اخر الاخبار

العراق بعد عقدين

كتبت ليزي بورتر، الصحفية المختصة بشؤون الأمن والطاقة، مقالاً لمجلة (بروسبكت) البريطانية حول ما يجري في العراق منذ عقدين من الزمان، أشارت فيه إلى الاستقطاب الطائفي المرير الذي أعقب إحتلال الولايات المتحدة للبلد، والذي فقد بسببه آلاف العراقيين حياتهم وترملت النساء وثكلت الأمهات وضرب اليتم بسوطه البشع مئات الآلاف من الأطفال، حتى قدّرت منظمة Iraq Body Count غير الحكومية، عدد الضحايا بـ 185 الفاً وفاق عدد المفقودين المليون.

عودة للإستقرار النسبي

وتطرقت الكاتبة إلى تحقيق العراقيين بعد فترة دامية، لنوع من الإستقرار النسبي، جراء إختفاء السيارات المفخخة والإنفجارات اليومية والشوارع المغلقة بالعوارض الإسمنتية. وسادت درجة مناسبة من الأمن، ضمن فيها الكرد إستقلالاً ذاتياً في ظل جمهورية ديمقراطية فيدرالية، وإن كانت على الورق، فيما صار ممكنا إقتناص بعض ساعات الفرح كما حدث في فوز المنتخب العراقي ببطولة الخليج العربي لكرة القدم.

أزمة بنيوية

وإستدركت الكاتبة لتؤكد على بقاء العراق، رغم ذلك، تحت تأثير العديد من الصدمات التي يسببها إرتفاع معدلات الفقر وتكرر أحداث العنف وإفتقاد مؤسسات الدولة للكفاءة، وتفشي الفساد في جميع مفاصلها، وفشل الحكومات المتعاقبة في إعادة بناء الدولة، وإعتماد سياسة تشغيل غير منتجة ترهق كاهلها بإنفاق هائل (حوالي 5 مليار دولار شهرياً)، فيما تهدر الأموال لدعم الوقود وشبكة الكهرباء والمواد الغذائية الأساسية، دون أن تصل هذه الخدمات لمستحقيها.

 وذكرت الكاتبة بأنه ورغم تقاضي 7 مليون مواطن لرواتب وتقاعد، فإن نسبة البطالة بين الشباب بلغت 35 في المائة، وفقًا لمنظمة العمل الدولية، في بلاد لم تمنح فرصاً حقيقية لتطوير القطاع الخاص، بسبب تشريعات متخلفة وثقافة شعبية لا تكترث أو تطمأن للعمل في هذا القطاع، فيما تستغل الغالبية العظمى من كبار المسؤولين أموال الدولة لإثراء أنفسهم وعائلاتهم وتنمية شبكات المحسوبية الخاصة بهم.

مشكلة الفساد

ونوهّت ليزي بورتر في مقالها إلى أن المرتبة 157 التي يحتلها العراق من بين 180 دولة في أحدث مؤشر لمنظمة الشفافية الدولية، تشير إلى حجم الفساد الذي ينخر بالدولة وعدم إهتمام أحد بمكافحته بشكل حقيقي. وأكدت بورتر على أن إفتقار البلاد للرقمنة، يفتح الطريق يسيراً للفساد ويرهق كاهل المواطنين ببيروقراطية معقدة وإدارة متخلفة، ويشكل عامل طرد للإستثمارات. وأعربت عن اعتقادها بأن قروناً من الإحتلالين البريطاني والعثماني وعقوداً من دكتاتورية صدام، خلقت عادات اجتماعية غريبة وجعلت من الأوامرية والإستبداد سمة للإدارة، مما حوّل البلاد إلى دولة عقيمة يسودها الخلل الوظيفي وتغيب عنها الإنتاجية.

ومشاكل اجتماعية حادة

ونقلت الكاتبة عن وزارة التخطيط بلوغ عدد السكان 42.2 مليون نسمة، بزيادة سكانية سريعة تصل إلى 2.5 في المائة، أي ضعف المتوسط العالمي. وبينت بأن نسبا عالية من الشبيبة التي لم تعرف حكم صدام الدموي، بل سمعت به، ليست راضية عن النظام الحالي المستند إلى محاصصة أوقعت البلاد في إنسدادات سياسية وأزمة بنيوية، وعززت شبكات المحسوبية والكسب غير المشروع.

وذكرت بإنه وعلى الرغم من وجود مؤسسات ديمقراطية قابلة للتطوير، فإنها مهددة بإستمرار، حيث يختفي الصحفيون والنشطاء الذين ينتقدون اللاعبين السياسيين الأقوياء، أو يُعتقلون أو يُقتلون. كما تعاني النساء من البطالة (لاتتجاوز مساهمة المرأة في قوة العمل 11 في المائة) ومن ظروف قاسية ترتبط بالعنف الأسري وجرائم “غسل العار”.

آثار الاحتلال

وبمناسبة مرور عشرين عاماً على إحتلال الولايات المتحدة للعراق، تساءلت الكاتبة بورتر عن الذي يمكن أن يتعلمه العالم من العراق وإخفاقات ذلك الاحتلال، فأشارت إلى أن أهم درس هو عدم قدرة أية قوة خارجية، مهما أوتيت من جبروت، على فرض نظام جديد على بلد مثل العراق، حيث يعيش في العام 2023 ظروفاً صعبة، في ظل نظام مختل، وهدر في الثروات الوطنية، وإنتاجية شبه معدومة، وخدمات أساسية غائبة عن حياة المواطنين، وشباب يريدون أن يعيشوا كالبشر، ولايريدون أن يشعروا بأنهم عبيد.