اخر الاخبار

استبعد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، التابع للحكومة السويدية، مؤخرا، في تقرير له عن العراق، إمكانية قيام النظام السياسي الحالي بإحداث التغيير وإجراء الإصلاحات الشاملة التي تتطلبها المرحلة. وفيما قدم توصيات بإصلاحات يمكن للدولة العراقية القيام بها في الوضع الراهن ومعالجة مشاكل المحاصصة الطائفية، فيما تحدث مختصون عن عدم رغبة القوى المتنفذة بالالتفات إلى أي مؤشرات أو تقارير دولية تحذر من مستقبل البلاد.

على حافة الهاوية

وأكد التقرير الذي إطلعت عليه “طريق الشعب” على إن العراق “يقف على حافة الهاوية بسبب تبعات نظام المحاصصة الطائفية، الذي يقسم السلطة ويضعف الدور المؤسساتي والرقابي، ويلحق اضراراً كبيرة بالاقتصاد ويعرقل إداء الدولة ويعيق توفير الخدمات الأساسية وتطوير المؤسسات القوية وآليات المحاسبة”. ويضيف التقرير بأن  “العراق قادر على القيام ببعض الاصلاحات ولكنها ليست شاملة وفقا للمشهد الراهن”.

وجاء في تقرير المعهد، الذي استند إلى مقابلات مع مسؤولين وخبراء حاليين وسابقين، إن “ترتيبات تقاسم السلطة شملت جميع جوانب العملية السياسية، بما في ذلك تشكيل الحكومة والتوظيف وإدارة وتوزيع الموارد العامة. ومع ندرة الفرص الاقتصادية وتردي الخدمات العامة، إندلعت الاحتجاجات الشعبية، ودعا المحتجون إلى إجراء إصلاح كامل للنظام السياسي. ولهذا فالعراق على حافة الهاوية وهناك حاجة ماسة للتخفيف من الأزمات الحالية التي تضر بالمواطنين وتهدد استقرار الدولة وتنذر بحدوث توترات وأعمال عنف”.

وتابع التقرير “ وبينما يرى كثيرون أن الابتعاد عن تقاسم السلطة القائم على الطائفية هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، تحتاج عملية الانتقال هذه إلى سنوات، خاصة وأن النظام السياسي راسخ وبعض الداعين إلى التغيير مازالوا يستفيدون من الوضع القائم”. وبين التقرير “ إن إصلاح النظام السياسي ذاته مطلوب إلا أن حدوثه غير محتمل على المدى القصير، ولكن بإمكان العراق القيام بخطوات للإصلاح من داخل النظام تؤدي إلى تحسين نظام الحكم وتقديم خدمات عامة بشكل أفضل”.

توصيات دعا لها العراقيون كثيرا

ويقترح تقرير المعهد السويدي، “إعطاء أولوية لأن تكون الحكومة المقبلة مستقرة، وهو ما يعني ضرورة أن تتجنب الكتل السياسية الخلافات والمماطلة في تشكيل الحكومة. وهذه الحكومة يجب أن تعكس اختيارات الناخبين، وليس مصالح النخب السياسية، وأن تقدم برنامجا واقعيا لمعالجة التحديات التي تواجه البلاد”. كما أوصى التقرير بإعطاء الأولوية لمعالجة مشكلة الفساد، باعتماد الاستراتيجيات والسياسات اللازمة لمحاربته، وإنشاء وتعزيز الهيئات المستقلة، والتحقيق في ملفات الفساد، وجعل ممارسة الفساد أكثر صعوبة. وتابع “يجب جعل النظام المصرفي أكثر سهولة وجدارة بالثقة، وهو ما يساهم أيضا في معالجة الفساد من خلال زيادة الشفافية والرقابة المالية وتشجيع المواطنين على الابتعاد عن النظام القائم على التعاملات النقدية”.

ويشير التقرير إلى إن “التنويع الاقتصادي وزيادة الوظائف أمران حتميان في المرحلة المقبلة، ويجب أيضا تسهيل بيئة الأعمال التجارية بخفض الإجراءات البيروقراطية، وتسهيل الاستثمار الأجنبي”. ومن ضمن توصيات التقرير أيضا زيادة الإنفاق الحكومي على أنظمة الرعاية الصحية والبنية التحتية الخاصة بها لتحسين الحصول على خدمات صحية جيدة، وعلى وجه الخصوص يجب الالتفات إلى تحسين ظروف عمل الكوادر الصحية وزيادة الحوافز المقدمة لهم لتشجيعهم على العمل والبقاء في العراق. ويضيف التقرير “لا بد من تبني خطة تعليمية واضحة تلبي احتياجات التنمية البشرية في العراق وتضمن حصول الخريجين على المهارات اللازمة لدخول سوق العمل، بالإضافة إلى عدم تسييس إدارة قطاعي الكهرباء والمياه وضمان عدم قيام الاعتبارات السياسية والطائفية بإعاقة إدارة هذين الموردين الهامين لحياة الناس، وإقامة هيئات مستقلة لإدارة الموردين تتولى المسؤولية عن تنفيذ استراتيجيات طويلة المدى لإعادة هيكلة القطاعين”.

وبحسب التوصيات أيضا “يجب أن تعمل هذه الهيئات بالتنسيق الوثيق مع المؤسسات ذات الصلة لضمان استمرارية تنفيذ الخطط حتى مع تغيير الحكومات، ويجب أن تكون هناك رقابة قوية وآليات لمكافحة الفساد في هذه الهيئات المستقلة، كما تجدر الاشارة إلى اهمية ان يستفيد العراق بشكل أفضل من مصادر الطاقة المتجددة لمعالجة النقص المزمن في الطاقة، وتبني استراتيجية للطاقة الخضراء يمكن أن تحقق استدامة طويلة المدى في هذا القطاع”.

لا توجد نوايا للتغيير

وحين إستوضحت “طريق الشعب” رأي الباحث في الشأن السياسي أحمد التميمي بالأمر، أكد بأن نظام المحاصصة الطائفية قد أهدر “فرصة ثمينة بعد تغيير النظام السابق لبناء بلد مؤسساتي وديمقراطي حقيقي، مما جعل الأوضاع السابقة في زمن الدكتاتورية وفق اطارها العام مكّملة لما يجري الآن وهذا أمر مؤسف”.

وأوضح التميمي لـ”طريق الشعب”، أن “أي توجه فعلي لترسيخ الديمقراطية غير موجود في العراق من قبل القوى الحاكمة، حيث تم مسخ غالبية بنود الدستور وقسمت السلطة وفقا للطوائف والقوميات وأصبحت الدولة أشبه بالاقطاعيات السياسية التي تُحمى بواسطة المال السياسي والسلاح والعلاقات الخارجية، وجرى اختزال الديمقراطية بصندوق الاقتراع فقط وهذا ما أكده متنفذون كثيرون وفي مناسبات عديدة. ويمكن للنتائج الحالية أن تجيب عن أحوال البلد وما آل اليه بسبب هذا النمط من التفكير”. وأردف التميمي قائلاً “ لا توجد دولة حقيقية لها سيادة وشكل اقتصادي وعلاقاتي واضح حتى الان، فأمور البلد تعود إلى الأحزاب المتمسكة بالسلطة وليست هنالك تقاليد حكم ديمقراطية سليمة. ولهذا وبحسب ما يشير اليه التقرير السويدي فأن الاحتجاجات العراقية التي انطلقت لم تكن أمراً مفاجئاً بل هو نتيجة تناقضات هائلة بين قوى السلطة والمواطنين المحرومين، توجت بانتفاضة تشرين التي مثلت شرائح واسعة من ابناء الشعب”. وحذر التميمي من “مستقبل مجهول على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني ما لم تكن هنالك مراجعة شاملة للأداء النيابي والحكومي بخصوص إدارة الدولة”.

إيضاح واجبات الدولة

من جهته يعتقد الخبير الاقتصادي علي تويج، بأنه يجري التركيز دوماً على الجوانب السياسية، غير أن التأثير الأعظم إنما هو للجانب الاقتصادي. ورغم ارتباطه مع الأول، فهو يمس بشكل مباشر حياة المواطنين وبات رهينة للقرارات الحزبية والكتلوية للمتنفذين وهذا سوف يستمر ما لم تفصل سلطة الدولة عن تأثير هذه الأطراف.

ويقول تويج لـ “طريق الشعب” “لن نرى أي تقدم ملحوظ في الجانب الاقتصادي ما لم تكن هنالك عقوبات رادعة وقاسية بحق الفاسدين ومن سرق مئات المليارات منذ 2003 وإلى الآن. وهذا الملف يجب ان يفتح بشكل تام فمجمل العملية تنص على ان ثلث ميزانيات العراق سرقت بينما الفساد مستمر على قدم وساق”. وقارن السيد تويج بين التخصيصات التي ترصد للانفاق العسكري و المخصصات والنثريات للمسؤولين وبين ما يرصد للتعليم، حيث لا يتجاوز الأخير أكثر من 10 في المائة من الأول، فيما تعاني الصناعة والسياحة والتجارة والتربية والقطاعات الكفيلة ببناء البلد والنهوض فيه من تدهور شامل.