اخر الاخبار

خبايا جديدة

عن سرقة القرن

نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريراً مطولاً للكاتب نيكولاس بيلهام، حول ما سمّي بسرقة القرن، أعاد فيه عرض الوقائع الخاصة بسرقة 2.5 مليار دولار من الحساب المرقم 60032 والخاص بالتأمينات التي تدفعها شركات النفط وغيرها تمهيداً لمنحها عقوداً حكومية. وأكد التقرير على أن الفساد المستشري في مفاصل الدولة وهيمنة السلاح المنفلت، منعا وزارة المالية من متابعة حركة هذه التأمينات لمدة طويلة، كاشفاً عن قيام الوزارة في العام الماضي، بتكليف خبير سويدي من أصل عراقي، يدعى حسين قنبر، للتحقيق في الأمر، وبمساعدة فريق من المحامين والمحاسبين الأكفاء. وقد وجد هذا الفريق، أن الحساب رقم 60032 في مصرف الرافدين شبه فارغ، بعد أن حُّولت أمواله إلى خمس شركات غير معروفة، بواسطة مجموعة من الشيكات غير الإصولية.  

المحاصصة والتفاوت الطبقي

وأعتبر التقرير المحاصصة التي بُنّي عليها النظام السياسي، بعد الإحتلال الأمريكي في عام 2003، قاعدة لتفشي الفساد، مذ تم تقسيم السلطة بين أحزاب وتجمعات، تدعّي تمثيل الطوائف والقوميات المكّونة للشعب العراقي، وتهيمن في ضوء ذات القسمة على الثروة في البلاد، التي ينخر أغلبية سكانها الفقر وتشهد ثاني أعلى نسبة وفيات للأطفال في الشرق الأوسط، رغم أنها تعّد نظرياً من أكبر البلدان إنتاجاً للنفط في العالم، حيث بلغت وارداتها من تصديره 115 مليار دولار في العام الماضي فقط.

ونقل الكاتب صوراً مخيفة عن التفاوت الطبقي في العراق، بين سكنة العشوائيات وبيوت الصفيح، الغارقة في النفايات ومياه الصرف الصحي، والتي تتحول أفراناً في صيف البلاد اللاهب، وبين بيوت النخبة السياسية المليئة بأثاث مذهب وسجاجيد فاخرة.

لعبة جر الحبل

وأعرب بيلهام في تقريره عن إعتقاده بأن العراق يعاني من مصاعب لعبة جّر الحبل، الذي تمسك كل من أمريكا وإيران بأحدى طرفيه وتسعى لسحبه بشكل يوفر لها فرصة الهيمنة عليه بالكامل. وخضعت قضية التأمينات الضريبية لتأثير ذات اللعبة، حيث حاول الكاظمي، رئيس الحكومة السابق والقريب من واشنطن، إتهام خصومه بالمسؤولية عن المشكلة، فيما وجّه هؤلاء اللوم له ولحكومته ووزير نفطه، في الوقت الذي يعيش فيه الجميع ببحبوحة اقتصادية ومالية كبيرة، لا يعرف أحد مصادرها، حسب إدعاء المجلة.

واضاف بيلهام بأن التقرير الذي طلب الكاظمي من الخبير قنبر إعداده، كي يُعرض على مجلس النواب لمناقشته، في مسعى منه للتغلب على معارضيه، فشل في الوصول إلى مبتغاه رغم الضجة السياسية والإعلامية الكبيرة التي أثارها، وذلك بسبب تصويت المجلس على إقالة وزير النفط، ذي العلاقة المباشرة بالتقرير، والذي رفض السكوت مقابل رشوة بعشرة ملايين دولار، حسب مناصريه، أو رُفض طلبه لمبلغ رشوة أكبر منذ ذلك، حسب خصومه.

هل كان كبش فداء؟

وإدعّى بيلهام، أن تقرير قنبر تضمن ثلاثة أسماء لرجال أعمال، إستفادوا من سرقة مبالغ التأمينات، الاّ أن السلطات إكتفت بإعتقال أحدهم، والذي كان وسيطاً، كما يبدو، في تسهيل معاملات الرجلين الآخرين، مستفيداً من قرار منع ديوان الرقابة المالية من متابعة النشاط المالي لهيئة الضرائب.

وبسبب عدم وجود قطع نقدية عراقية أكبر من 50 ألف دينار، فقد فاق إرتفاع أموال السرقة، إرتفاع جبل كليمنجارو، أي 6000 متر لا غير، وإنها أنفقت في الداخل وهُرّبت إلى الخارج عبر القاعة المخصصة للاستخبارات في المطار، حسب تقرير المجلة.

وخلص التقرير إلى القول بأن الحكومة أعلنت عن إستعادة 10 في المائة من المبلغ (270 مليون دولار) مما دعاها لإطلاق سراح المعتقل من سجنه الفاخر، ثم ألغت تجميد أصوله، وسمحت له بالسفر ليساعد في إستعادة الأموال، حسب تصريح رئيس مجلس القضاء الأعلى للمجلة، والذي أكد على مواصلة ملاحقة المسؤولين عن السرقة.