اخر الاخبار

يتحدث خبراء في مجال الآثار، عن إمكانية تحويل العراق إلى قبلة سياحية عالمية لو قامت الجهات المسؤولة بالاهتمام بالمواقع الأثرية القديمة التي تعتبر كنزا ثقافيا وحضاريا مهما، وللعراق ريادة فيه.

ووفقا للخبراء، فإن التخريب والتجاوز والاهمال طال هذه المواقع التي عاد الحديث عنها مجددا بعد زيارة بابا الفاتيكان التاريخية إلى العراق، مؤكدين أن الوعود لا تكفي ما لم تكن هناك استراتيجية واضحة، واجماع على انصاف البلد وآثاره، التي يتطلع الكثير من الأجانب إلى زيارتها، فيما لو توفرت الظروف المناسبة.

 

آثار بابل.. قصة معاناة

ففي محافظة بابل، تتعرض المواقع الأثرية التي تعود إلى أهم العصور التاريخية من حضارات العراق القديم، إلى الاعتداءات المستمرة، والإهمال، فضلا عن عدم التخطيط الجيد لتحويلها إلى واجهة حضارية وقبلة للسائحين.

المسؤولون في الحكومتين المركزية والمحلية، اثبتوا طوال السنوات الماضية عدم جدارتهم بإدارة ملف الآثار البابلية الثمينة, ليصل الحال فيها إلى ما لا يسر، بحسب المختصين.

ويتحدث الخبير الآثاري في المحافظة، هادي كاطع موسى، عن حجم الخراب والأسباب الكثيرة التي تهدد وجود الآثار رغم الدعوات الكثيرة إلى حمايتها.

ويشير موسى خلال حديثه مع “طريق الشعب”، إلى وجود عوامل كثيرة تؤثر سلبا على سلامة ووجود الآثار، ومنها “العوامل الطبيعية، مثل الأملاح وارتفاع منسوب المياه الجوفية، ونمو النباتات الطبيعية والحشائش والقصب وأشجار النخيل. حيث إن هذه العوامل تؤثر في تلك الآثار المجففة بالشمس، والمصنوعة من الطابوق المشوي”.

وأشار الى العامل الآخر هو اساءة الإنسان إليها، فالكثير من المواطنين الذين يزورون مواقع بابل الأثرية، لا يحترمون الآجر الأصلي الذي يعود الى فترة القرن الثالث قبل الميلاد، فيما تجدر الإشارة إلى أن قوات التحالف بعد عام 2003 ساهمت بتدمير الكثير منها، وتسببت بكوارث فظيعة، وألحقت الضرر ببرج بابل الذي يعد من أهم معالم المدينة الأثرية هناك”.

 

صيانات غير علمية

ويضيف موسى الذي كان عضوا في لجنة كتابة ملف بابل على لائحة التراث العالمي، إن “الصيانات للمواقع الأثرية في بابل وعموم مناطق العراق، لم تكن وفق المعايير العلمية، وهذا خطأ فاضح بدأ النظام السابق فيه، واستمر إلى الآن. ولا بد من اعتماد معايير منظمة العلوم العالمية (اليونسكو). علما أن الأغلبية من المسؤولين في الحكومات المحلية والمركزية غير مؤهلين لقيادة هكذا معالم وآثار حضارية ثمينة، فيما يعتقد الكثير منهم بأنها مجرد أصنام، منطلقين من رؤى متطرفة جدا لا يمكن أن تنمو السياحة الأثرية في ظلها، رغم أن بلدنا يحتل الريادة بين دول العالم في هذا الجانب”.

ويؤكد الخبير لـ”طريق الشعب”، أن “الجزء المنقب في بابل حتى الآن يتراوح بين 13 – 15 في المائة، وأما الثروات الأثرية المتبقية فكلها تحت الأرض وبحاجة إلى أموال وخبرات لغرض تنقيبها، وفي حال تم ذلك فسيتحول العراق إلى واجهة حضارية وبلد مستقطب للسياح من مختلف بقاع الأرض”، داعيا إلى “التعامل مع الجامعات العالمية التي تريد التنقيب في العراق بدون أي مقابل مادي باستثناء المناخ الآمن وأشياء اخرى بسيطة مثل حق النشر وغيرها. وأنا شخصيا كنت على تواصل مع الكثير من هذه الجامعات التي ابدت استعدادا كبيرا لمساعدة العراق مثل جامعات في بولونيا، أمريكا، اليابان، ألمانيا، فرنسا وغيرها”. 

 

خطر يهدد سور نينوى

وخلال الأيام الماضية، شهدت محافظة نينوى غضبا واسعا بسبب ما نشر بخصوص تعرض الآثار فيها إلى عمليات تجريف وتجاوز.

وكشف عضو البرلمان السابق، جوزيف صليوا، عن قيام عائلة أدعت عائديه أرض كبيرة لها بالبناء فيها رغم أنها تضم قطعا أثرية. حيث إن الأرض صادرها النظام السابق قبل عقود وقدم التعويض مقابل ذلك. لكن العائلة نالت مجددا ملكية الأرض بعد عام 2003 بسبب قرارات قضائية وإدارية “غير صحيحة”. 

