اخر الاخبار

ربما يتفق الجميع اليوم، على أن آفة الفساد في بلادنا، وفي ظل نظام المحاصصة، باتت سبباً رئيسياً لأغلب مشاكل البلاد، كتعمق الإستقطاب الطبقي بين غنى فاحش وفقر مدقع، وغياب شبه تام للخدمات الاساسية، وعجز مؤسسات الدولة عن القيام بواجباتها، وتواصل الانسداد السياسي وضعف الثقة بالعملية السياسية وبالممارسات “الديمقراطية” التي رافقتها، فيما شكّل تفاقم الفساد أحد مظاهر الأزمة الشاملة لنظام الحكم القائم، حيث ترسخت بسببه مكانة الأقلية الحاكمة الفاسدة (النخبة الأوليغارشية)، وضمن لها احتكارها للسلطة الفعلية في البلاد.

ولدى النزاهة الخبر اليقين

ومن ابرز شواهد ما ذكرناه، اعلان هيئة النزاهة العامة، في تقريرها السنوي، الثلاثاء الماضي، عن تورط 11 ألفاً و605 مسؤولاً بالفساد خلال العام 2021 فقط، وتوجيه 15290 تهمة لهم! وأن هناك 54 وزيراً (ومن بدرجته) من بين هؤلاء، وجهّت إليهم 101 تهمة، الى جانب 422 مُتَّهماً من ذوي الدرجات الخاصَّة والمُديرين العامِّين ومن بدرجتهم، ممن وجّهت إليهم 712 تهمة. كما أوضح التقرير أن “632 حكم إدانة صدر، كان من بينها حكم واحد بحق وزير، و42 حكماً بحق 23 من ذوي الدرجات الخاصة والمديرين العامين ومن هم بدرجتهم”. 

هذا وأشارت الهيئة الى تمكنها من منع هدر أكثر من 15 تريليون دينار عراقي (حوالي 10 مليارات دولار)، خلال العام الماضي، والى نجاحها في استرجاع مبالغ كبيرة لصالح خزينة الدولة من القيمة التي جرى الكشف عنها أو صدرت أحكام قضائية بردها.

وللسويديين نصيب!

وفي السويد، اعترفت شركة إريكسون للأتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بعد تحقيق داخلي أُجبرت عليه جراء تحقيقات صحفية قام بها التلفزيون السويدي SVT، بالتعاون مع شبكة الصحفيين ICIJ وشركائها في جميع أنحاء العالم، بحدوث انتهاكات خطيرة لقواعد عمل الشركة في العراق، كسوء السلوك المرتبط بالفساد والاستخدام غير السليم لوكلاء المبيعات والاستشاريين، من خلال التبرع النقدي دون وجود متلقِ واضح، والدفع لموردٍ مقابل العمل بدون نطاق محدد وبدون وثائق، واستخدام الموردين لتسديد المدفوعات النقدية، وتمويل السفر والنفقات غير الملائمة. 

وقال الرئيس التنفيذي للشركة بورجي إيكولم لرويترز بإن التحقيق نتج عنه خروج العديد من الموظفين من الشركة واتخاذ إجراءات تصحيحية أخرى وإنهاء عدد من العلاقات مع أطراف ثالثة. وبيّن بأن فريق التحقيق الداخلي استطاع تحديد مدفوعات لوسطاء واستخدام طرق نقل بديلة للتهرب من هيئة الجمارك العراقية، في وقت كانت فيه المنظمات المتشددة، ومنها تنظيم الدولة الإسلامية، تسيطر على بعض مسارات النقل.

نجاح ولكن!

من جانب أخر تم الإعلان عن نجاح العراق في اختراق قانوني للسرية المصرفية الدولية، عبر جهود هيئة النزاهة وصندوق استرداد أموال العراق. وقد أشار المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح الى ذلك في تصريح اطلعت عليه “طريق الشعب” فقال “ ان التحركات لاسترداد الأموال العراقية الموظفة في استثمارات مخفية أو ملاذات آمنة كما تسمى خارج البلاد والتي سبق الاستيلاء عليها، بدأت تسجل نجاحا، وأن المتورطين في هذا الأمر يصنفون ضمن خانة الجرائم المالية ويواجهون تهمة الاعتداء على المال العام”. وأضاف صالح، أن هذه “الجهود تؤكد نجاح هيئة النزاهة في المجال الخارجي لاسترداد الأموال، منذ أن عهد إليها مهام صندوق استرداد أموال العراق بموجب القانون رقم (9) لسنة 2012 الذي جرى تعديله قبل أكثر من عامين”. 

ورغم ان خبراء ومراقبين، استطلعت “طريق الشعب” أرائهم قد رحبوا بهذه الجهود الطيبة وبالنجاحات وباركوها، الا انهم مازالوا يعتقدون بأن استرداد ملايين محدودة من مليارات منهوبة، يعّد نجاحاً متواضعاً، فيما تتطلب المشكلة وضع خطط افضل وبذل جهود أكبر. ويذكر المراقب محمد قاسم لـ “طريق الشعب” بأن “ماتمت استعادته لايتجاوز عدة ملايين في حين ان رئيس الجمهورية كان قد اعلن في التلفزيون في أيار من العام الماضي عن تهريب 150 مليار دولار في صفقات الفساد إلى الخارج منذ عام 2003. فهل يمكن أن يكون نجاحاً استعادة ملايين منها فقط في عشرين عاماً”. وحذر قاسم من الأحكام المخففة التي تصدر بحق المدانين بالفساد، والتي لا تتناسب مع حجم السرقات، وقال” تقرير النزاهة يؤكد ان عدد المحكومين لايتجاوز 2-5 في المائة من المتهمين!”. 

ويشير الخبير الاقتصادي د. جاسم محمد حافظ الى “حاجة البلاد الى نظام مدني ديمقراطي قائم على أساس المواطنة، لأنه الوحيد القادر على ضمان سلامة الاجراءات القضائية واحترام القضاء وقراراته، والشفافية واعادة التنظيم المؤسساتي للدولة”. ويضيف في حديث لمراسلنا “ بدون وجود قيادة نابعة من انتخابات ديمقراطية عادلة لايمكن وضع برامج علمية لمكافحة الفساد، وبدون هذه البرامج لا يمكن تفعيل مؤسسات الدولة من جهة وتحفيز الرقابة الشعبية من جهة مكملة”. 

أبرز أهداف انتفاضة تشرين

من جانبه يشير الناشط المدني أحمد علي الى ان “ مكافحة الفساد وفضح ومحاسبة رؤوسه، كانت ابرز مطلب لمنتفضي تشرين وسبباً رئيسياً للحراك الجماهيري”. واضاف بأن “لا أمل في تحقيق الأصلاح دون القضاء على الفساد المالي والإداري وفرض القانون وتفعيل الأحكام القضائية وإقامة دولة المؤسسات واحتكارها وحدها للسلاح”. ويعتقد الناشط بأن تحقيق ذلك يرتبط بإنهاء نظام المحاصصة، الذي هيأ الأرضية المناسبة، ليس لخلق منظومة الفساد فحسب، بل ولربطها مع أجهزة الدولة ومؤسساتها وكبار موظفيها وبعض التجار والمصرفيين بل وحتى مع بعض الأنتجلسيا ورجال الأعلام. ودعا الى جبهة شعبية فاعلة من كل الخيرين ودعاة التغيير لمواجهة الفاسدين ومنظومتهم الخطيرة.