اخر الاخبار

عقد المجلس التشاوري للحراكات التشرينية والقوى الوطنية، أمس الأول، جلسة حوارية في مقر الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين للحديث عن تأثيرات الانتفاضة الشعبية على نتائج الانتخابات التي مضت، والموقف من الجدل الدائر بشأن تشكيل حكومة الأغلبية السياسية أو العودة إلى التوافق من منظور الأحزاب الحاكمة من جهة، والشعب المتضرر من المحاصصة الطائفية من جهة أخرى.

لا جديد متوقع

وجرى خلال الجلسة التي عقدت تحت شعار “الأغلبية السياسية بين جدل الاحزاب الحاكمة وإرادة الشعب”، والتي حضرتها “طريق الشعب”، تقديم نبذة عن أصل الأزمة والتوقعات المستقبلية لشكل الحكومة القادمة.

وقال مدير الجلسة عبد الستار ربيع: إن القوى الماسكة بالسلطة “تعتبر الدولة والحكومة ومؤسسات الدولة غنيمة تتقاسمها في ما بينها مع السماح للتدخلات الخارجية بالعبث في البلاد”، مؤكدا أن “هذه الندوة لمناقشة كل هذه الأمور وشكل الحكومة القادمة وموقف المجلس التشاوري مما يجري أمام الشعب تجاه الحديث المطروح عن تشكيل حكومة الأغلبية، فمعظم المراقبين يتوقعون بأن العمل بالنمط السابق سواء كانت التسميات أغلبية أم توافقية لن يصل بعمر الحكومة الجديدة إلى أكثر من عام واحد، مع الإشارة إلى أن التوتر الاجتماعي بسبب المحاصصة الطائفية يغلي والاحتقان السياسي يؤجج الموقف أكثر لأن هناك مساعي لفرض إرادات مخالفة لإرادة الشعب”.

وفسح ربيع المجال لاحقا للضيوف المتحدثين، وهم كل من الدكتور علي الرفيعي، الأمين العام للحزب الاجتماعي الديمقراطي، الدكتور شاكر كتاب الأمين العام لتجمع العمل الديمقراطي، فاروق فياض، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، والمحامي ياسر محمد.

الرفيعي: المؤسف هو التخلي عن الوعود

وقال الرفيعي، إن “أول من طرح موضوع الاغلبية السياسية السيد مقتدى الصدر، ووصفها تحديدا بحكومة الاغلبية. هكذا كان الوصف الدقيق في البداية ومن ثم أوضح بأنها اغلبية وطنية. كما أن الطرف الآخر المفاوض له أعلن صراحة بأنه يطمح لتشكيل حكومة توافقية والتشارك في السلطة. إن المؤسف هو قيام كل هذه القوى الحاكمة وطيلة فترة حكمها على مدار 18 عاما بالعودة إلى نفس السياق والتخلي عن الوعود التي طرحوها خلال انتفاضة تشرين بأنهم باتوا ضد المحاصصة وبعض قادتهم أكد بأن من يريد حكومة محاصصة هو خائن للشعب المنتفض”، مضيفا “بين هذه التصريحات عاد الحراك مجددا داخل البيوتات الطائفية والقومية وبات كل طرف يتحدث علنا عما يمكن للأطراف الأخرى أن تضمنه له لتجديد النهج السابق والتمسك بالسلطة”.

وتابع الرفيعي “هناك غموض في نتائج المفاوضات الحالية، وأن جزءا من الأمور متعلق بالمحكمة الاتحادية نفسها بالمصادقة على نتائج الانتخابات. وتحدث أحمد الأسدي عضو الإطار التنسيقي مؤخرا عن سعيهم لتشكيل حكومة مع الكتلة الصدرية لتكون كما أسماها (حكومة أغلبية). إن الواقع يؤكد أن أي حكومة قادمة من الصعب أن تولد بعيدا عن التوافق، وبالخصوص بين الكتلة الصدرية والإطار التنسيقي الذين يتفاوضون حاليا من جهة، وبين القوى الكردية والكتلة التابعة لمحمد الحلبوسي، لذلك فمناقشة قضية أي شكل حكومي قادم هو لطرح كافة التفاصيل والمآلات وتحديد موقفنا منها أمام شعبنا. إن الحكومة التوافقية عاشها العراق منذ أول انتخابات وانتجت فشلا متواصلا في إدارة الدولة، وفسادا لا مثيل له باعتراف الجميع، فهل ستكون حكومة الأغلبية التي تشكل من نفس الكتل السياسية مختلفة عن السابق؟ هذا ما يجب أن نجيب عليه ونوضحه ونبين موقف القوى المدنية منه”.

