اخر الاخبار

بعد أن ارتفعت فيه نسب التلوث إلى مستويات حرجة، وطاولت عذوبته وشوّهت منظره، لم يعد نهر دجلة كما كان سابقا. فمياهه اليوم، خاصة في بغداد، غير صالحة للاستهلاك البشري، وحتى الحيواني!

وعلى امتداد مساره في الأراضي التركية والسورية والعراقية، يواجه دجلة تهديدات بيئية متفاقمة، أفقدت مياهه عذوبتها المعهودة. وتفيد دراسات حديثة بأن معدلات التلوث في النهر بلغت مستويات غير مسبوقة، وأن مياهه في الجانب العراقي، تحوّلت إلى مصدر تهديد لسلامة العراقيين وصحتهم في ظل غياب الحلول الجذرية لهذه الكارثة البيئية.

وكانت وزارة البيئة قد أعلنت في آذار الماضي أن نسبة التلوث في الأنهار العراقية بلغت 90 في المائة، جراء مياه الصرف الصحي التي ترمى فيها دون معالجة.

وحسب خبراء بيئيين، فإن هذه النسبة المفزعة من الملوثات، تتحملها الحكومة وحدها، وذلك لأنّ “أمانة بغداد والبلديات ووزارة الصحة، جميعها تمتلك أنابيب لتصريف المياه الآسنة والثقيلة، مفتوحة على نهر دجلة”.

وتوضح الوزارة في حديث صحفي، أن “البنى التحتية في بغداد تستوعب من 3 إلى 4 ملايين مواطن، في حين أن سكان العاصمة وصل عددهم اليوم إلى ما يقارب 8 ملايين”، مؤكدة أنه “بسبب هذا الأمر، فإنّ كل محطات الأمطار تحولت إلى محطات للصرف الصحي، وبالتالي ترمى مياهها في الأنهار دون معالجة، وأحيانًا تكون محطات الأمطار قريبة من مآخذ مياه الشرب”.

روائح كريهة

المواطن حسن علي، وهو موظف يسكن على ضفاف دجلة في بغداد، يتحدث عن معاناة كبيرة جراء الروائح الكريهة المنبعثة من النهر، والتي سببها إلقاء النفايات ومياه الصرف الصحي فيه.

ويقول في حديث صحفي: “تصلنا النفايات عبر الماء بكميات كبيرة، وحتى حيوانات نافقة نجدها أحيانا طافية على الماء، إضافة لمجاري مدينة الطب التي تصب في النهر”، لافتا إلى أن “الغريب في الأمر هو قيام مؤسسة صحية تابعة لوزارة الصحة برمي الملوثات في النهر، في حين كان يجب على الوزارة متابعة هذا الأمر ومنعه، باعتبارها معنية بصحة المواطنين”!

ويؤكد علي أنه “تصلنا روائح كريهة من النهر ساعات الليل، بشكل لا يطاق”!

لجنة الزراعة والمياه تتابع!

تضم بغداد 18 محطة للمجاري، تلقي المياه الثقيلة من دون معالجة في مجرى النهر، إضافة لنفايات المصانع والمؤسسات الصحية. وفيما تحاول الحكومة فرض غرامات لردع هذه المخالفات، إلا أن الأمر لا يزال متواصلا.

من جانبها، تقول نائبة رئيس لجنة الزراعة والمياه في البرلمان، زوزان علي، أنه “يتم رمي النفايات وفضلات المعامل والمصانع والمستشفيات في نهري دجلة والفرات”، مبينة في حديث صحفي أن “هذه المخلفات ترمى وتصب في النهرين دون معالجة، ونحن كلجنة زراعة نتابع الموضوع لانه حساس جداً ويمس صحة المواطن والبيئة ايضاً”. وتلفت إلى أن “هناك تلوثاً كبيراً أيضاً في الاهوار، بسبب ارتفاع نسب الملوحة والملوثات. كما أن هناك نسبة عالية من مياه الشرب في البصرة ملوّثة”. ويبدو أن هناك تناسبا عكسيا بين مناسيب مياه الأنهار والملوثات. ففي دجلة مثلا ينخفض مستوى الماء كل يوم، بينما يزداد حجم النفايات والمياه الآسنة وتزداد معها الامراض والاوبئة، دون أدنى اكتراث من الجهات المعنية!

مبيدات زراعية

ولا تقتصر ملوثات نهر دجلة على مياه الصرف الصحي والنفايات والمخلفات الصناعية والصحية، فهناك مخلفات زراعية تبدو أكثر خطورة – حسب المهندس الزراعي الاستشاري علاء البدران، الذي يقول أن “نهر دجلة يُستغل أيضاً في التخلص من مياه البزول لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية. وهذه المياه محملة ببقايا مواد خطرة ناجمة عن استخدام أسمدة كيمياوية ومبيدات للآفات الزراعية”، مشيرا في حديث صحفي إلى أن “المخلفات العضوية لمياه المجاري تتحلل، لكن العناصر المتعلقة باستخدام المبيدات والأسمدة لا تتحلل، وتبقى لفترات طويلة في مياه النهر”.

ويؤكد البدران، وهو نقيب سابق للمهندسين الزراعيين في البصرة، أن “خطورة تلوث مياه دجلة تكمن في تلك العناصر التي لا تتحلل، والتي تؤدي إلى الإصابة بأنواع من الأمراض السرطانية”، مضيفاً أن “البصرة تواجه ارتفاعاً في معدلات الإصابة بهذه الأمراض، بسبب تفاقم ظاهرة التلوث، ولا حلول تلوح في الأفق”!

تلوّث جوي

ولا يقتصر التلوث في العراق على المياه، فالهواء أيضا غاصٌ بالملوثات الخطيرة، إضافة للتربة التي تحتوي على مواد ملوثة بسبب المخلفات الحربية والمطامر الصحية وغيرها.  

وسبق ان كشف مؤشر “أي كيو اير” الدولي المعني بشؤون تلوث الجو، مطلع العام الحالي، عن اكثر بلدان العالم تلوثا جويا خلال العام 2022.

إذ احتل العراق المرتبة التاسعة عالميا في نسب هذا التلوث.

ووفقا للمؤشر، فإن التلوث الجوي في العراق سببه عوادم السيارات ومولدات الكهرباء، ومخلفات الحروب، فضلا عن الحرائق المستمرة للغاز المصاحب للنفط، مبينا أن هناك أسبابا أخرى أثرت على نوعية الهواء في العراق،

منها احتراق معمل كبريت المشراق عام 2003، والذي استمر فيه الحريق ثلاثة أسابيع قبل إطفائه، ليدخل التاريخ كأكبر كارثة تسرب لغاز ثاني أكسيد الكبريت في العالم!