اخر الاخبار

على الرغم من أهمية التعداد السكاني إلا أن البلاد لم تشهد أي إحصاء منذ العام 1997 رغم أهميته في عملية التخطيط والإدارة وتوزيع الثروات والتنمية وجوانب متداخلة في السياسة والاقتصاد والخدمات وغيرها، فيما يعزو مراقبون ومهتمون بالشأن السياسي سبب عدم إجراء التعداد إلى عراقيل المتنفذين، كونه يصطدم مع مصالحه الضيقة.

وأعلنت وزارة التخطيط أخيرا إعادة تشكيل الهيئة العليا للتعداد العام للسكان والمساكن في العراق، فيما تمت تسمية نائب رئيس مجلس الوزراء وزير التخطيط محمد علي تميم رئيسا لها.

وأوضح المتحدث الرسمي للوزارة، عبد الزهرة الهنداوي، في بيان وردت لـ”طريق الشعب” نسخة منه، ان “اعادة تشكيل الهيئة جاء في ضوء البرنامج الحكومي، الذي اكد أهمية تنفيذ التعداد العام للسكان”، مشيرا الى ان “الهيئة ستعمل على تهيئة الظروف المطلوبة وتحديد الموعد المناسب لتنفيذ التعداد”.

وأوضح الهنداوي، ان “تشكيل الهيئة العليا للتعداد اخذ بنظر الاعتبار الدور الذي تضطلع به المؤسسات المعنية بهذا المشروع الوطني الكبير”، مبينا ان “مجلس النواب العراقي كان ممثلا في تشكيلة الهيئة بصفة مراقب، فيما مثّل الأعضاء الكثير من الوزارات والهيئات غير المرتبطة بوزارة وإقليم كردستان، وعدد من الخبراء والمستشارين وأساتذة الجامعات”.

تقاطع واضح

من جهته، يرى المحلل السياسي مناف الموسوي، ان عملية الإحصاء السكاني ترتبط بإرادات سياسية لا تريد الكشف عن الأعداد الحقيقية.

وقال الموسوي في حديثه لـ”طريق الشعب”، ان “الأعذار سابقاً كانت تتحدث عن عدم وجود بيئة امنة لإجراء التعداد  بسبب وجود القاعدة وداعش.. والخ. اما اليوم فهناك بيئة ومناخ مناسبان. وفي العام 2020 تحدثت وزارة التخطيط عن اجراء تعداد سكاني وقالت إنها أكملت جميع الاستعدادات لكنه لم يجرَ، وبالتالي اعتقد ان عدم إجرائه طوال هذه الفترة يعود الى أسباب سياسية”.

واردف بالقول: ان هناك “بعض الزعماء السياسيين لا يرغبون في إجراء التعداد السكاني، حتى لا تظهر النسب والارقام الحقيقية التي على أساسها تصرف حصص المحافظات والإقليم والقضايا المتعلقة بالموازنة او بقية القضايا الأخرى”.

وعن إمكانية ايفاء السوداني بوعده بخصوص إجراء التعداد، قال المحلل السياسي، ان هناك “الكثير من القضايا التي ضمنها السيد السوداني في برنامجه الحكومي، ولعل ابرزها اجراء انتخابات خلال فترة سنة، وهذا الحديث يتقاطع بشكل واضح مع اجراء التعداد السكاني، وبالتالي لا يبدو ان رئيس الحكومة ملتزم بشكل كبير ببرنامجه او تنفيذه، وهذا مؤشر اخر يدل ربما على عدم امكانية اجراء التعداد، ليبقى مجرد ورقة تتحدث بها الحكومة ولا يتم تنفيذه”.

وعن اهمية اجرء التعداد السكاني قال الموسوي ان “اجراءه مهم لمعرفة اعداد السكان والمراحل العمرية والتقسيمات الموجودة، ويفترض انه يرتبط ايضا بالمفوضية العليا للانتخابات وبقانون الانتخابات والكثير من القضايا من ضمنها  الموازنة، ولكن هنالك قضايا اساسية كثيرة ومهمة تحول دون اجرائه”.

واسترسل في حديثه بالقول ان “اجراء التعداد بشكل حقيقي سيكشف الكثير من القضايا التي تستخدمها الكتل السياسية، لتحقيق المكاسب الشخصية والحزبية الضيقة، والتي ترتبط بالمشاريع التنموية وديموغرافية المناطق ونوعية السكان، واعتقد ان هذه المسائل فيها الكثير من قضايا الفساد المسكوت عنها، وربما اجراء التعداد قد يؤدي الى كشف مثل هذه الإشكاليات”.

متطلبات عديدة

من جانبها، قالت الخبيرة الاقتصادية د.سلام سميسم ان “التعداد السكاني مهم ويؤثر في عملية وطبيعة ونمط توزيع الدخل ولمعرفة طبيعة السياسات التي انُتهجت خلال هذه الفترة، وفيما اذا كانت اتت أكلها في التنمية الاقتصادية أو لا، وكذلك تحديد مستوى الخدمات العام ومستوى الرفاهية بالاضافة الى نصيب الفرد من الدخل، كل ذلك من خلال التعداد السكاني”.

وأضافت سميسم في حديث لـ”طريق الشعب”، انه لو كان هناك “تعداد سكاني دقيق فسيُبين نسب البطالة والبطالة النوعية بين الرجال والنساء والعديد من المسائل الاخرى. ومن جانب اخر ايضا فأن خلاصة ما يدعون بانه تنمية اقتصادية سيتم اثبات انها خطط فاشلة، وذلك من خلال النتائج التي ستظهر”.

وأعربت المتحدثة عن اسفها الشديد لـ”إناطة المشروع بنفس اللجنة التي ترسم سياسات خطط التنمية الفاشلة؛ فالقضية تخضع للعلاقات، ووزارة التخطيط متمسكة بذات اللجنة دائماً منذ 20 عاما، فهي التي ترسم سياسة التعداد وتحليل البيانات وخطط التنمية الاقتصادية الفاشلة التي لم يتم تطبيقها، وهي التي تقدم استراتيجية مكافحة الفقر بينما مستوى الفقر بازدياد مستمر، وكذلك خطط التنمية الصناعية والزراعية”.

وشددت الخبيرة على ضرورة ان “تخضع عملية الاحصاء السكاني للشفافية، وان يخرجوا من القوالب التقليدية التي اعتادوا عليها وورثوها عن النظام السابق، وان يبدلوا عقلية الطبقة الاستشارية التي تستعين بها الوزارة”.

وبالحديث عن متطلبات التعداد قالت “اننا بحاجة الى كادر مهيأ ومدرب للقيام بالتعداد، وكادر لتحليل البيانات الذي من المفترض ان يكون موجودا لدى وزارة التخطيط، والاهم هو الارادة الوطنية والسياسية والعامل الامني. وانا اعتقد بان الامم المتحدة ستدعم الحكومة في هذه العملية”.

وخلصت الى انها تتمنى على وزير التخطيط ان “يعيد النظر من جديد في قائمة المستشارين الذين تتم استضافتهم من خارج الوزارة، ويجب ان تكون هناك ابواب مشرعة لسماع الاصوات خارج الصندوق”.

خطوة متأخرة

ويفتقد العراق البيانات والإحصاءات الدقيقة التي من شأنها ان تحقق مبدأ العدالة الاجتماعية في المجتمع، والذي لا يمكن تحقيقه من دون توافر بيانات التعداد السكاني التي تُبنى على هيكليتها السياسات في البلاد.

وعلى سياق متصل، قال الناشط زين العابدين البصري، أن هذه الخطوة ـ ولو جاءت متأخرة ـ لكنها صحيحة، وكان من المفترض أن تأتي بوقت أبكر، مشيرا إلى “أننا لو كنا نملك تعدادا سكانيا صحيحا ودقيقا على ارض الواقع، لنستطيع من خلاله اطلاق مشاريع وحملات تهتم وفق المعطيات والأرقام بالمجتمع والأفراد، لذلك لا بد من ان يكون هناك تعداد سكاني دقيق”.

وأضاف في حديثه لـ”طريق الشعب”، بالقول “إننا اعتدنا على تشكيل اللجان والهيئات لكن عمل ودور هذه الهيئات واللجان يكون بطيئا واحياناً معدوما، بالإضافة الى كم المشاكل الموجودة في كل المؤسسات، ستفاجئ حكومة السوداني، واعتقد هي هذه الحقيقة انه لن تستطيع ان تخطو اي خطوة تجاه هذا الامر”.

وبين البصري في ختام حديثه قائلا: ان “الارادة السياسية تمنع ذلك من اجل ان يكون الوضع ضبابيا وعشوائيا، وليسمح بهدر المال العام في توزيع ثروات البلد واتاحة فرصة للفساد، الذي يتراكم ويخيم على النظام الحالي، لذلك نجدهم دائما يبتعدون عن ايجاد صيغة حل سلميةللتعداد السكاني في العراق”، منوها الى ان “الإرادة السياسية مجتمعة بكل القوى الموجودة تقف بالضد من قضية التعداد خصوصا ممن لديه مصالح داخل هذه المنظومة”.