كتاب: أغلبية مبطنة بالنمط التوافقي

من جانبه، أوضح شاكر كتاب أن الحديث عن ما يجري في البلاد الان بشان نتائج الانتخابات والسلطة يذكرنا في زمن النظام السابق بعد أن كان المواطن مجبر على الاختيار أو الرفض لمرشح واحد ويواجه في الخيار الثاني تهمة الخيانة. أي أن الخيارات ليست متاحة بشكل حقيقي في ظل نهج المحاصصة والفساد والتردي.

وأضاف كتاب، أن “الاشكالية الكبرى الان تتعلق بالسلطة وكل الصراع الذي نراه يدور حولها وحول ما توفره من ضمانات كبيرة للمسؤولين والذين يأتون بهم. رأينا أن هذا النمط بالإتيان بمسؤولين لا علاقة لهم في مناصبهم مثل استيزار شخص للزراعة وهو محامي، وآخر للمالية وهو طبيب، بينما عمل رؤساء وزراء على ايجاد مكاتب استشارية بديلة للوزارات نفسها، للسيطرة المطلقة على الوزارات، وأوضح دليل على ذلك أن للبلاد وزير دفاع لكن الأقوى من وزارته، هو عمليات بغداد والمحافظات، وهذا يبين حجم الصراع على السلطة وما يدور حولها من امتيازات وصلاحيات مالية ونفوذ هائل”، لافتا إلى أن “العراق أمام حقيقة واضحة وخطيرة تتمثل بصراع إرادات ومعسكر يتمسك بالسلطة بشتى السبل وبالقوة اذا اقتضت الامور مثلما فعل، والجانب الاخر هو ارادة الشعب العراقي الذي تبلور الوعي الوطني لديه خلال السنتين الماضيتين بفضل انتفاضة تشرين وما حققته من انجازات مهمة. اننا نقف أمام هذا الصراع إلى جانب شعبنا، ويجب ان نجد الآليات التي من شأنها ان تحوي ارادة الجماهير واهدافها وتبلور كل هذه بخطة عمل حقيقية لإيحاد التغيير. كما ويجب توظيف قدرات الشباب المناوئين للمحاصصة وهم كثر ويعقدون الندوات والمؤتمرات الكثيرة”.

وأكد أنه إذا “قامت القوى المتنفذة بعرقلة طموح الشعب ورجعنا إلى المحاصصة الطائفية مجددا فهذا يعني استمرار الهبوط المستمر للنوع في البلاد على كافة الأصعدة. أما بشأن حكومة الأغلبية، فأنا على يقين تام بأنها لن تأتي بجديد ومهما اختلفت التسميات فلن تكون هناك حكومة بالمعنى الوطني الذي نسعى إليه، ستكون حكومة أغلبية من حيث التسمية وتجمع بين المحاصصة والارتباطات الخارجية وضياع النوع وسنعود إلى نفس الازمة، لأن هذا طموح الماسكين بالسلطة والباحثين عن مواقع النفوذ”.

فياض: فرز طبقي وأزمة نظام عميقة

وفي سياق متصل، تحدث فاروق فياض، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي عن عمق أزمة نظام المحاصصة ومحاصرة القوى التي تتمسك فيه شعبيا بعد نتائج الانتخابات الأخيرة.

وقال فياض: “في البداية اود ان اشكر اتحاد الادباء لاستضافته الجلسة واقدم التهاني للأخوة والأخوات المسيحيين في مناسبة اعياد الميلاد. ويجب الاشارة الى ان نظام المحاصصة ونتيجة للانتخابات الاخيرة أصبح يعاني من ازمة مركبة وبنيوية واصبح اكثر عزلة عن الجماهير من خلال الارقام الواردة بغض النظر عن ادعاءات المفوضية بمشاركة 41 بالمائة في المواطنين في التصويت. ومن ضمن الدروس الكبيرة للانتخابات الاخيرة هو أن أغلبية القوى السياسية المتنفذة قد انخفضت قواها التصويتية، وهذا مؤشر على ازمة النظام. والمؤشر الآخر يتمثل بأن الانتخابات اقصت جزءا غير قليل من المتنفذين، وهذا جزء من عملية العزل وأتت بمستقلين حصلوا على مقاعد كثيرة، بغض النظر عن استقلاليتهم، لكن هذا يعكس بوضوح توجه الناس وابتعادهم عن القوى السابقة التي سأموا منها ومن النتائج المخيبة التي افرزتها”، مبينا أن “هذا يدلل على ان هناك ازمة عميقة يعيشها النظام الطائفي. والسؤال المهم المطروح بشأن الرؤية والتوقع لنتائج الانتخابات بشأن تشكيل حكومة توافق ام اغلبية يعدّ منقوصا، لأنه لا يتضمن حديثا عن شكل البرنامج الحكومي القادم؛ فالبرنامج غاب عن الحوارات ولم يطرحه أي احد بقدر ما يجري الحديث عن الحصص وتقسيم المناصب”.

وتابع فياض “هناك تأكيد آخر يطرح بأهمية قصوى، وهو أن شكل الحكومة القادم بغض النظر عن تفاصيله، سوف يعيد انتاج نظام المحاصصة ويكرس جميع اخفاقات المرحلة السابقة وازدياد الفرز الاجتماعي والفقر والتدهور المريع للبنى التحتية ومعيشة الناس والتردي في قضايا الصحة والتعليم والبطالة وانتشار المخدرات وغيرها. كل هذه ترتبط بالنظام السياسي الحالي الذي عجز عن تقديم اية اصلاحات ومن المتوقع أن يعيد ما أشرنا إليه، لأنه في الأساس أصبح ليس من مصلحته القيام بأي تغيير اقتصادي لصالح الناس، وبات التبلور الطبقي اكثر وضوحا وملموسية بين الجماهير. لذلك يجب أن نتحدث عما هو أبعد من ذلك، إن عاد هذا النمط في الحكم وهو أمر متوقع، هل ستعيد الحركة الاحتجاجية دورها للوقوف ضده، بشرط الاخذ بدروس تشرين والاخفاقات والثغرات التي حصلت؟ وهل سيجدد شبح تشرين الذي أثر بنتائج الانتخابات نشاط الاحتجاجات مجددا في ظل تزايد الأزمات وتعمقها؟ إن هذا يتطلب أن تعمل القوى التشرينية والوطنية في ما بينها وتنسق العمل وتوحد الرؤية على الجانب الرسمي لها لأن المعاناة اصبحت اكبر، وبالتالي عليها أن تكون في عمق الاحتجاجات وتدير عملية مناهضة المحاصصة وقواها لانتزاع الحقوق للناس من السلطة القادمة، ومن أجل أن تلتف الجماهير حولها بعدما ترى دورا ملموسا لها في الساحة السياسية والاحتجاجية”.

محمد: أزمة قانونية وتشريعية

أما المتحدث المحامي عن حركة تشرين الديمقراطية ياسر محمد، فأكد بدوره أن كل الصراع الدائر والخراب الذي عم البلد لم يستثن الجانب التشريعي الذي يعاني ما يعاني في ظل المحاصصة الطائفية.

وأوضح محمد أن “قانون العقوبات ما زال يعتمد على قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل ويعكس حجم الازمة التي تعصف بالبلاد والإرباك الحاصل. كما أن المحكمة الاتحادية أوقعت البلد بمشكلة في المادة الدستورية رقم 76/ اولا بشأن تحديد الكتلة الفائزة في الانتخابات. إن النظام السياسي في المجال التشريعي يعاني نقصا ادى الى فجوة في مجال اختيار الحكومة، وهذا حوّل تنوع البلد الى مشكلة محاصصاتية واصبح الامر بوابة للمزايدات السياسية التي اوصلتنا الى ما نحن فيه حاليا”.

وأردف محمد “لا يوجد شيء اسمه اغلبية؛ فكل ما يجري هو تقاسم المناصب بين القوى المتنفذة، والجيل الشبابي الحالي جزء كبير منه عاش الحصار في زمن النظام السابق وبدأ شبابه في مرحلة ما بعد احتلال العراق وصولا الى الفترة الحالية والعنف الذي واجه المنتفضين في انتفاضة تشرين وسوف يستمر الحال اذا لم يوجد فضاء او تيار وطني يشمل كل القوى الوطنية لتكون منافسا كبيرا للقوى التقليدية الطائفية. اما بخصوص مواد الدستور، فهناك الكثير منها لا ضرورة لذكرها رغم أن الدستور يعتبر رأس الهرم وينظم الدولة والقوانين ويضبط ايقاع التشريعات، بينما بنفس الوقت نجد أن مواد مهمة أخرى تبقى تفسر بشكل مطاطي وتولد مشاكل كبيرة. إننا باختصار بحاجة إلى ثورة تشريعية قانونية والعراق قادر على ذلك، لو تمكنت قوى التغيير من فرض واقع جديد”.

وتوالت بعد ذلك مداخلات عديدة من قبل الحاضرين، أكدت في مجملها على أن المرحلة القادمة لن تختلف عن السابقة، وأن أي حديث عن حكومة أغلبية لن يأتي بتفاصيل جديدة ما دامت القوى السياسية المتنفذة هي نفسها ما يدير الحوار ويقود البلد مجددا، فيما دعت إلى أن المرحلة تتطلب أن توحد القوى التشرينية والوطنية وكل الرافضين للمحاصصة الجهود من أجل فرض معادلة جديدة تقف بالضد مما يجري.

عرض مقالات: