اخر الاخبار

مضتْ حكومة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، أخيرا، بالتوقيع على عقود جولات التراخيص الخامسة، التي جدد عدد من الخبراء النفطيين رفضهم لها.

وكان عدد من المهتمين بالشأن النفطي أبدوا رفضهم تلك العقود في العام 2018 عندما طرحتها حكومة عادل عبد المهدي، لأسباب كثيرة منها ما يتعلق بنمط العقود وتحكم الشركات بكل مفاصل العملية النفطية والارباح.

ثغرات وإشكالات عديدة

يقول الخبير الاقتصادي والاكاديمي في جامعة المعقل، الدكتور نبيل المرسومي، إن رفض عقود جولة التراخيص الخامسة من قبل الخبراء النفطيين، هو ليس بجديد بل انه منذ العام 2018 ويرجع الى زمن حكومة عادل عبد المهدي عندما وقعت العقود الاولية ولم تنفذ وعادت اليوم مرة ثانية في حكومة السوداني.

وأوضح بالقول في حديثه لـ”طريق الشعب”، ان الاعتراض الرئيسي “يتعلق بنمط العقود، فهي عقود مشاركة في الإنتاج حتى لو جرى التمويه والتغطية على أنها مشاركة في الأرباح، والتي تعتبر الوجه النقدي لعقود مشاركة الإنتاج، التي ينتقدها السياسيون العراقيون من الجانبين، وكذلك كردستان لأنها تشتمل على تفريط في جزء مهم من الثورة النفطية.

واستشهد بعقود المشاركة في إقليم كردستان عام 2022 قائلا: “اذا أخذناها كنموذج فان 56 في المائة من مبيعات النفط ذهبت الى الشركات الأجنبية، و44 في المائة إلى حكومة الإقليم، أي بمعنى ان 12 مليار دولار من مجموع العائدات كانت حصة كردستان، من بينها 5 مليار دولار”.

وأشار الى انه “عندما تنفذ هذه العقود تصبح قريبة من عقود الامتيازات النفطية، التي غادرها العالم منذ زمن طويل”.

ولفت إلى أن الشركات الأجنبية “تصبح لها العلوية في مثل هذا النوع من العقود، وهي التي تقرر مستوى الانتاج وحجم التكاليف، اي انها تتحكم بكل مفاصل العملية النفطية. نعم، هي ستتحمل كل الاستثمار والمغامرة والمجازفة، ولكن بالنتيجة الحقول التي وقع عليها العراق هي ليست رقعاً استكشافية، فهي حقول مستكشفة، وتجري عملية التطوير فيها مثل حقل السندباد الذي حفرت فيه 6 ابار استكشافية، وفي بعض الحقول تم حفر ابار إنتاجية ما عدا رقعة خضر الماي”.

واكد المرسومي ان هذا النوع من العقود “عادة ما يتم توقيعه في البلدان التي تكون فيها درجة المغامرة والمخاطرة كبيرة، بالتالي تكون نسبة العثور على النفط محدودة لكن الواقع مختلف في العراق، فهذه الحقول الخمسة على الحدود مع ايران، ثبت وجود النفط فيها، وكل الابار الاستكشافية التي تم حفرها تثبت وتؤكد ذلك، وبعضها هي أساسا حقول منتجة عدا رقعة خضر الماي، التي تقع على الحدود الكويتية العراقية”.

وأشار إلى انه “يتم إيراد بعض الأمثلة غير الصحيحة والمقصود بها إيهام المواطن العراقي بان حصة الحكومة العراقية ستصبح 80 ـ 85 في المائة، وهذا غير صحيح، لان مشكلة هذه العقود هي ان نفط الكلفة مرتفع، بمعنى ان الشركة الأجنبية عندما تنفق على الحقول وبعد ما تدفع ريع نفطي قدره 25 في المائة الى الحكومة، تحصل على 70 في المائة منه، وعندما طبقنا هذا النموذج وجدنا ان الحكومة العراقية تحصل على اقل من النصف”.

وأوضح الخبير انه “ربما في المستقبل القريب يجري الطعن بهذا العقد في المحكمة الاتحادية، خصوصا وان هناك ثغرات منها ان شركة الهلال الاماراتية هي المساهم الاكبر بشركة دانا غاز، والاخيرة وضعتها وزارة النفط في القائمة السوداء”، لافتا الى انه “كان من المفترض تفعيل الاستثمار الوطني في هذا النوع من العقود، من خلال استثمار جزء من الفائض النقدي المتاح للعراق، في عملية استثمار داخلية حقيقية تؤدي الى تطوير قطاعي انتاج النفط والغاز في العراق، بدل الدخول في مثل هذه النوعية من العقود”.

أولويات مهمة

من جهته، قال الخبير الاقتصادي د. عبد الرحمن المشهداني: “نحن نتحدث عن 6 حقول؛ أربعة منها حقول مشتركة مع ايران والكويت، وهذه الحقول المشتركة استغلتها دول الجوار. ومنذ سنوات تستثمر فيها في الجذع الموجود عندهم. بينما الجزء الاكبر من هذه الحقول تقع في الأراضي العراقية”.

وتابع حديثه لـ”طريق الشعب”، بالقول: انه من المفترض “ان يتم الاتفاق في بالحقول المشتركة على عملية الاستثمار، وكل طرف يسحب بقدر حصته او يتم استقدام شركة عالمية تستثمر وتوزع الحصص بحسب الاستحقاق، أما ان يحفر الجانب الآخر ونبقى نحن بدون اي شيء، فهذا غبن للجانب العراقي”.

ونوه المشهداني بان “هذه النقطة هي الايجابية الاهم في عقود جولات التراخيص الخامسة، اي اننا يجب ان نستثمر في الحقول المشتركة، طالما الجانب الاخر يستثمر ويسحب منذ 10 سنوات، بينما كمية الاحتياطي محدودة، فهذا يعني انه اخذ من حصة الجانب العراقي أيضاً”.

وأشار إلى أن عقود جولات التراخيص “رغم كل الملاحظات عليها الا انها اضافت للإنتاج خارج قدرات الدولة، لأننا نحن بالأساس لا نملك راس المال الذي نعمل به، فسنوات الحصار أدت الى تخريب الكثير من المنشآت؛ ففي 2008 وصل اقصى الإنتاج الى 2 مليون برميل، وفي ما بعد وصل الى 5 مليون برميل. وقد أخفقت الحكومة لعدم وصول سقف الإنتاج إلى 12 مليون برميل كما كان طموحها”.

وبيّن في سياق حديثه، بيّن المشهداني ان المطلوب اليوم “بعد الانتهاء من الجولات الاربعة ونحن في الجولة الخامسة، كانت لدينا شركات نفطية وطنية تتبنى عمليات الحفر والتسويق ونقل وتوزيع النفط، ويفترض ان نعيد بناء هذه المنشآت لأننا منذ السبعينات وحتى عام 2003 كنا نعتمد على الجهد الوطني في حفر الابار، والان حتى الشركات الاجنبية تتعاقد مع شركات عراقية في بعض مفاصل عمليات الحفر والتنقيب، ويفترض ايضاً ان يكون لدينا اسطول نقل وطني لنقل النفط بدلا من دفع تكاليف للآخرين”.

النفط ترد..

وتواصلت “طريق الشعب” مع وزارة النفط ووضعت اشكالات الخبراء النفطيين على طاولتها للاستفهام عن رأي الوزارة فيها، وتبيان وجهة نظرها في هذا الامر.

وردّ المتحدث الرسمي لوزارة النفط عصام جهاد، “اننا استفدنا من تجربة العقود السابقة، وهذه العقود هي عقود على حقول حدودية، وكانت متروكة، وما يميزها هو ان فيها رقعا استكشافية وحقولا نفطية؛ فالرقع الاستكشافية تتحول الى منتجة، وقد تكون هناك تراكيب ـ حقول غازية ـ بينما الحقول النفطية المنتجة، سيتم تطويرها وزيادة الانتاج”.

وأضاف جهاد في حدث خصّ به “طريق الشعب”، قائلا: “من المتوقع ـ بحسب التقديرات الأولية ـ ان توفر الحقول لنا من 800 الى 1000 مليون قدم مكعب قياسي باليوم، وهذه الأرقام قد تتغير ايضا مع دخول هذه الحقول حيز الإنتاج، وستوفر بحدود 250 الف برميل في اليوم من النفط الخام”.

واكد جهاد ان عامل الاستثمار يحتاج الى “استقرار سياسي وامني واقتصادي، وهذه الحقول هي حدودية وفي بعض منها هناك قلق امني قد تشهده بين الحين والآخر. الوزارة تنظر للمصلحة العامة. نعم، قد تكون هناك ملاحظات من قبل بعص الخبراء وهذه مقدرة لكن الشركات العالمية تحتاج لان نعطيها حوافز وتشجيعا حتى تستثمر أفضل من ان تبقى الحقول بدون تطوير”.

ونوه بانه “لو جاءت عروض افضل من هذه لكنا قبلنا بها، فقد عرضنا في الجولة السابقة 11 موقعا، وتمت إحالة 6 مواقع فقط، وبالتالي الشركات المستثمرة أيضا تفكر في عوامل المخاطرة والربح والاستقرار، فتقديرات الشركات ليست مثل تقديراتنا، فإلى متى نبقى نأخذ الملاحظات ونؤجلها بينما يخسر العراق المليارات نتيجة تعطيل او تأخر المباشرة بهذه المواقع؟”.

ونبّه جهاد إلى أن وزارته راعت “مسألة المخاطرة في هذه العقود، فالعقود السابقة لم تضع شروطا في سقف السعر، فيما لو انخفضت اسعار النفط وغير ذلك، بينما حتى لو انخفضت أسعار النفط فقد تمت معالجة هذا الامر في العقود الجديدة، مع اعطاء حافز للشركات، نظرا لخصوصية هذه المواقع”.

عرض مقالات: