اخر الاخبار

كشف تقرير ألماني، مؤخرا، عن مخاطر الألغام ومخلفات الحروب التي تهدد عودة النازحين في الداخل إلى ديارهم رغم انتصار القوات الأمنية على تنظيمات داعش الإرهابي، مبينا أن تاريخ هذه الظاهرة يعود إلى بداية الثمانينات خلال الحرب العراقية الإيرانية، ومن ثم خلال هجوم قوات النظام السابق على المناطق الكردستانية، مرورا بحرب الخليج وحتى لحظة دخول الإرهابيين إلى العراق ليكملوا هذه السلسلة الدامية.

ويقول التقرير الذي ترجمته “طريق الشعب”، أنه “في ظل وجود الملايين من قطع الألغام والمتفجرات الممتدة تحت ركام وتربة العراق، فإن الكثير من النازحين في الداخل يفضلون العيش في الخيام على العودة إلى المنازل لأن وجود هذا العدد من الألغام يوحي وكأن الحرب ما زالت مستمرة”.

قصص مأساوية

وينقل تقرير موقع DW الألماني، باللغة الإنكليزية، عن الفتاة ليلى مراد (22 عاما) من أهالي سنجار قصصا عديدة للمواطنين مع الألغام والكوارث التي تسببت بها مع البالغين، الأطفال، والحيوانات التي مُزقت إلى أشلاء.

وتقول مراد: “اعتاد أحد أعمامي قبل عامين، وهو راعٍ، أن يأخذ قطيعه إلى الخارج بشكل يومي. في إحدى المرات توقف على لغم أرضي كان مخبئا تحت التربة، ونتيجة لذلك يعاني الآن من عجز شديد”. وتوضح الفتاة “هذه هي حالة واحدة من حالات كثيرة بشأن الألغام الأرضية التي تدمر أرواح الناس”، مضيفة “نحن في الأصل من منطقة سنجار التي تقع شمال غربي العراق. نعيش منذ ثماني سنوات أنا وعائلتي بمخيم إيسيان في محافظة نينوى، وهو مخيم للنازحين داخل العراق. في شهر أغسطس من عام 2014 هربنا للنجاة بحياتنا بعد أن تقدمت تنظيمات داعش الإجرامية بسرعة نحو سنجار؛ تاركين خلفنا كل شيء”.

وبحسب التقرير “شاركت الفتاة والديها في غرف صغيرة جدا برفقة ثلاثة أشقاء بالغين وجدتهم العجوز. كان هذا مأواهم طيلة ثماني سنوات. وأن العائلة لا تشعر به كمنزلهم الذي تركوه خلفهم مجبرين. وعلى الرغم من أن الحرب قد انتهت منذ خمس سنوات بهزيمة التنظيم الإرهابي، لكن عودة العائلة إلى قريتها ليس خيارا مطروحا لغاية الآن، وكذلك هي القضية بالنسبة إلى آلاف العراقيين الذين يعيشون في مخيمات مشابهة”. وتضيف الفتاة مراد قائلة: “لم يبق شيء هناك سوى الأنقاض المليئة بالمتفجرات. عمي عاد إلى المنزل وكانت هذه النتيجة”.

أكثر البلدان تلوثا بالألغام 

ويضيف التقرير “تتناثر عبر الكثير زوايا العراق الملايين من الألغام الأرضية المدفونة في المزارع والطرقات والحقول. وصنفت الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية، العراق كأكثر البلدان تلوثا بالألغام في العالم. ففي كل عام، يخسر العشرات من العراقيين حياتهم بسبب الألغام والمخلفات الحربية التي تنفجر، بينما هنالك حوالي 8.5 مليون من بين حوالي 41 مليون عراقي يعيشون تحت خطر تهديدها. هذا ما تظهره بيانات الأمم المتحدة المتعلقة بالألغام. كما ومنذ أوائل الثمانينات، دمرت العديد من الصراعات الشعب العراقي، فكل صراع أضاف على كثافة جديدة هذا التلوث الذي تم بواسطة الألغام. 

عدد هائل من الألغام

وينقل التقرير عن باول ماكان، مدير الاتصالات في منظمة Halo Trust، وهي منظمة خيرية تعمل على إزالة الألغام والمتفجرات، قوله إن “العراقيين مستمرون بإزالة الألغام من أراضيهم منذ عقود، لكن هنالك ضعف في عملية التطهير في المناطق التي ما زال داعش الإرهابي يثير القلق فيها. وأن أنواع الألغام التي صنعها داعش الإرهابي دائما ما تكون عبارة عن حاوية زيت طبخ بلاستيكية بحجم 20 لترا وتحتوي على متفجرات صناعة يدوية، مع المفجر وبطارية ومفتاح، يمكن أن تنفجر بمجرد الوقوف عليها أو القيادة من حولها”.

ويوضح: “في حقل ألغام واحد قرب مصفى بيجي، أزالت المنظمة حوالي 700 عبوة ناسفة بينما تم جمع المئات من القطع التفجيرية الأخرى. وبالإضافة إلى العبوات الناسفة، نحن نساعد أيضا بتنظيف البنايات التي تعرضت للقصف خلال القتال، لكن هذه البنايات تحتوي عادة على متفجرات عنقودية غير منفلقة، وقذائف لم تنفجر خلال الحرب. كل هذه غطيت بقطع من الخرسانة والركام وتتطلب الدقة الشديدة وأعلى درجات الحذر للتعامل معها”. أما بالنسبة لحجم التلوث في هذه المناطق فيقول المتحدث “أن حجم التلوث كبير جدا، والمنظمات المعنية بهذا الغرض ابتكرت عملية للتطهير، تكون بواسطة استخدام مركبات مدرعة حتى تستطيع التعامل مع الأمر، لكن هذا العمل يتطلب أشهر عديدة لتطهير حقل ألغام واحد، وسنوات عديدة حتى تختفي هذه الحقول من العراق. وبحسب قول وزير البيئة وكالة، جاسم الفلاحي، في شهر ديسمبر، فإن العراقيون سيتخلصون من الألغام التي صنعها تنظيم داعش الإجرامي في حلول نهاية عام 2028”. وهذا الكلام بالنسبة لماكان يعني أن “خيام النازحين المتبقين في العراق، ستبقى كأماكن أكثر أمانا للعيش خلال السنوات القادمة”.

انتهت الحرب والسلام لم يتحقق!

إن التلوث الذي تخلفه الألغام الأرضية ليست السبب الوحيد الذي يجعل العراقيين يترددون من العودة إلى ديارهم، هكذا يقول الصحفي وعامل الإغاثة، مصطفى ليث قاسم، وهو يتحدث للموقع الألماني. 

ويضرب قاسم مثالا “من حين إلى آخر، تندلع الاشتباكات بين مجاميع مسلحة في مناطق عديدة، هؤلاء يضعون أرواح المدنيين في خطر. بعض الأحيان لا يشعر الناس بأن لديهم شيئا يمكن العودة إليه، بعدما يرون البيوت والمدارس والمستشفيات مسحوقة”، مضيفا “مشكلة اللغم على وجه التحديد تحبطهم، لأنها بالإضافة إلى مخاطر العيش قربها، تعرقل إعادة بناء وتطوير المناطق الملوثة بهذه المواد الخطيرة”. وبالعودة إلى عضو المنظمة الخيرية، ماكان، فأن “تقرير الأمم المتحدة عن الألغام يقول بأن أكثر من ربع حالات الانفجار للمعدات الحربية تقع في المساحات الزراعية العراقية، والتي تمنع بدورها الفلاحين من استخدام أراضيهم لإطعام عائلاتهم. كما أن 20 في المائة من البنى التحتية تتأثر بإعادة بنائها هي والأعمال التجارية. فعندما تكون هناك ألغام وذخيرة غير منفلقة، فأن الناس لا يؤمنون بتحقق السلام. وكأن الحرب ما زالت مستمرة”.

عرض مقالات: