اخر الاخبار

أصدرت منظمة العفو الدولية، الثلاثاء الماضي، تقريرا حول استخدام الأسلحة “المطاطية” من قبل القوات الأمنية حول العالم للتعامل مع التظاهرات واعمال العصيان المدني، يشير الى انها استخدمت في العراق بشكل واسع وأسوأ من بقية الدول.

وخلفت هذه الأسلحة التي استخدمتها قوات الأمن في العراق آنذاك الآلاف من الجرحى والمعاقين، إلى جانب شهداء الانتفاضة، بينما لا يزال ذوو الضحايا ينتظرون الكشف عن قتلة أبنائهم، تمهيداً للاقتصاص منهم.

قتل وتشويه الآلاف

وبيّنت العفو الدولية في تقريرها الذي بحث في طبيعة الأسلحة ـ غير القاتلة ـ والمعدات التي تستخدمها قوات الشرطة في التعامل مع المتظاهرين لثلاثين بلدا، وعلى مدة خمس سنوات: ان تلك الأسلحة “خطيرة جدا” ليس على المتظاهرين فقط، بل على المارة أيضا، حيث تعرض الالاف من المتظاهرين والمارة غير المعنيين للتشويه واخرين قتلوا بسبب الاستخدام المفرط لهذه الأسلحة.

وبحسب التقرير فإن “تلك الأسلحة والتي يتم وصفها في العادة بانها غير قاتلة، تسببت بقتل الالاف حول العالم، وخصوصا لأكثر اشكالها انتشارا وهي الرصاص المطاطي بأنواعه، الغاز المسيل للدموع، والقنابل التي تطلق على المتظاهرين بشكل مباشر في مناطق واسعة من العالم كجنوب ووسط أمريكا، أوروبا، الشرق الأوسط، افريقيا والولايات المتحدة”.

وانتقدت المنظمة عبر تقريرها الحكومة العراقية وتعاملها مع التظاهرات التي اندلعت في تشرين الاول عام 2019، مؤكدة أنه في العراق استخدمت السلطات الحكومية وبشكل متعمد رصاصا مطاطيا، وقنابل مسيلة للدموع أثقل بعشر مرات من الوزن الطبيعي، الامر الذي ترك قتلى واصابات بأعداد كبيرة.

صادروا الحقوق والحريات

وفي هذا الشأن، علق العضو السابق في المفوضية العليا لحقوق الإنسان، د. علي البياتي بالقول: ان هذا التقرير هو امتداد للتقارير السابقة التي تتعلق بالاحتجاجات في العراق، ورد فعل الحكومات والقوى السياسية في التعامل مع هذه الاحتجاجات.

واشار في حديثه مع “طريق الشعب”، الى انه في الدول الديمقراطية التي من المفترض ان تكون فيها مساحة واسعة للحريات والحقوق، لا يوجد أي مبرر لاستخدام القوة والعنف وخاصة الأسلحة المحرمة دولياً تجاه المتظاهرين، مبينا انه في احتجاجات العراق “لا يوجد سلاح لم يتم استخدامه كأننا في ساحة حرب، ويتجلى ذلك واضحاً من خلال الشهداء الذين سقطوا والجرحى الذين تضرروا”.

وتابع حديثه قائلا: ان هناك انتهاكات “كثيرة حصلت واستمرت لفترات طويلة، على الرغم من سقوط ضحايا وهي ان دلت على شيء، انما تدل على ان القرار السياسي الذي كان يحرك المؤسسات والحكومة، كان يحاول ان يوقف التظاهرات باي شكل من الأشكال ولا يبالي بسقوط شهداء او جرحى”، مضيفا ان “عدد الشهداء الذين سقطوا ويقدر بـ600 شهيد لم يتضاعف في ليلة واحدة او أسبوع وحتى شهر، بل هو حصيلة لأعمال عنف استمرت مع الاحتجاجات منذ يومها الأول في تشرين الأول من العام 2019 وصولاً الى آذار من سنة 2020”.

واكد البياتي ان ما حصل كان “من المفترض ان يكون درسا للحكومات لكي تكون مختلفة، لكن حتى الان لم نشهد كمراقبين اي تغيير حقيقي في تعاطي القوى السياسية والمؤسسات مع الاحتجاجات وحقوق الانسان، بل على العكس”.

وذكر انه قبل يومين “سمعت بانه تم اصدار حكم بحق 3 متظاهرين. نعم ربما قد يكونون قد قاموا ببعض اعمال العنف وعليهم تهم بالتجاوز على القوات الامنية، ولكن الحكم عليهم من خلال قانون مكافحة الارهاب بصراحة غريب جداً، فهؤلاء لا اعتقد انه كانت لديهم دوافع للاعتداء على القوات الامنية او قتل شخص”.

واردف قائلاً: ان صدور مثل هذا الحكم في مقابل غياب العدالة الحقيقية ضد الجناة المسؤولين عن قتل 600 شهيد وجرح الالاف، فيه الكثير من علامات الاستفهام، حول رغبة القوى السياسية في الاصلاح”.

وبشأن اسباب استمرار العنف مع اي احتجاج في البلاد منذ شباط 2011 وحتى اليوم، قال الخبير الحقوقي: “نحن بحاجة الى ان نطرح سؤالا اخر، هو لماذا كان تعاطي الحكومة مختلفا مع التظاهرات السياسية التي نظمتها قوى سياسية معينة، ووصل احيانا الى حمل السلاح بشكل مباشر اثناء هذه الاحتجاجات، لكن الحكومة تعاطت معها بشكل حيادي وسلمي! ولم يتم استخدام العنف في مواجهتها”.

واكد “أننا لا ندعو لاستخدام العنف ضد أي تظاهرة حتى لو كانت سياسية ولكن هذا يدل على ان الحكومة هي اداة لدى تلك القوى وهذا اوصلنا لقناعة هي ان القوى السياسية لم تستحوذ على الواردات والامتيازات والمناصب وكل خيرات البلد فحسب، وانما حتى على الحقوق والحريات”.

وخلص الى ان “في ظل هذه الظروف والشواهد والادلة والانتهاكات التي حدثت، اذا لم يكن للفرد انتماء للقوى السياسية، فليس لديه الحق بالمطالبة بأي حقوق او ممارسة اي حريات، لان العنف سيكون الالية الوحيدة للتعامل معه”.

لن يجدي نفعاً

وعلى صعيد متصل، قال حيدر سلمان، وهو احد الفاعلين في انتفاضة تشرين 2019، وتعرض لإصابتين بالرصاص المطاطي: “ما عشناه في الانتفاضة وانا بشكل خاص حيث كنت انشط في ساحة التحرير ببغداد وساحات الاحتجاج في محافظتي كربلاء وبابل، لا يمكن تسميته سوى انه ارهاب دولة، نظراً لحجم القمع الذي تعرض له الشباب المنتفض في عموم العراق”.

وروى لـ”طريق الشعب”، ما كان شاهدا عليه ايام مشاركته في انتفاضة تشرين بالقول: “في ساحة الخلاني استخدموا ضدنا اسلحة صيد الخنازير وسقط من بيننا العديد من الجرحى، وفي الكثير من الحالات تسبب هذا السلاح بإعاقة للكثير من المحتجين”، مضيفا انه في تظاهراتهم على سريع محمد القاسم “شهدت اصابة امرأة حامل سقطت عبوة الغاز المسيل للدموع تحت قدميها، وتسببت لها بالاختناق، بينما هي لم تكن مشاركة في التظاهرة”.

وتابع سلمان: “في الوقت الذي كنا نقمع فيه، كان الاعلام الحكومي الذي يتم تمويله بأموال الشعب، والذي من المفترض ان يعمل على ايصال صوت الشعب، يلعب دورا بارزا في التحريض على الشباب المنتفض، في الوقت الذي كنا نقتل بدم بارد. والى جانبه كان الاعلام المسيس الذي لعب دورا كبيرا في شيطنة الشباب السلميين ووصفهم بالإرهابيين”.

وخلص الناشط الى ان “القمع والقتل لن يجديا نفعاً معنا. نحن خرجنا لتصحيح مسار العملية السياسية، لأننا نحلم ونطمح بالتغيير، وما زلنا متمسكين بهذا الحلم ومساعينا التي تهدف للتغيير الشامل، فالكثير من اصدقائنا سقطوا شهداء وجرحى من اجل تحقيقه. ونتمنى ان نحققه اكراماً لتضحياتهم”