ويبيّن صليوا خلال حديثه لـ”طريق الشعب”، أن “الأرض قريبة من سور نينوى وتبلغ مساحتها 12 دونما، وادرجت بزمن النظام السابق ضمن مساحة السور الأثرية، لكنها الآن تتعرض لعمليات بناء وتجاوزات بسبب قرار قضائي من نينوى، ومقابل ذلك تحرك البرلمان ضد ما يجري وخصوصا من قبل لجنة النزاهة النيابية، وتم ايقاف العمل مؤقتا فيها. علما إن مركبات كانت تنقل الأحجار إلى جهات غير معلومة، وهذا يتطلب الوقوف عنده وحماية المواقع الأثرية من النهب والتخريب”.

وقال صليوا انه “حصلت الجهة المالكة على قرار غريب سمح لها بالعمل والصيانة قرب 4 أمتار من سور نينوى رغم أن القانون ينص على وجوب ابتعاد أي نشاط مسافة لا تقل عن 30 مترا”. 

وتداول ناشطون في المحافظة صورا على مواقع التواصل الاجتماعي أوضحت تسوية جزء من سور نينوى مع الأرض، برغم أنه يعود إلى سنة 612 قبل الميلاد.

ويوضح صليوا أن “مؤتمرا صحفيا تم عقده بالقرب من الموقع اعتراضا على ما يجري، والان نستعد لتقديم شكوى لدى الادعاء العام بسبب قرار القضاء في نينوى، الذي اجاز العمل بالقرب من الموقع الاثري واعادة الأرض إلى الجهة التي عوضت عن مصادرتها سابقا. كما سنقدم مذكرة احتجاج إلى الجهات المسؤولة، موقعة من قبل شخصيات وأحزاب ومنظمات ومهتمين بهذا الشأن”.

 

موقف وزارة الثقافة

وبشأن ما يجري، يؤكد وكيل وزارة الثقافة، عماد جاسم، أن وزارته وضعت حاليا في قمة أولوياتها قضية استثمار زيارة البابا لتكون حافزا ومنطلقا على إحياء السياحة الدينية والثقافية في العراق.

ويوضح جاسم خلال حديثه لـ”طريق الشعب”، وجود “شركات تعاقدت على ترميم بعض المواقع الأثرية، لكنها فشلت ولم تنجز مهامها، والآن يجري التنسيق مع منظمات دولية بهذا الشأن”، لافتا إلى أن الوزارة “تعاني من شح التخصيصات المالية المرصودة لها في الموازنات والتي تقف عائقا أمام تطوير المواقع والاهتمام بالسياحة الدينية والأثرية”.

ويتابع الوكيل قائلا “هناك تنسيق دولي مع منظمات خارجية مهتمة بالآثار العراقية، وتعتبرها منجزا يخدم البشرية بشكل عام، فضلا عن دعم الفاتيكان لهذا الملف، وسيتم العمل على بلورة هذه العوامل في اطار عملية قد تسفر عن أخبار سارة خلال الأشهر القادمة”، مبينا أن “الوزارة الآن جادة في خطواتها لتصحيح أخطاء الفترات السابقة. وأن أمامها الكثير، فالعراق يملك ثروة أثرية كبيرة ففي مدينة أور ورغم الحديث عنها، ما زال أكثر من 95 في المائة من المواقع غير منقبة”. 

وشدد على وجود “تجاوزات طالت المواقع الأثرية في أكثر من محافظة رغم المخاطبات الرسمية للحكومات المحلية بشأن حمايتها، لكن بناء المواقع السكنية مثلا والبيوت المتجاوزة استمر في ظل ظروف البلد المتردية، ما يتطلب السعي إلى حملة صارمة لا تتهاون مع ما يجري، وهذا ما تسعى الوزارة اليه حاليا”. 

 

ثروة النجف المنسية

ومن مدينة النجف التي تضم مواقع أثرية مسيحية وإسلامية قديمة، يتحدث الخبير الآثاري، حيدر الجنابي، عن وجود 200 موقع مسجل.

ويكشف الجنابي لـ”طريق الشعب”، عن وجود “160 موقعا مسيحيا، و 40 موقعا اسلاميا كمعالم أثرية قديمة في النجف، وهناك جهود تبذل حاليا لحمايتها، لكن بعضها تعرض إلى التجاوز والنهب بعد عام 2003 وبنيت عليها مشاريع بطرق مخالفة”.

وفيما يتعلق بمنطقة الطارات (محمية طبيعية) يقول الخبير: إن “قسما منها تحول إلى مقابر أو مجمعات سكنية بعدما أحيلت على دائرة البيئة ولم تعد ضمن مهام دائرة الآثار. علما أن النجف تضم كنيسة يبلغ عمرها 1700 عام، فضلا عن وجود 33 ديرا وكنيسة قديمة ومقبرة كبيرة للمسيحيين، مساحتها 1416 دونما، ومواقع أخرى طالبنا كثيرا بالاهتمام بها، لكن وزارة الثقافة فشلت في ذلك، ولم تستفد حتى من القاعات التي خصصتها المحافظة في قصر الثقافة النجفي، الذي كان يفترض أن يكون متحفا مهما، حيث لم تتسلمها الوزارة، وبقيت على حالها منذ ثمانية اعوام”.

وزاد المتحدث، “لو تلقت الآثار في النجف اهتماما فستشهد المحافظة نهضة كبيرة وتعزيزا للسياحة الدينية فيها. ومن المفارقات، انني قدمت الى الفاتيكان تحقيقات تفصيلية بخصوص المواقع الاثرية المسيحية، وتمت الاستجابة لها بعدما ارسل الفاتيكان وفدا اقام اول قداس في الكنيسة القديمة، وأعلن عنها، بينما الجهات المسؤولة لا تبالي بهذا الملف المهم”.

عرض مقالات: