اخر الاخبار

تصاعدت خلال الآونة الأخيرة معدلات التشوّهات الولادية  في مختلف مدن العراق، بعد أن كان الأمر محصورا في مدن تعرضت لملوثات صناعية خطيرة، أو طالها قصف خلال الحروب، لا سيما عام 2003، بأسلحة محرمة دوليا مثل “الفسفور الأبيض” و”النابالم”.

وتعد الفلوجة والبصرة من أكثر المدن تلوثا بالغاز النفطي والألغام ومخلفات الحروب. ولا تزال الفلوجة وضواحيها تسجل النسبة الأعلى للمواليد المصابين بالتشوّهات، تليها الرمادي وتلعفر ثم بغداد. كما ظهر تأثير هذه الملوّثات على البصرة بشكل كبير. إذ تواصل معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية فيها، ارتفاعها.

وشهدت محافظة ذي قار قبل أيام، ولادة غريبة لطفل بعين واحدة، توفي بعد ساعات من ولادته. فيما تداول ناشطون ومدونون على مواقع التواصل، صوراً للطفل، وتحدثوا عن مخاطر التلوّث، مطالبين الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالتدخل.

5 في المائة مشوّهون!

يقول اختصاصي طب الأطفال في بغداد، أحمد العامري: “يولد حوالي 5 في المائة من أطفال العراق بتشوّهات وأمراض قاسية، ويتوفى بعضهم بعد يوم أو يومين، وأحياناً بعد ساعات من ولادتهم”.

ويوضح في حديث صحفي أن “العيوب الولادية تكون في أشكال مختلفة، منها الولادة بشفاه غير سليمة، واختلاف حجم الرأس وبقية أجزاء الجسم، وتضخم الأطراف وانكماشها”.

ويتابع قائلا: “كذلك ظهرت حالات محيّرة وغريبة ونادرة لمواليد يعانون مشكلات في العظام والقفص الصدري، إضافة إلى أمراض في القلب، ويملكون أعضاء بأحجام متفاوتة وغير طبيعية، ولديهم انتفاخات في أجهزة التنفس”، مرجعا الأمر إلى “الجو الملوّث في البلاد، سواء بسبب مخلفات الحروب أم الملوّثات الجديدة الناتجة عن غازات حقول النفط، فضلا عن المخلفات الصناعية التي ترمى في النهر، وغيرها”.

ويؤكد العامري أن “مدناً جديدة دخلت في دوامة التشوّهات الولادية، بعد ما كانت تخلو منها في الماضي، وبينها محافظة بابل التي سجلت أخيراً حالة تشوّه لطفل حديث الولادة عانى قبل وفاته تجمع سوائل غير معروفة في دماغه”!

التلوّث المعدني

تنقل وكالة أنباء “العربي الجديد” عن مسؤول في دائرة صحة بغداد، قوله أن “أسباباً كثيرة تقف وراء زيادة حالات التشوّهات، بينها زواج الأقارب. لكن هذا السبب لا يعتبر رئيساً لولادة أطفال مصابين بأمراض غريبة، وأشكال نادرة وغير طبيعية. إذ إن غالبية التشوّهات الولادية في بغداد تعود إلى زيادة التعرض للتلوّث المعدني والرصاص، إضافة إلى تلوّث المياه والهواء بسبب المعامل الخاصة والحكومية”.

ويضيف المسؤول الذي لم تكشف وكالة الأنباء عن اسمه، أن “هناك مصادر تلوّث من مصافي النفط. وقد ثبتت ولادة أطفال بتشوّهات أدت إلى وفاتهم، في منطقة الدورة التي تعتبر من أكثر مناطق العاصمة تلوثا بسبب مصفى النفط الموجود فيها”.

البيئة تتوقع تصاعد التلوّث

توقعت وزارة البيئة، أخيراً، تصاعداً خطراً في نسب التلوّث والملوحة في المحافظات الجنوبية، بسبب أزمة المياه، في حين لا تتوفر معالجات لهذه الأزمة.

ويقول وزير البيئة نزار آميدي، أنه “مع قدوم فصل الصيف، وقلة الإمدادات المائية التي تصل من دول توفر موارد مائية للعراق، ستزداد نسب الملوحة والتلوّث، خصوصاً في محافظات البصرة وذي قار والمثنى”، مشيرا في حديث صحفي إلى أنه “من أولويات البرنامج الحكومي الحالي معالجة الملف البيئي والمناخي، ورصد مخصصات مالية عاجلة لمعالجة المشكلات البيئية التي يعانيها البلد، ومواجهة مشكلات التغيّرات المناخية”.

الأنشطة الحكومية هي السبب

من جانبه، يؤكد وكيل وزارة البيئة جاسم الفلاحي، أن “التلوث يؤدي إلى الكثير من الأمراض وينشر الأوبئة، كما يسبب تشوّهات خلقية”، لافتا في حديث صحفي إلى أن “مصادر التلوّث في الأصل هي أنشطة حكومية، منها صناعية وخدماتية، وأخرى تتعلق بمعامل ومنشآت. فهذه الأنشطة تستخدم النفط الأسود، وتخلّف كميات من انبعاثات الكربون المضرّة التي تلوّث الهواء والماء والتربة. في حين هناك نقص في التقنيات الحديثة الخاصة بمعالجة التلوّث”.

ويضيف قائلا أن “وزارة البيئة تعمل مع بقية الوزارات على تشييد منشآت حديثة لمعالجة مياه الصرف الصحي ومخلفات المعامل والبلديات، والحفاظ على جودة ونوعية المياه التي تعتبر شحيحة أيضاً. كما تتعاون مع وزارة النفط في تنفيذ مشاريع لمعالجة تلوّث الهواء، وتفادي حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط”.

وينوّه الفلاحي إلى أن “التلوّث الذي تخلفه الأنشطة الصناعية والخدماتية المختلفة والحروب، يدمر الإنسان وبيئته”.

الفلوجة أشد من هيروشيما وناغازاكي!

إلى ذلك، تلفت اختصاصية طب الأطفال في الفلوجة، سميرة العاني، إلى أن “دراسة أعدت عام 2011، أشارت إلى أنه مقابل كل ألف مولود جديد هناك نحو 147 يولدون بتشوهات خلقية. وأن نسبة تشوهات الأطفال في الفلوجة تزيد 14 مرة على مثيلتها في مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، اللتين تعرضتا لقصف ذري”.

وتضيف قائلة: “وجد الباحثون زيادة نسبتها 38 ضعفاً في أعداد الإصابة بسرطان الدم بين سكان الفلوجة، مقابل زيادة بلغت 17 مرة بين سكان هيروشيما اليابانية. في حين ارتفعت إصابات سرطان الثدي لدى الإناث عشرة أضعاف، كما سجلت زيادات كبيرة في أورام الدماغ لدى البالغين”.

الإشعاع يفتك بالبصرة!

ومن البصرة، تؤكد الاختصاصية في أبحاث الأورام السرطانية، عروبة البصري، أن “كارثة التلوث الإشعاعي في البصرة تفتك بالمواطنين. إذ يصل إلينا يومياً عدد غير قليل من الحالات المصابة بمختلف الأورام السرطانية، خصوصاً النساء المصابات بأورام في الثدي والرحم”، مبينة في حديث صحفي أن “معظم المصابين ينتهي بهم المطاف إلى الوفاة، بسبب قلة الإمكانات اللازمة لعلاجهم”.

وترى البصري أن “سبب تلك الأورام هو الإشعاع، وان أغلب الضحايا هم ممن يسكنون قرب مصادر الإشعاع. فلا زالت آلاف الأطنان من المخلفات الحربية الملوثة في المدينة تفتك بالأهالي، وتنشر السموم الإشعاعية في التربة والهواء والماء.. هذه كارثة بيئية لا بد من التصدي لها، فأهالي البصرة يموتون جميعاً ببطء”.يذكر أن إحصاءات رسمية سابقة كشفت عن وجود 300 موقع ملوّث في العراق بسبب الحروب، تحتاج إلى مليارات الدولارات وعشرات السنين لتطهيرها. كما كشفت عن وجود 63 موقعاً عسكرياً ملوّثاً نتيجة العمليات العسكرية. ووفقا لخبراء، فإن نسبة التلوّث البيئي تضاعفت في البلاد 11 مرة منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، محذرين من غياب الاهتمام، وقلة المخصصات المالية لملف البيئة في ظل انتشار الفساد المالي والتخبط الإداري!