اخر الاخبار

خلال يومين فقط تمكّنت فرق الدفاع المدني من إخماد حرائق في عدد من المحافظات، فيما شخّص معنيون ومراقبون ضعفاً كبيراً في الالتزام بإجراءات الوقاية والسلامة، مبدين خشيتهم من عدم استعداد الجهات المعنية، بصورة جادة لدرء خطر الحرائق.

وفي ساعة كتابة هذا التقرير، تمكنت فرق الدفاع المدني من انقاذ 400 دونم من الحنطة من حريق مجهول نشب في اطراف قضاء بلد جنوبي صلاح الدين وتمت السيطرة ومنعت تمدده.

حرائق في ست محافظات

ونشب في بابل حريقان؛ الأول في بستان للنخيل في منطقة الطهمازية. بينما كان الثاني داخل مساحات زراعية وحشائش متيبسة في منطقة الجريات. 

وأخمدت فرق الدفاع المدني حريقاً اندلع داخل مساحات زراعية وحشائش متيبسة في قضاء الكوت، مركز محافظة واسط. بينما تمّت السيطرة على حريق آخر اندلع داخل مساحات محصودة من حقول الحنطة بقضاء تكريت في محافظة صلاح الدين. 

كما تمكنت فرق الدفاع المدني من السيطرة على أربعة حوادث حريق، نشبت في مخلفات الحنطة في قضاء المشخاب جنوبي النجف، وقضاء العباسية شرقي المحافظة. 

وتمكّنت القوات الأمنية من إلقاء القبض على شخصين قاما بحرق المحاصيل الزراعيَّة في منطقة السور التابعة لناحية الرشاد بمحافظة كركوك، بعد رصدهما بالكاميرات الحرارية وتم اتخاذ الإجراءات القانونية أصولياً بحقهما. 

فيما شهدت ناحية العظيم في محافظة ديالى، وأطراف مدينة سامراء، حرائق لمحاصيل الحنطة والشعير. وقد سجلت ضد مجهولين!

موسم حصاد «ناري»!

وشهد موسم الحصاد الحالي منذ تدشينه في بداية نيسان الماضي، حرائق عديدة طالت عشرات الدونمات في محافظات النجف وميسان وصلاح الدين والديوانية والمثنى، مع احتمال تسجيل حوادث أخرى في بقية المحافظات التي لم تباشر عمليات الحصاد حتى الآن.

وفي الوقت ذاته، اطلقت مديرية الدفاع المدني اجراءات وتدابير عديدة من اجل التصدي للحرائق، حيث اطلقت حملة بثلاثة محاور، فيما جددت دعوتها المزارعين الى الالتزام بإرشاداتها وتوصياتها وتوفير متطلباتها، لضمان تقليل حوادث الحرائق التي تلتهم ارزاق الفلاحين.

بسبب الإهمال

وعلّل مستشار الجمعيات الفلاحية احمد القصير أسباب هذه الحرائق بانها نتيجة “الاخطاء وعدم الاهتمام”، منبها الى ان “حرائق المحاصيل الزراعية تشكل خطرا كبيرا وتهدد أمننا الغذائي، لا سيما أن الكثير من الحقول بعيدة عن القرى وسكن المزارعين، لذلك يجب ان يتم تركيز المراقبة عليها، ورفع مستوى الاجراءات الاحترازية”.

وأبدى المتحدث اسفه لـ”عدم تعويض الحكومات المتعاقبة اي فلاح احترقت محاصيله، ولا لمرة واحدة”، داعياً “الفلاحين والمزارعين الى الحرص الشديد هذه الأيام، والحذر العالي والتشبث بالشيمة والنخوة التي ظهرت على احسن وجه في درء الخطر والالتزام بتوجيهات وارشادات مديرية الدفاع المدني”.

وقال القصير لـ”طريق الشعب”، ان “هذا الخطر تحسسناه جميعاً قبل بدء موسم الحصاد وجفاف المحصول، علماً ان الحريق البسيط من الممكن أن يلتهم الآلاف من الدونمات بمحاصيلها إنْ لم يتم اطفاؤه بشكل سريع”.

إيلاؤه الأولوية

وعلى صعيد متصل، وصف الخبير الاقتصادي، رشيد السعدي، الاضرار التي تنتج عن هذه الحرائق، بغض النظر عن اسبابها، بأنها “كبيرة، وتؤثر على القطاع الزراعي والمزارعين واقتصاد البلد”.

وقال السعدي لـ”طريق الشعب”، انه “طالما بدأت الاجهزة الامنية والمختصة عملية البحث في هذا الملف، ومحاولة معرفة الاسباب، وفي بعض الاحيان تقف خلفها دوافع اجرامية او ارهابية، وايضا سياسية، لكنها قد تكون نتيجة الاهمال، او في اثناء عمليات الحصاد تتطاير شرارة من الآلات الزراعية”.

واكد “اننا بحاجة ماسة الى ان يكون هذا الملف اولوية في عمل الجهات المعنية، من اجل ضمان عدم تكرار السيناريو السابق الذي التهمت فيه الحرائق مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية، اضافة الى اخذ الحيطة والحذر والاهتمام من قبل المزارعين أنفسهم قبل الدولة”.

ونوه الى ان هناك “قوانين عقابية خاصة تتعلق بأضرار القطاع الزراعي والانتاج، ويمكن تطبيقها على من تتم ادانته بالإضرار عمداً بالمحاصيل الزراعية”، لافتا الى ان “على الاجهزة الامنية تكثيف نشاطها وجهودها في المراقبة والمتابعة واتخاذ الاجراءات الصارمة الكفيلة بمنع هذه الحوادث”.

وابدى السعدي خشيته من تكرار “سيناريو الحرائق التي بدأت تشكل خطرا كبيرا على امننا الغذائي كونها تضر بالاقتصاد الوطني، وعلى الفلاح ايضا الانتباه جيداً والحفاظ على ما ينتجه، وأن يكون مستعدا ويقظا وجاهزا لأي طارئ، والتعامل مع اي حادث بمسؤولية”.

ما مدى استعدادنا؟

الى ذلك، قال عضو المكتب الاستشاري لنقابة المهندسين الزراعيين، د. جاسم المالكي، ان حوادث الحرائق، هي من المسلمات وتحدث في كل مكان بالعالم، وتحمل العديد من الاسباب في اندلاعها، الا ان النتيجة واحدة دوماً وهي الخراب والضرر.

واضاف قائلا لـ”طريق الشعب”، “اذا ما كان الحريق بسبب الاهمال او خطأ غير مقصود وتحرق 60 دونما من اصل 2 مليون دونم مزروعة، فهي لا تعد تهديداً للأمن الغذائي، لكن اذا ما اخذت هذه الحرائق تتسع وتلتهم مساحات كبيرة وتتكرر، فعندها يمكن ان ترتقي الى مستوى الارهاب وتهديد امننا الغذائي”.

تتمة

وأشار المالكي الى ان “الحرائق تحدث في كل مكان بالعالم، لكن ما مدى استعدادنا وإجراءاتنا الوقائية لدرء هذه الحرائق؟”، مبينا “اننا نعاني ضعفا في مجال السلامة والوقاية، على الرغم من جهود الدفاع المدني ونداءاته. وبواقع الحال فان اغلب الحرائق يمكن تصنيفها على انها نتيجة سوء تدبير وعدم معرفة بالإجراءات الوقائية الصحيحة”.

وخلص الى القول ان “تعامل الدولة مع ملف التعويضات لا يزال بطيئاً، فعلى سبيل المثال لدينا تعويضات منذ العام 2019 للفلاحين حتى الان لم يطلق. كذلك تعويضات المد الملحي لسنوات متكررة لم تؤمن حتى الان، علماً ان مشاكل البلد المالية من الممكن أن تلعب دورا في التقصير بهذا الجانب”.

“من أجل رغيف الخبز”

وأكد المتحدث الرسمي في مديرية الدفاع المدني، العميد جودت عبد الرحيم، ان اسباب الحرائق في السنوات السابقة هي “بسبب اهمال الفلاحين العاملين في الحقول الزراعية، ورمي أعقاب السكائر او النزاع العشائري. اما اليوم فبدأ الحصاد حديثاً، وسجلنا فقط حرائق لبعض الدونمات في محافظة النجف”.

واضاف المتحدث الرسمي، ان مديريته أطلقت قبل ايام معدودة، وبإشراف وتوجيه مدير عام الدفاع المدني اللواء محسن كاظم، حملة “كلنا الدفاع المدني من اجل رغيف الخبر العراقي”.

وزاد أن “الحملة تتكون من ثلاثة محاور؛ أولها، توعوي وإرشادي من خلال توزيع الفولدرات والبوسترات والوصايا والارشادات الخاصة بالدفاع المدني على المزارعين، وتنظيم ورشات تثقيفية مصغرة للفلاحين لتعريفهم بإجراءات الوقاية والسلامة وتوفير متطلبات الدفاع المدني مثل مطفأة الحريق وتناكر المياه”.

أما المحور الثاني، فيشمل “توزيع عجلات الاطفاء على حقول ومزارع محصولي الحنطة والشعير، بدءا من محافظات الجنوب التي بدأت حملة الحصاد وتليها محافظات الوسط وثم المحافظات الشمالية”، طبقا للمتحدث.

ونوه عبد الرحيم بان “المحور الثالث هو متابعة محصولي الحنطة والشعير، لحين وصولهما الى السايلوات، والتأكد من اجراءات السلامة والوقاية في هذه السايلوات، حتى نضمن تسويق المحصول المهم بطريقة آمنة وصحيحة”.

ودعا العميد جودت الفلاحين الى “الالتزام بكل ما يصدر عن مديرية الدفاع المدني من وصايا وارشادات”، محذرا “من التچطيل على الاسلاك الكهربائية والطهي في الحقول، والانتباه الى عبث الاطفال وعدم رمي اعقاب السكائر في الحقول، والتخلص من النفايات الزجاجية التي تعكس اشعة الشمس وتركزها الذي يسبب الحريق، وعدم صيانة الجرارات والحاصودات داخل الحقول، وتوفير المطافئ بأوزانها المناسبة في داخل الحقول الى جانب صهاريج المياه”.