انتخابات تشرين بين الآمال والواقع
نشر موقع (War on the Rocks) الأمريكي دراسة للباحثين ياسر كوتي وعلي الحمود حول الانتخابات التشريعية، ذكرا فيها أن جوًّا سياسيًا مثقلاً بالترقب يسود العراق هذه الأيام، حيث سيتوجّه 21 مليون ناخب مُسجَّل إلى صناديق الاقتراع، للمرة السابعة منذ عام 2003، لانتخاب برلمان جديد يضم 329 مقعدًا، من بين 37 تحالفًا و38 حزبًا، ونحو 80 مرشحًا مستقلًّا.
فرصة للتغيير، ولكن!
وذكرت الدراسة، أن الأجواء تشير إلى وجود فرصة ما للتغيير، حيث تبدو طاقة الناخبين متجددة، والتوقعات بارتفاع نسبة المشاركة حقيقية، مع وجود طموح بأن توفّر الحكومة القادمة الاستقرار السياسي اللازم لصنع سياسات متماسكة، إذا ما حظيت بتفويض شعبي قوي. وهو طموح يعكس رغبة شعبية في عراق فاعل، قادر على أن يكون جسرًا بين القوى المتنافسة، في ظل شرق أوسط مستقطَب، مستفيدًا من مكانته كمنتِج رئيسي للطاقة ودولة محورية جيوسياسيًا.
واستدرك الكاتبان قائلين إنه، ورغم كلّ هذا التفاؤل، فمن غير المُرجّح أن تؤدي الانتخابات إلى تغيير جذري في النظام السياسي القائم منذ اثنين وعشرين عامًا، لكنها قد تغيّر موازين القوى الداخلية وتعيد تشكيل النخب التي تُمسك بمقاليد الحكم، في ظل نظام المحاصصة، الذي يوزّع السلطة بين الجماعات العرقية والطائفية، والذي أصبح سقالةً للفساد والتواطؤ وشبكات المحسوبية، بدلًا من أن يكون ضمانًا للتعددية.
براغماتية واعتدال
واعتبرت الدراسة، أن التحالف الذي يقوده رئيس الحكومة الحالية، في ظل انسحاب التيار الصدري وائتلاف النصر، يُمثّل فرصة لهيمنة قوة براغماتية معتدلة، قادرة على الموازنة بين المصالح المتضاربة، وخاصة بين طهران وواشنطن، في مشهد سياسي متشرذم بشدة، بين محافظين متحالفين مع إيران، وقوى ذات توجهات وطنية وقومية حادّة. وخلص الكاتبان إلى صعوبة التكهّن بما سيحدث في غياب نتيجة انتخابية حاسمة، تتيح لهذه القوة الوقت والمساحة الكافيين للتصرف والتحالف مع أحزاب وأفراد ذوي توجهات مماثلة.
وعلى الرغم من وجود توقعات قوية بأن تستفيد هذه القوة من إنجازات شعبوية في مشاريع الطاقة والجسور والطرق، وتوقّعات أخرى بألا يحقق خصومها نتائج كبيرة، خاصة في صفوف الناخبين الشباب، فإن شعبية الحكومة لم تطغَ على ما تعيشه البلاد في ظلّها، من آثار شبكات المحسوبية والطائفية، وهيمنة الفصائل السياسية ذات الأجنحة شبه العسكرية.
تغييرات سياسية محتملة
وشدّدت الدراسة على أن اتساع الفجوة بين عامة السكان من جهة، والطبقة السياسية وأتباعها من جهة أخرى، وتفاقم هشاشة الاقتصاد جراء سوء الإدارة المالية والفساد، فضلًا عن جملة الأزمات البيئية الملحّة، بما في ذلك الجفاف الشديد ونقص المياه وتدهور القطاع الزراعي، تُعَدُّ من المخاطر الجديّة التي تُهدد الاستقرار على المدى الطويل، بغضّ النظر عمّا قد تُسفر عنه الانتخابات من نتائج.
غير أنه، وبعيدًا عن الحسابات البرلمانية، فمن المرجّح أن تُسهم الانتخابات في تشكيل التحالفات التي تُحدّد السياسة الداخلية للعراق وتوجهاته الخارجية، وبالتالي تُؤثر في دوره في شرق أوسط يُعاد تشكيله.
آليات السلطة
وتحدثت الدراسة عن أن الساحة السياسية تعاني من نظام هجين، يجمع بين البيروقراطية والمحسوبية والإكراه؛ نظام غير ديمقراطي تمامًا، وغير استبدادي بالكامل، يقوم على بنية مجزأة تطمس الخط الفاصل بين الدولة والحزب والفصائل المسلحة. ومن خلال هذه البنية، تُمارس النخب السياسية من مختلف التوجهات العرقية والطائفية هيمنتها، ليس فقط عبر التنظيمات الأيديولوجية، بل أيضًا من خلال السيطرة على المؤسسات وتحويلها إلى إقطاعيات حزبية أكثر منها إدارات وطنية.
وأضافت الدراسة أن النفوذ الاقتصادي هو ما يعزّز هذا النظام، إذ تحتكر الجهات السياسية عقود الدولة، وتُهيمن على التوظيف في القطاع العام، وتستخدم هذه الرافعات لمكافأة الولاء وتأديب المعارضة، وتُوظّيف المشهد الإعلامي لترسيخ شرعيتها وتشويه سمعة منافسيها.
مشاركة أم عزوف؟
وتوقّع الكاتبان أن يكون هناك إقبال جيد على التصويت، لأن العديد من العراقيين لم يعودوا راغبين في تكرار أخطاء المشاركة المنخفضة التي شهدتها الانتخابات السابقة، خاصة أن إرث حركة احتجاجات تشرين، بما صاحبه من إحباطات وقيود، قد رسّخ إدراكًا متزايدًا بأن صناديق الاقتراع وحدها قادرة على ترجمة الغضب الشعبي إلى تغيير هيكلي.
وأكدت الدراسة أن النتائج قد تؤدي إلى تغيير وسطي، غير ثوري، للوضع القائم، وهو - على أية حال - سيكون نقطة تحوّل في نظامٍ يعاني منذ زمن طويل من الشلل. بل وقد يشكل فرصة للعراقيين المتطلعين إلى حوكمة أفضل منذ سنوات، خاصة إذا ما رافق ذلك دعم شعبي وإقليمي ودولي يُحبط مقاومة قوى الجمود والمناوئين للإصلاح.