع، إن لم نقل غالبيته كما عكسه التضامن المجتمعي الواسع مع مطالب تشرين ونتائج الانتخابات، والنسبة العالية للعزوف والمقاطعة ورفض الأحزاب الماسكة بالسلطات. إلا أن الاستياء والرفض الواسعين في المجتمع لم يتحولا إلى قوة سياسية مكافئة بسبب الانقسامات والتشتت وضعف تنظيم هذا الرفض والسخط المجتمعي، إضافة إلى عدم عدالة المنظومة الانتخابية، ووجود السلاج خارج سيطرة الدولة، وغياب ضوابط استخدام المال السياسي، وكانت كل هذه العوامل سببا في عدم تمكن انتفاضة تشرين من تحقيق كامل أهدافها في التغيير.
وعلى خلفية هذه اللوحة السياسية والاقتصادية - الاجتماعية وتجربة الحراك السياسي والمجتمعي خلال السنوات الأخيرة، نرى أن على جميع القوى الوطنية والمدنية الديمقراطية، والحراكات الاحتجاجية والأحزاب الناشئة من رحم انتفاضة تشرين والنواب المستقلين المنبثقين من رحم الحراك الاحتجاجي والانتفاضة، أن تلتقي رؤاها ومشاريعها السياسية في الأهداف المتمحورة حول نبذ نهج المحاصصة وحكوماته التوافقية الراعية للفساد، وعليها أن تعمل جديا وبصورة مثابرة على تطوير عملها وصلتها بالجماهير والسعي لتوحيد رؤاها وعملها على أساس مشروع سياسي متكامل يشكل بديلا مقنعا لمنظومة المحاصصة والفساد .
ويتطلب ذلك من كل منها التحلي بالمرونة المبدئية وتجاوز الخلافات الثانوية والشخصنة ونبذ ممارسات التسقيط السياسي والانطلاق من المشتركات مع التحلي باليقظة إزاء كل محاولات التشويه والاحتواء والالتفاف والتخريب التي تلجأ اليها القوى المناوئة والمعادية لمشروع بناء دولة المواطنة والمؤسسات الديمقراطية القائمة على العدالة الاجتماعية.
نجدد تمنياتنا بالنجاح لأعمال المؤتمر ولكل المساعي الهادفة إلى توحيد جهود القوى والأحزاب الوطنية والمدنية الديمقراطية والخيرة في المجتمع”..