في حوار أجرته “طريق الشعب”

 

تواجه عمليات الضبط والاستقدام وأوامر الاعتقال التي تصدر من هيئة النزاهة والجهات القضائية المختصة، بحق موظفين ومسؤولين متهمين بالفساد، ملاحظات عدة تتعلق بجدية هذا العمل، وقدرته على مواجهة قوة المتنفذين، الذين يقفون خلف هذا الملف، ولا يطالهم الحساب. 

ويقول الرئيس الأسبق لهيئة النزاهة، إن الجهود التي تبذل في طريق مكافحة الفاسد، لا تزال غير مؤثرة، ما لم تتوجه بوصلتها نحو كبار الفاسدين، فضلا عن تفعيل القرارات القضائية الصادرة مسبقا بحق ملفات كثيرة.

 

اقطاعية الفساد

ويقول موسى فرج، الرئيس الأسبق لهيئة النزاهة الاتحادية، في حوار اجرته معه “طريق الشعب”، يوم امس، إن “الفساد تحول الى اقطاعية كبيرة، تديرها جهات متنفذة، لا تزال تفلت من العقاب”.

ويضيف، ان تقييم مدى فاعلية الاجراءات التي يعلن عن اتخاذها، دوما، بحق متهمين “ليست المعيار الحقيقي لمعرفة تفاصيل هذا الملف والجدية بإنهائه، فلا بد من النظر الى الواقع وليس الاعلام، ومن هذا الواقع يتوضح تماما ان كبار الفاسدين المتنفذين، والذين يديرون مواقع مهمة بالبلد، في مأمن من المحاسبة والملاحقة”.

ويشير فرج الى أن “القوى المتنفذة بحاجة الى اموال طائلة لتسيير اعمال الفضائيات التي تروج لها، ولإدارة المليشيات التي تحميها، فضلا عن التسليح وغيرها من التفاصيل. وكل هذه الامور بحاجة الى تكاليف مالية باهظة يتم استقطاعها من عمليات النهب المستمرة في البلد”.

ولفت فرج الى أن الموظفين وبعض المسؤولين الذين تتم ملاحقتهم “هم الحلقة الاضعف في دوامة الفساد. ودائما تطال اجراءات النزاهة امثالهم، بينما تبقى رؤوس الفساد الكبيرة في مأمن”.

 

سياق عمل غير شفاف

ويتابع الرئيس الأسبق لهيئة النزاهة قوله: “في العراق، يبحث سياق مكافحة الفساد عن المرتكب المباشر. وهذا لوحده غير منطقي، فهل الذي يمارس الفساد في المنافذ الحدودية مسؤول نفسه؟ وكذلك الحال في موضوع تهريب النفط وبيع وشراء الدرجات الخاصة. كل هذه التفاصيل وغيرها تدار خيوطها بأصابع المتنفذين. وحتى مفوضية الانتخابات، يجري تقاسمها سرا أو علنا، ويحدد القضاة فيها أو الموظفون، ليتم التوافق عليهم بين رؤساء الكتل المتنفذة، وهذه واحدة من الاشكالات الكبيرة التي ما زالت مستمرة”.

ويشير المتحدث الى أن جريدة الوقائع في فترة السبعينات من القرن المنصرم “كانت تصدر اضافة الى موادها التقليدية، قرارات الحكم الصادرة بحق فاسدين مدانين، اضافة الى اسمائهم، وتكشف عن تفاصيل القضايا واموالهم المصادرة، في حين يجري حاليا التعتيم على المدانين بالفساد لغرض العمل لاحقا على ايجاد المخرج المناسب لهم”.

وأردف، “من الناحية الموضوعية، يكون صحيحا جدا أن يتم نشر الاحكام الصادرة بحق المدانين واسمائهم. وهذا لا يتم الان لأنه يضر بمصالح المتنفذين. كما ان ادّعاء الحكومات المتعاقبة بأن فلسفتها هي الوقاية من ارتكاب الجريمة يتناقض مع عدم الكشف عن الفاسدين والاعلان عنهم أمام الرأي العام”، مبينا انه “في دول عديدة، تنشر اسماء المتهمين بالفساد حتى قبل ان يدانوا من قبل القضاء، وهذا هو السياق الصحيح الذي يردع الكثير عن نواياهم، لكن في العراق اذا اردت الحديث عن جهة فاسدة او شخص متهم، سيلاحقك المتنفذون وتتم مقاضاتك والتضييق عليك”.

 

قرارات غير مفعلة

وبشأن الدور الحكومي لمتابعة ملفات الفساد، ينبه المتحدث الى “وجود قرارات قضائية صادرة ومكتسبة للدرجة القطعية، بإمكانها معالجة مشاكل عميقة، لكنها لا تفعّل وبقيت مهملة. فهناك قرار صادر عن المحكمة الاتحادية عام 2019 ينص على أن تثبيت المسؤولين ورؤساء الهيئات والدرجات العليا في مناصبهم بطريقة المحاصصة، غير شرعي، ويخالف القانون والدستور، فلماذا لا يتم تطبيقه ومواجهة الفساد الذي يعتاش على هذا السياق، ويضع الفاشلين في المناصب المهمة، وبالتالي يوفر مساحة كبيرة للسرقة والنهب والكومشنات؟”.

ويتابع بالقول: “هناك قرار قضائي آخر يمنع تجديد التراخيص لشركات الهاتف النقال ما لم تدفع الديون المترتبة بذمتها لصالح الحكومة، والتي تصل الى مليارات الدولارات، لكنه ايضا لم ينفذ والسبب يعود مجددا الى ارتباط هذا الملف بالقوى المتنفذة المستفيدة من هذا الأمر. كما تجدر الاشارة الى ان للعراق اموالا تبلغ قرابة 500 مليار دولار، جمدت بعد اجتياح النظام الدكتاتوري السابق للكويت، ولا بد من العمل على حل جذري لمصيرها، وتحريك الجهد الدبلوماسي نحوها، فضلا عن استمرار نزيف العملة الصعبة، وتبييض الأموال وتهريبها بواسطة العمليات التي تجري داخل مزاد بيع العملة الذي يستمر بهذا الاداء رغم جميع الملاحظات الجدية بشأنه، في حين تلعب المصارف الاهلية والتي هي عبارة عن دكاكين للفساد دورا في هذه العملية، وبرعاية متنفذين يديرونها، بضمنهم احد المسؤولين المدانين بقضية استيراد اجهزة كشف المتفجرات الفاشلة، والذي يدير من الخارج مصرفا اهليا يمارس عمله بحرية داخل العراق. وبمثل هذا السياق، يستمر الفساد على قدم وساق في الكثير من المفاصل المهمة، وسيبقى محميا ما لم تطل الاجراءات الرقابية المتنفذين الحقيقيين، وعدم الاكتفاء بالموظفين أو المسؤولين الصغار”.

عرض مقالات: