اخر الاخبار

كشف نقيب الصيادلة الدكتور مصطفى الهيتي، يوم أمس، عن واقع حال مقلق يواجه العاملين في هذا القطاع المهم، بالإضافة إلى كل أصحاب المهن الطبية والصحية. وأشرّ النقيب خلال حوار خاص أجرته معه «طريق الشعب»، مصاعبَ عديدة وتحديات يفرضها «سوء التخطيط» والسعي إلى «الكسب المالي» عبر افتتاح كليات طبية بشكل غير مدروس، من أجل تخريج الصيادلة وغيرهم دون أي منهجية.

وحذر من أن الاستمرار في هذا السياق غير العلمي سيتسبب بكوارث مستقبلية تضر بالمواطنين والعاملين بالقطاع الصحي والطبي على حد سواء. 

سوء تخطيط وعشوائية ضارة

يقول نقيب الصيادلة مصطفى الهيتي، إن «أعداد الخريجين بهذا القطاع بدت تتزايد بشكل كبير دون أي تخطيط، وهناك تصريح أدليت به قبل أيام نص على: (أن عدد الصيدلانيين الفائض بلغ 10 آلاف وسيرتفع إلى 60 ألفا في عام 2026) إلا أن هناك جزءا آخر من التصريح لم يُنشر، تحدثت فيه عن تفاصيل هذه الأرقام وما هي المشاكل التي ترافقها».

وأوضح النقيب: «فتحت الكثير من الكليات الأهلية والحكومية دون أن تتمتع بشروط الاعتماد الحقيقية، وخلت من التخطيط لعدد الطلبة الذين يتخرجون منها فكانت العملية برمتها غير مدروسة وتخرج آلاف الطلبة من المهن الطبية والصحية ولولا وجود قانون التدرج الطبي الذي يعينهم بشكل مركزي، لافترشوا الأرصفة كبقية خريجي الكليات في ظل انتشار البطالة وبلوغها معدلات قياسية».

وأضاف أن «الاعداد الهائلة لخريجي الصيدلة لا تلائم حاجة البلد، وذلك لأن النسبة المقبولة في دول الجوار وبقية دول العالم تتضمن وجود صيدلي واحد أمام كل 2500 مواطن. نحن الآن أمام أعداد هائلة من الصيدلانيين ولو قسنا على النسبة أو المعايير الدولية، فسيكون لدينا أعلى منها بكثير. نحن نطمح إلى أن يحظى تخصص الصيدلة بالتخطيط السليم لا أن يتم استغلال الشباب بواسطتها. ان كليات الصيدلة والمهن الطبية والتمريضية أصبحت طرقا جديدة لامتصاص اموال المواطنين، فكلفة طالب الصيدلة تبلغ حوالي 10 ملايين دينار عن كل عام قبل أن يتخرج من كليته. وهذا مؤشر واضح على أن الاعداد الفائضة تستهلك أموالا التعليم العالي والأهالي».

وتابع الهيتي: «مقابل كل هذه التكاليف وأعداد الخريجين الفائضين، يوجد نقص حاد في عدد المؤسسات الصحية، فهي لم تزدَد منذ منتصف ثمانينات القرن الماضية وحتى اليوم سوى بحوالي 10 في المائة، بينما نفوق العراق زاد بنسبة 120 في المائة. أذن توجد قلة خدمات حادة لأن الصيادلة والأطباء لا يملكون أماكن للعمل وأصبحوا فائضين. ومن هذا المنطلق فمعالجة الأمر تكون عبر تقليل أعداد الطلبة المقبولين، وعبر إيجاد استراتيجيات جديدة للتعليم، ويكون ذلك بالتنسيق مع وزارة التخطيط، من خلال البحث عن فرص عمل ممنهجة وتناسب حاجة البلد الفعلية»، مردفا «نسمع عن وجود مستشفيات كبرى أنجزت كالألمانية والتركية في محافظات مثل بغداد وكربلاء والنجف وغيرها، لكنها لم تفتتح بسبب عدم توفر التخصصات المطلوبة. يجب التركيز على البعثات والابتعاث للاختصاصات التي يفتقدها البلد من أجل تطوير التعليم العالي بشكل حقيقي واللجوء إلى افتتاح اختصاصات حيوية وجديدة كالذكاء الاصطناعي وغيره».

فائض هائل يسبب الهدر

وتابع النقيب قائلا: «أحصينا عدد الطلبة في مراحل كليات الصيدلة الخمس، ووجدنا أنه في حلول عام 2026 سيكون هناك فائض من خريجي الصيدلة بحدود 60 ألفا، بينما صرفت عليهم أموال كثيرة من قبل الأهالي والدولة، وهذا باعتقادي هدر مالي كبير وسوء تخطيط ضار». وأكد أهمية «تقليل عدد القبولات، وهذا ما كتبت عنه نقابة الصيادلة إلى رئاسة الوزراء وتألفت بموجب ذلك لجنة ما زالت تعمل على الموضوع، ولا بد من أن توقف عملية افتتاح كليات طب الصيدلة أو طب الأسنان في الجامعات الحكومية والأهلية، بالإضافة إلى ضرورة أن تكون كليات الطب ضمن الرصانة العلمية من حيث الاساتذة والطلبة وعدد القبولات والأجهزة المتوفرة. والحقيقة أن الكليات الأهلية في غالبها هي مشاريع ربحية لا تلائم الشروط العلمية والمهنية».

كم هائل دون المستوى

أما عن عدد القبولات والدراسات في الخارج، فقال النقيب الهيتي ان «آمالا كبيرة تعقدها النقابة على تقليل عدد المقبولين إلى النصف، وضرورة أن يمتلك الذين يدرسون بالخارج معدلات ومستويات تؤهلهم لذلك، لتحسين النوعية. من خلال عملنا بنقابة الصيادلة وجدنا كما هائلا دون المستوى المطلوب، وهذا للأسف أصبح للدراسات الأهلية والحكومية أيضا، وتقابلهم نماذج ناجحة لكلا الجانبين لكنها أقل من المطلوب».

وزاد أن «الأعداد الهائلة لخريجي الصيدلة ومعظمها من كليات غير رصينة، تؤثر على النوعية ولا تخدم الاهداف الرئيسة للصيدلة وتفتح المنافسة على الكسب المادي وتتيح المجال للدخلاء على المهنة أن يمارسوا أعمالا تجارية على حساب الأخلاق المهنية، ويعززها أيضا وجود الأدوية غير الرسمية التي تأتي من المنافذ الحدودية أو التهريب والمافيات، وهذه كلها تعرقل تحقيق الهدف المنشود في تأمين الدواء الآمن والفعال للمواطنين».

وعدّ النقيب أن غالبية الكليات الأهلية التي افتتحت تشكل «مخالفة لقانون التعليم الجامعي الأهلي، إذ انه كان يجب أن تحصل على موافقة وزارة التخطيط وملاءمة مخرجاتها مع سوق العمل. يجب أن تتوافق هيكلية الكليات الإدارية والعلمية مع هيكلة الحكومة الإدارية والعلمية، لأنها تؤثر على حياة الإنسان ويجب أن تتوقف ظاهرة القبولات غير المدروسة. نحن كنقابات طبية وتمريضية متجهون بهذا الاتجاه والجامعات ليست اماكن للاستثمار غير المدروس وتخريب العقول الشابة وتوجيههم بالطريقة غير العلمية والمهنية. إذا بقينا نسير بهذا الاتجاه فستكون هنالك كارثة في البلد».