اخر الاخبار

الابتزاز الإلكتروني من الجرائم الحديثة نسبيا التي ظهرت بعد انتشار منصات التواصل الاجتماعي بشكل واسع في المجتمع العراقي وخصوصا في مرحلة جائحة كورونا وما بعدها، نتيجة لإقبال الناس ـ بصورة أكبر ـ على هذه المواقع بعوالمها الافتراضية، ولعدم وجود رقابة قانونية حقيقية يرافقها الافتقار للوعي المجتمعي، جعل من هذه القضية تتفاقم في الأوساط المجتمعية.

مشاكل اجتماعية

يقول عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق، علي البياتي إن “حالات الابتزاز والاستغلال تبرز مع تواجد المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وغياب القانون الذي يعتبر الجهة المسؤولة عن المحاسبة والمساءلة، فهو الرادع الأساسي للحد من هذه القضايا التي جعلت من جرائم الابتزاز الالكتروني تأخذ مدى واسعا بوقت قصير”.

ويشدد البياتي في حديث لـ “طريق الشعب”، على “ضرورة وضع التشريعات والقوانين اللازمة التي من شأنها تنظيم عملية الاستخدام الإلكتروني، بما يضمن عقوبات رادعة وحازمة بحق المبتزين”، مشيرا إلى أن “الابتزاز الإلكتروني بات جريمة تتعدى مستوى التهديد للأفراد فقط، انما مخاطرة تصل الى المؤسسات والشركات والمراكز الحساسة، وهو ما يفرض وجود معالجات عاجلة واستجابة سريعة للمحاسبة، لقطع الطريق امام انتشار الابتزاز”.

وكشفت السلطات القضائية في وقت سابق من العام الجاري، عن تسجيل نحو 2400 حالة ابتزاز إلكتروني خلال الأشهر الأولى من هذا العام، كان النصيب الأكبر منها للعاصمة بغداد.

ورغم المعدلات المتصاعدة فلا يوجد في العراق أي قانون يخص جرائم “الابتـزاز الإلكتروني”، ويجري التعامل معها وفق قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدّل.

وبحسب القانون وضمن الفقرة الأولى من “المادة 26”، تكون عقوبة الابتزاز بمضمونه العام الحبس الشديد، أو البسيط من (3 أشهر إلى 5 سنوات) أو الغرامة التي تحدد من الخبير القضائي وفقا للضرر.

وكان مجلس النواب في دورته السابقة، أخفق في تمرير قانون “الجرائم المعلوماتية”، جراء اعتراض الكثير من القوى النيابية والمدنية على بعض بنوده التي وجدوا فيها محاولات مبطنة لتكميم الأفواه وتقليص مساحة الحريات العامة.

وبالحديث عن المسودة القانونية الخاصة بالابتزاز الالكتروني، يقول البياتي: “على الرغم من وجود هذه المسودة التي تعتبر من جهة التشريع مهمة لحماية حقوق المواطن وخصوصياته، لكنها واجهت رد فعل بالرفض من القوى المدنية، ما اضطر مجلس النواب السابق إلى تأجيل ذلك”.

وجاء الرفض الشديد بسبب محاولات بعض الجهات السياسية استغلال القانون لأجل المصالح الحزبية، عن طريق استعماله في تقييد حرية التعبير عن الرأي، بحسب تعبير البياتي.

تشريع القوانين

وتابع عضو مفوضية حقوق الإنسان، بأن العراق يحتاج إلى تشريع قوانين تفيد الصالح العام، وتكون قادرة على حماية حقوق المواطن وخصوصياته في العالم الافتراضي، وتجريم كل من يحاول استعمال الاستغلال والابتزاز والاحتيال، وأن لا يكون سببا لتقييد الحريات وانتهاك الحقوق مرة أخرى، مضيفا أن “القانون وحده لا يكفي، إنما هناك حاجة للعمل على زيادة المستوى الثقافي في المجتمع، كون العراق لا يزال جديد الانفتاح على العالم الإلكتروني وهناك ضعف حقيقي وملموس في استخدام التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي. وهنا يأتي دور المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني في تكثيف جهودها بالمشاركة في التنبيه لخطورة الجهل في الاستخدام غير الصحيح لهذه المواقع”.

وبحسب آخر الإحصاءات التي كشف عنها مركز “وي أور سوشيال”، العالمي، فإن عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في العراق 2021، تجاوز 28 مليون شخص، بزيادة 3 ملايين و350 ألف مستخدم عن العام الذي سبقه.

وينجم عن تصاعد حالات الابتزاز الإلكتروني هذه، جملة مشكلات وأزمات اجتماعية وأمنية وفق خبراء رقميين وحقوقيين، حيث تتسبب مثل هذه العمليات بحوادث وجرائم تصل للقتل والخطف والتشويه الجسدي، وتفكك الأسر وارتفاع معدلات الطلاق.

وبالحديث عن المشاكل الاجتماعية يقول الضابط في الشرطة المجتمعية، علاء شون، لـ “طريق الشعب” إن “عمليات الابتزاز تدفع الكثير من الضحايا للقيام بأعمال غير صحيحة، حيث تساهم في ارتفاع مستوى الجريمة كالسرقة والقتل؛ كون المبتز عادةً ما يطلب من الأشخاص مبالغ مالية تدفعهم إلى سرقة هذه الأموال التي لا تكون في حوزتهم”.

“وبطبيعة الحال، قد تدفع السرقة إلى القتل وارتكاب الجرائم، وفي حال لم يستطع الضحية توفير هذه المبالغ ومع استمرار التهديد، يلجأ إلى الانتحار خوفاً من تحمل العواقب الوخيمة التي من الممكن أن تحدث له، نتيجة المحتوى الابتزازي الذي يمتلكه المجرم”، وفقا للمتحدث.

ويعد شون، أن “أغلب حالات الابتزاز تعمل على تفكيك الأواصر الأسرية، إذ كان للعديد من حالات الابتزاز، أثر خطير جداً على الأسرة، يستهدف تدمير العلاقات الاجتماعية، حيث ارتفعت نسبة الطلاق بسبب التعرض لابتزاز إلكتروني أو لفضيحة أو تشويه سمعة قد تكون غير حقيقية، ولكن الاستعمال الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي، وعدم المعرفة بالتقنيات الإلكترونية المتطورة، يقود الى ذلك”.

ضعف العلاقات الاسرية

وما يشجع على تزايد حالات الابتزاز، هو ضعف العلاقة الأسرية بين الأهل والضحية المبتزة إلكترونيا، ولمعرفة المبتز أن الضحية ستتجنب إبلاغ ذويها خوفا من التقريع وحتى القتل، وأحيانا هي تضطر للهرب ويتم بعدها استغلالها لدوافع دنيئة عديدة من قبل شبكات الابتزاز والإتجار بالبشر، بحسب شون.

ورغم أن حالات الابتزاز الإلكتروني، تتعدد أشكالها وتطال مختلف فئات المجتمع، لكن النساء هم الضحايا الأكثر عرضة لهذه العمليات وفق الإحصاءات والبيانات الرسمية الحكومية، وكذلك تلك الصادرة من قبل المنظمات والهيئات الحقوقية والمدنية غير الحكومية، على حد سواء.

وتعليقا على أهمية زيادة الوعي باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي وتجنب تداعياتها السلبية، يقول المتخصص في الأمن الرقمي، محمد زنكنة، إن “الأمن الرقمي بات اليوم ضرورة من ضروريات الحياة الأساسية، لأجل حماية الأشخاص وحماية الحسابات الشخصية وما تحتويه من تفاصيل خاصة”.

وفيما يتعلق بالنصائح “التقنية” للحذر من خطر الوقوع في شراك الابتزاز إلكترونيا، يوضح زنكنة أنه “يجب عدم إرسال الصور الشخصية لأشخاص مجهولين. والتحقق من معلومات الأشخاص الذين تتم الموافقة على إضافتهم في مواقع التواصل، ومن المهم أيضا تفعيل خاصية المصادقة الثنائية وتجنب الدخول إلى الروابط الوهمية أو تسجيل دخول في المواقع غير الآمنة، مع تجنب التعاطي مع الحسابات والمجموعات الخاصة الوهمية والمشبوهة”.

عرض مقالات: