اخر الاخبار

تواجه محافظة النجف أزمة مائية خانقة ألقت بظلالها على القطاع الزراعي، وحولت بحر النجف إلى مساحات جافة تشبه الصحراء في بعض الفترات، بعدما كان واحداً من أهم المنخفضات المائية في الفرات الأوسط. فقد أدى شح المياه إلى توقف زراعة الشلب في معظم الأراضي، فيما تقلصت المساحات المغمورة بالمياه إلى أقل من النصف، وسط تحذيرات من خبراء ومسؤولين محليين من أن استمرار الوضع الحالي يهدد النشاطات الاقتصادية والزراعية والبيئية، ويستدعي تدخلاً عاجلاً لإيقاف الاستنزاف وإعادة التوازن البيئي للمنطقة.

واقع مأساوي مستمر منذ 3 عقود

وقال مدير زراعة محافظة النجف، منعم الفتلاوي، أن شح المياه في المحافظة له تأثير كبير على القطاع الزراعي، لا سيما على محصول الشلب لهذا العام.

وأضاف أن زراعة هذا المحصول تكاد تكون منعدمة، باستثناء مساحة محدودة تقدر بـ 140 دونما تابعة لمحطة الأبحاث في المشخاب، بينما بقيت المساحات الأخرى البالغة نحو 220,000 دونم غير مزروعة.

وأشار الفتلاوي في حديث لـ "طريق الشعب"٬ إلى أن الوضع الحالي للمياه يؤثر بشكل كبير على المزارعين والفلاحين، خاصة في المناطق البعيدة عن الأنهار الرئيسية، مضيفًا أن قلة المياه تشكل أيضًا معاناة لحيوانات الشريحة الفلاحية.

وبخصوص وضع "بحر النجف"، أشار الفتلاوي إلى أن هذا الموضوع متكرر منذ نحو 20 إلى 30 عاما، حيث يشهد البحر تذبذبا في مستويات المياه بين سنوات الجفاف وارتفاع منسوب المياه في سنوات أخرى.

وأكد أن الرئيسية لمياه بحر النجف تعتمد على الأنهار الممتدة من ناحية الحيرة باتجاه البحر، مثل نهر الغازي ونهر البديرية ونهر أبو جدوع، والتي كانت سابقا مساحات واسعة مزروعة بمحصول الشلب، لكنها الآن تعاني من الانحسار وانعدام المياه.

وتابع الفتلاوي، أن آبار المياه المتدفقة التي كانت موجودة تم إغلاق معظمها مؤخرا من قبل دائرة حفر الآبار، مما زاد من أزمة المياه. كما أن انخفاض الأمطار والسيول القادمة من السعودية ومناطق بعيدة أخرى خلال السنوات الأخيرة زاد الوضع سوءًا.

وأشار إلى أن كل هذه العوامل أدت إلى تقليص مساحة مياه بحر النجف إلى نحو 18,000 دونم، في حين كانت مغمورة سابق بمياه تغطي مساحة تصل إلى 40,000 دونم، مما يعكس حجم التحديات التي تواجه القطاع الزراعي في المحافظة.

ناشط يحدد أسباب الانسحار

من جهته، كشف المراقب للشأن المحلي في محافظة النجف، محمود السعيدي، عن الأسباب الرئيسة وراء انحسار المياه في بحر النجف، وتحوله في بعض الفترات إلى ما يشبه الصحراء الجرداء، مؤكداً أن المشكلة باتت أكثر حدة هذا العام مقارنة بالسنوات السابقة.

وأوضح السعيدي، أن بحر النجف يعتمد بصورة أساسية على المياه الجوفية المتدفقة من صحراء النجف الأشرف، إلى جانب عدد من المصادر السطحية الأخرى. ومن أبرز هذه المصادر مصب نهر الكوفة الواقع أسفل مدينة النجف، والذي كان في السابق يرفد البحر بكميات من المياه التي تستخدم أيضاً في السراديب والممرات المائية القديمة داخل المدينة.

وأشار السعيدي إلى وجود نهر الغازي القادم من ناحية المناذرة جنوب النجف، والذي يصب في بحر النجف بعد مروره عبر مناطق زراعية تُعرف محلياً بـ"الشواطئ"، إلا أن تراجع مناسيب نهر الفرات وانخفاض تدفق المياه من شط الكوفة أسهما بشكل كبير في تقليص كميات المياه الواصلة إلى البحر.

وبين السعيدي، أن انتشار المحميات السمكية في المنطقة، والتي يدير بعضها جهات متنفذة، ساهم في تفاقم الأزمة من خلال حصر المياه في مساحات محدودة لأغراض تربية الأسماك، ما أدى إلى مزيد من الجفاف وانحسار المياه.

وأضاف أن بحر النجف يتأثر أيضاً بالظروف المناخية؛ إذ يشهد في فصل الصيف جفافاً شبه تام نتيجة تراجع المصادر المائية، بينما تتدفق إليه كميات أكبر خلال موسم الشتاء بفعل السيول القادمة من الصحراء والمياه الجوفية المتجددة، مما يجعله أشبه بحالة "المد والجزر".

وحذر السعيدي من أن استمرار هذه الأوضاع سيؤثر على النشاطات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالبحر، مشيراً إلى أن المنطقة كانت في السابق تمثل مصدراً للرزق عبر صيد الأسماك، فضلاً عن كونها متنفساً سياحياً لأهالي النجف.

وختم بالقول إن "الجفاف الموسمي لبحر النجف ليس جديداً، لكنه في هذا العام بلغ مستويات غير مسبوقة، ما يتطلب تدخلاً عاجلاً وإجراءات جادة للحفاظ على هذا المعلم الطبيعي المهم".

الاقمار الاصطناعية ترصد 90 بئرا

أما عضو لجنة الزراعة والمياه النيابية النائب ثائر الجبوري، فقد أكد في وقت سابق أن لجنته تواصلت مع وزارة الموارد المائية ودائرة زراعة المحافظة للوقوف على أسباب جفاف بحر النجف، باعتباره من المنخفضات المائية المهمة في الفرات الأوسط، والتي تشكل بيئة حيوية تغذي مساحات زراعية واسعة فضلاً عن كونها جزءاً من التنوع البيئي في المنطقة".

وقال الجبوري أن "صور الأقمار الاصطناعية والمسح الجوي بينت وجود أكثر من 90 بئراً بعمق يصل إلى 100 متر، وهي السبب الأبرز في جفاف مساحات شاسعة من المنخفض"، مؤكداً أن "اللجنة شددت على ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية بحق الجهات التي أنشأت تلك الآبار بشكل مخالف، والعمل على إعادة وضع المنخفض إلى سابق عهده ومنع أي تجاوزات جديدة

من جانبه، قال المختص البيئي زيد السدحان إن "ما يشهده بحر النجف اليوم ليس مجرد أزمة موسمية عابرة، بل مؤشر خطير على تدهور المنظومة المائية والبيئية في المنطقة"، مبيناً أن "الجفاف الحاصل يهدد بفقدان التنوع البيولوجي ويؤثر سلباً على حياة المزارعين والصيادين الذين يعتمدون على البحر كمصدر رئيسي للرزق".

وأضاف السدحان، أن "استمرار استنزاف المياه الجوفية وحفر الآبار العشوائية، إلى جانب التغيرات المناخية وتراجع تدفقات الفرات، جعلت البحر في وضع هش، الأمر الذي يتطلب خططاً عاجلة ومستدامة لإدارة الموارد المائية، والحد من التجاوزات، وتنمية بدائل بيئية تقلل من حدة الأزمة"، مشيراً إلى أن "ما نراه حتى الآن لا يتعدى اجتماعات تعقد هنا وهناك دون حلول حقيقية على أرض الواقع".