اخر الاخبار

في باكورة نشاطات مهرجان “طريق الشعب” الثامن، استضافت خيمة الندوات الرفيق ياسر السالم، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، للحديث عن “الإعلام ونزاهة الانتخابات” والدور الذي ينبغي أن يلعبه الإعلام الوطني في إنجاز عملية التغيير المنشودة، قدمه فيها الرفيق سيف زهير.

 اشار الرفيق السالم في حديثه الى أن “جانبًا كبيرًا من العملية الانتخابية يرتكز على الإعلام. وكما هو الحال في كل دول العالم وعلى مر التاريخ، فإن الطبقة المهيمنة هي التي تتحكم بالمؤسسات الإعلامية، وتحولها أداة تنفيذ لأجندتها ولتوجيه الرأي العام لصالحها، حتى لو عمدت لتزييف الحقائق. ومن البديهي أن تلعب الإمكانيات المادية لهذه الفئات المتنفذة دوراً في سيطرتها على صناعة الإعلام بمختلف أشكاله”.

 حيادية الاعلام في العراق

وقال السالم بانه لا يوجد إعلام محايد وموضوعي في العراق في الوقت الحالي الا ما ندر، فما هو موجود مرتبط بالطبقة المهيمنة، بالبرجوازية الطفيلية والبيروقراطية، التي تعتاش على ثروات البلد، وتستغل الأموال في استخدام أدوات التأثير وفي مقدمتها وسائل الإعلام، بغية إدامة هيمنتها على السلطة والثروة.

وأكد السالم أن “مجمل القنوات الإعلامية ووكالات الأنباء والصحف هي في الغالب مرتبطة بأحزاب وشخصيات سياسية موجودة في السلطة، وحتى تلك التي تدّعي الإستقلالية، فهي في حقيقة الأمر مرتبطة بهذا الشكل أو ذاك بأجندة ما وتخدم اتجاهًا سياسيًا معينًا، وهناك العديد من الأمثلة المتعلقة بما يخوضه المتنفذون من صراعات سياسية واجتماعية خلال السنوات الماضية عبر وسائل الإعلام”. وأضاف بأن “لا أحد ينتظر من الفاسدين التعامل بأخلاقيات العمل السياسي، لأنهم فاقدون اساساً للمنظومة الأخلاقية، وبالتالي هم يفعلون كل شيء لتزييف الحقائق والوعي، و من أجل صناعة أوهام. وخير مثال على ذلك وجود بعض الشخصيات السياسية والاعلامية التي تظهر في الإعلام لتتحدث عن الاستقرار وكأنه حقيقة قائمة، فيما يفند الواقع ذلك”.

 منظومة مأزومة

وبيّن الرفيق ياسر السالم بأن “البلد يواجه أزمات عديدة، وتسودة حالة من عدم الاستقرار، جراء نهج المحاصصة الطائفية والإثنية، وتغول الفساد وانتشار السلاح المنفلت، وما تواصل أزمة سعر صرف العملة الوطنية وتأثيرها القاسي على الواقع المعاشي للمواطنين والكادحين منهم بشكل خاص، وأزمة المياه والجفاف الذي يعاني منه العراق، والتي سببت حسب آخر إحصائية لوزارة التخطيط بنزوح 126 ألف عائلة من مناطقها الريفية خلال عام 2023 فقط، الاّ أمثلة صارخة على ذلك. وهناك أيضاً صراع الإرادات والعصابات التي تحاول فرض سيطرتها على أموال الدولة. من هنا تكتسب الهيمنة على وسائل الإعلام وتجنيدها لتغييب وعي الناس وخلق حالة من الوهم لديهم، أهمية كبيرة عند الفاسدين والمتنفذين”.

الإعلام والإنتخابات

وأكد السالم على أن لوسائل الإعلام تأثيرات كبيرة على الإنتخابات، “من خلال توجيه خطاب محدد للجمهور يدعم شخصيات وقوى محددة، غالباً ما تكون إما من قادة الكتل السياسية المتنفذة والمشاركة في الانتخابات أو من المرشحين، بحيث يصبح ظهورهم في الإعلام ووصولهم الى الناس متاحًا دوماً، فيما لا يتمكن المرشحون ممن لا يمتلكون مؤسسة إعلامية أو مالاً يدفعوه لهذه المؤسسات، من الحصول على فرص متشابهة أو حتى متقاربة مع فرص هؤلاء، ويصبح وصول خطابهم ورؤيتهم للجمهور أصعب، وبالتالي يصعب على الناخبين التعرف على هؤلاء المرشحين وعلى برامجهم، بغية التصويت للأفضل”، موضحًا أن “المحرك الأساسي للإعلام الأن هو المال والمال السياسي بالتحديد، وما يُدفع كفيل بتوفير المساحة الإعلامية للظهور، وغير ذلك يعني الاعتماد على النفس وعلى الصلة المباشرة مع الناس والسمعة وثقة الناس بك”.

 وسائل التواصل

وبيّن أن “وسائل التواصل الاجتماعي لها عدة استخدامات، ونحن نعرف أن هذه الوسائل متاحة للناس، وبإمكان أي شخص أن يعبر عن رأيه من خلالها، ومع ذلك، لا يتم التعامل فيها بشكل عادلٍ، بمعنى أن من لا يملك المال في وسائل التواصل لا يتساوى أيضا مع الآخرين الذين يمتلكونه”، مشيرًا إلى أن “المساحة التي نعتقد أنها متاحة للجميع هي بالأساس غير متاحة، وتحتاج إلى أموال طائلة من أجل الترويج والوصول إلى الجمهور، وخير مثال على ذلك ما شهدناه في حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني، فقد كان التقييد على هذه الحملة دليل أخر على زيف الادعاء بأن وسائل التواصل هي إعلام الشعب ومتاحة للجميع”.

تقصير المفوضية

وانتقد السالم “عدم وضع قواعد إعلامية متكاملة من قبل مفوضية الانتخابات واقتصار الأمر على بعض التعليمات والأطر العامة”، مؤكدا على أن “عدم وجود تعليمات وضوابط تحقق مستوىً من العدالة لظهور كافة المرشحين بشكل متساوٍ أمام الجمهور، يعّد خللاً كبيراً، يضاف الى عدم قيام المفوضية نفسها بحملة إعلامية دعائية لحث الناس على المشاركة في الانتخابات، رغم قيامنا بتنبيهها على ذلك قبل أشهر من الآن”. وأشار إلى أن “ملايين العراقيين لم يستلموا بطاقاتهم حتى الأن، رغم انهم قاموا بتجديدها، كما لم نرَ فِرقًا جوالة من المفوضية أو حملة لحث الناس على المشاركة الفاعلة في الانتخابات”.

 الصلة بالناس هي الأقوى

ونوه الرفيق ياسر السالم إلى أن “عدم توفر المال للدعاية يجعل الأصوات التي يحصل عليها المرشح غالية جدًا، لأنها أصوات لم تتأثر بكل حملات التزييف والتضليل وحملات التلميع التي تقودها المؤسسات الإعلامية المدفوعة الثمن”، كاشفًا على سبيل المثال، عن حصول إحدى المؤسسات الإعلامية على 5 ملايين دولار من أجل تغطية حملة تحالف واحد فقط!.

وأوضح السالم أن “من يعمل من أجل البقاء في السلطة، وليس خدمة الناس، فاقد للقدرة على التنافس الإنتخابي النزيه، لذلك يستخدم كل الأساليب غير الحميدة لتحقيق غايته، بمعنى أنه لا يكتفي فقط بالترويج لحملته الانتخابية ولقائمته، بل هو أيضًا يستخدم ويدفع الأموال من أجل تسقيط الآخرين وما حدث مع “تحالف قيم المدني” وشخوصه من تشويه، دليل دامغ على أن هذه حملات مدفوعة الثمن، وإنها ربما ستشتد في الفترات القادمة، لاعتبارات عديدة، من أبرزها خوف المتنفذين الفاسدين من الخطر الكبير الذي يمثله هذا التحالف على سلطتهم وإمكانياته في استقطاب جمهور واسع”.

وأكد السالم على “وجود حملة كبيرة لتشويه صورة مرشحي “تحالف قيم المدني” وترويج ادعاءات بوجود تحالفات مدنية وديمقراطية منافسة له، رغم ما يلقاه هذا الترويج المضلل من صعوبات”، مشيرًا إلى “حصولنا على قائمة بأسماء مدونين مؤثرين، تم التعاقد معهم لكي يشنوا حملات لهذا الطرف أو ذاك مقابل رواتب شهرية، نعم لقد وصلت الأساليب والممارسات غير الشريفة للترويج والدعاية لبعض الأطراف السياسية، الى هذا الحد من الإسفاف للأسف”.

واستغرب السالم من “ارتباط بعض الأسماء الكبيرة بمثل هذه المشاريع المشبوهة، حيث إن مستوى كتاباتهم ومواقفهم يثير الدهشة من انخراطهم في مثل هذه المشاريع، ويرينا مدى التأثير الكبير للمال السياسي على الحملة الانتخابية، ومدى الحاجة لفضح هذه الممارسات التي تحاول تزييف الوعي وطمس الحقائق، في كل المنابر الإعلامية المتاحة”.

وأشار إلى أن “مستوى الوعي تغير ومساحته اتسعت في الوقت الحالي داخل المجتمع العراقي، رغم أن فيه جانبان، أحدهما سلبي ومحبط ويرفض العملية السياسية، والأخر ايجابي وهو الذي يقاوم هذه المنظومة ويسعى إلى التغيير”.

 جايين نغيّر

وأشار السالم إلى أن “الأحزاب والقوى المدنية قررت المشاركة في الانتخابات المحلية لأنها تعتقد بوجود إمكانية وفرصة جيدة لتحشيد الجمهور باتجاه مشروعها الوطني الذي يقف في الضفة المقابلة لمنظومة المحاصصة والفساد، ويمكن تعبئته في هذه المرحلة الحرجة والحساسة”.

وذكر بأن “كل ذلك يعتمد على الخطاب السياسي والقدرة على تقديم خطاب مقنع، وامتلاك أدوات هذا الخطاب و رؤيةً وموقفًا سليمين، وأحيانًا امتلاك لغة سليمة، يمكن من خلالها أن تتم مخاطبة مستويات عديدة من الوعي وبأشكال مختلفة”.

وشدد على أن “التواصل المباشر هو أفضل الطرق للتأثير في مزاج الناخب العراقي ووعيه، دون أن يعني ذلك التقليل من قيمة بقية وسائل الاتصال سواء كانت وسائل التواصل الاجتماعي أو الفضائيات أو الإذاعات أو وكالات الأنباء وحتى الصحف، ولكن إذا كان تأثير تلك المواقع هو 50 في المائة على الناس، فالصلة المباشرة وحدها توازي تلك الوسائل مجتمعة”.

وأكد “نحن نخوض هذه الحملة سياسيًا وإعلاميًا، ومن الجيد أن نرصد المخالفات التي تقع، وأن نطرح الخطاب بعدة طرق، فمهما جرى الحديث عن نزاهة الانتخابات يبقى الأمر نسبيًا لأن المال السياسي يبقى مؤثرًا في العملية الدعائية وبطبيعة الحال من يمتلك الأدوات والمال سيصل إلى أكبر مستوى من الجمهور في مقابل طرف آخر من الصعوبة ان يصل، ولكن هذه العملية ليست دائمًا وثيقة الصلة بتحقيق الفوز”.

وتابع أن “كل الانتخابات ترافقها قفزات في الوعي وتظهر نتائجها بشكل يخالف استطلاعات الرأي الرصينة التي كانت تجري في وقتها، وهنالك أمثلة عديدة في أمريكا اللاتينية وغيرها، حيث الأحزاب اليسارية تصدرت المشهد خلافاً للتوقعات السائدة آنذاك”.