اخر الاخبار

خصصت منظمة الأمم المتحدة، الثالث من كانون الأول في كل عام يوما عالميا لذوي الاحتياجات الخاصة. وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية فإن أكثر من مليار شخص من سكان العالم يعانون بشكل أو بآخر من أشكال الإعاقة؛ حيث يعيش 80 في المائة منهم في البلدان النامية.

من هم ذوو الاحتياجات الخاصة

ويعبر مصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة عن فئة من المجتمع، يختلفون اختلافا ملحوظا عن الأفراد العاديين، وقد تكون الاختلافات جسديّة أو عقليّة أو طبيّة أو فكريّة أو حسيّة أو إعاقة أو خلل في النمو، اما بشكل دائم او متكرر مثل الصرع، مما تشكل تلك الاعاقة صعوبة في الحركة أو المعرفة أو في الإدراك والتعبير عن المشاعر والأحاسيس، ويُمكن أن تعيق النطق، الامر الذي يحد من قدرتهم على ممارسة النشاطات الأساسية والشخصية والاجتماعية، وإشباع حاجاتهم، وإكمال تعليمهم بالطرق الطبيعة. ومن هنا فان احتياجاتهم تختلف عن احتياجات باقي أفراد المجتمع. وعليه فهم يحتاجون إلى معاملةٍ خاصةٍ تتناسب مع قدراتهم وامكانياتهم.

ويمكن تصنيف فئات الاعاقة الى ما يلي:

الإعاقات السمعية أو البصرية، واعاقات تأخر النمو العقلي الذي قد يسبب بطء التعلّم، والاضطرابات السلوكية، والإعاقات النفسيّة، والاضطرابات اللغويّة والإعاقة العقلية، والحركية، والصحية والإعاقات الحسية المزدوجة والإعاقات المتعددة، فيما لاتزال التوحد مشكلة غير معروفة الأسباب نسبيًا.

يـمثل (المعوقون) ذوو الاحتياجات الخاصة 10 في المائة من سكان العالم، وترتفع النسبة في العالم العربي إلى 12 في المائة، بناء على الإحصاءات الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.

ارتفاع نسب المعاقين بسبب الحروب

وقد افادت عضو اللجنة المالية النيابية السابقة، ماجدة التميمي، بأن نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة من مجموع سكان العراق “يشكلون 13 في المائة”.

ولفتت إلى أن “التقرير الخاص بالأمم المتحدة حدد نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة في الدول النامية بـ 10 في المائة من مجموع السكان، في حين ترتفع النسبة الى 13 في المائة في البلدان التي خاضت الحروب وواجهت الارهاب، وهذا يعني ان عدد المعاقين في العراق هو 5,2 مليون معاق”.

واشارت التميمي الى “ضرورة ايلاء الاهتمام بشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعانون معاناة كبيرة هم وعوائلهم بسبب عدم توفر البيئة المناسبة لهم للعيش المريح وبكرامة”.

وأضافت أن “الراتب المخصص لهم قليل، ولا يغطي ابسط احتياجات الانسان الطبيعي، الذي لا يعاني من اي مشاكل جسدية وصحية، فكيف اذا كان من ذوي الاحتياجات الخاصة”.

من جانبه، أكد مدير الإعلام في وزارة العمل، نجم العقابي، وجود نحو أربعة ملايين معاق في العراق، بحسب الإحصائية الأخيرة للوزارة.

وأضاف العقابي أن “شريحة المعاقين في المجتمع العراقي تمثل فئة كبيرة وهشّة، وتحتاج إلى رعاية ودعم دائمين من قبل الحكومة”، مشيرا إلى أن وزارته “تعمل من أجل الارتقاء بالواقع الخدمي للأشخاص من ذوي الإعاقة في مجالات الحياة كافة”.

سياسات حكومية خاطئة

فيما عزا الدكتور باسم شريف الحجيمي، وهو عضو لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب السابق، اسباب ارتفاع معدلات الإعاقة في العراق الى السياسات الحكومية الخاطئة، والحروب المتكررة وضعف مكافحة الإرهاب وغياب الأنظمة المرورية والرعاية الصحية.

وأضاف النائب السابق، ان “أكثر أسباب العوق هو نتيجة سياسات حكومية خاطئة او مهملة من قبيل الحروب او ضعف مكافحة الارهاب وتوفير الأمن أو بسبب خلل في الرعاية الصحية الأولية وغياب الرقابة الصحية الحقيقية، وغياب أنظمة المرور الحديثة الآمنة،  لذا على الحكومة ان تتحمل مسؤولياتها في تعويض هؤلاء الأشخاص”.

وتؤكد منظمة تجمع المعوقين العراقيين، ان عدد المعاقين في العراق يتراوح بين أربعة وخمسة ملايين أي ما يقارب عشرة بالمائة من السكان.

وتبدي المنظمة استغرابها من إحصائيات وزارة التخطيط، التي تشير الى وجود أكثر من مليون وثلاثمائة معاق.

وبيّنت المنظمة غير الحكومية في العراق “ارتفاع عدد المعاقين في العراق بواقع ثلاثة آلاف شخص أصيبوا بإعاقات دائمة جراء عمليات قمع الاحتجاجات، التي انطلقت في بغداد وعدد من المدن في الفرات الأوسط وجنوب العراق، في ثورة تشرين الأول 2019”.

وفي السياق ذاته، اوضح احد اعضاء الجمعية لم يذكر اسمه، أن من “واجب الحكومة العمل على تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة والاهتمام بهم”، مؤكدا أن “العناصر الإرهابية في العراق استغلت بعض ذوي الإعاقة في العمليات الإجرامية عن طريق تفخيخهم بأحزمة ناسفة وتفجيرهم في الأماكن العامة”.

ووصف المتحدث ذوي الاحتياجات الخاصة بالـ”منسيين”، وانهم “بدون رعاية واهتمام خاص الا في وقت الانتخابات، حيث يتم تذكرهم بتسهيلات غير كافية، تقتصر على ممرات في قاعات الانتخابات لا غير”.

للصم والبكم معاناتهم

وينقل أحد المعاقين عن معاناة الصم والبكم في العراق؛ اذ يقول ان “المشاكل كثيرة، وحالهم كحال أقرانهم من ذوي الإعاقة، حيث انعدام فرص العمل والمراكز الصحية التي تختص بحالاتهم”، مضيفا “لا يوجد مترجمو إشارة، ولا دلالات صورية توضيحية في الدوائر والمؤسسات الحكومية، وهناك غياب كامل لثقافة لغة الإشارة في مجتمعنا. نحن نعيش في عزلة. صحيح أننا مختلفون عن محيطنا، ولكننا لسنا ناقصين”.

وتشير شيماء الأعظمي من ذوي الاحتياجات الخاصة الى أن “الوزارات المختصة في الحكومة العراقية لا تضع بعين الاعتبار المشاكل التي نعاني منها، وتتجاهل وجود الملايين من ذوي الاحتياجات الخاصة”، متابعة قولها “نشعر بالإهمال وعدم مراعاة الخصوصية، فمثلا لا توجد مقاعد خاصة في الباصات لذوي الإعاقة، وليس هناك سلالم خاصة عند مراجعة الدوائر الرسمية او مقاعد للانتظار لساعات طويلة”.

وتضيف الأعظمي أن “الظروف التي يعيشها العراقيون بصورة عامة سيئة جدا، لذلك فإن معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة تكون مضاعفة وأكبر”.

ام احمد، والدة أحد المكفوفين تقول: “لا توجد مدارس حكومية خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، وان التعليم يقتصر على المرحلة الابتدائية فقط. اما المعاهد الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة فهي مكلفة جدا ولا يمكننا تحمل تكاليفها”، مطالبة “وزارة التربية بتوفير المعاهد والمدارس المجانية الخاصة بالمعاقين”.

 وبينت عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان بروين محمد، أن “البنية التحتية في العراق تفتقر إلى وجود أبسط المرافق التي تسهل للأشخاص ذوي الإعاقة ممارسة حياتهم العامة”، مشيرة إلى أن “هذا الأمر يشمل كل الأماكن الحكومية من دوائر الدولة والمدارس والجامعات ودور العبادة والمراكز الترفيهية والرياضية، فضلا عن أن وسائل النقل العام والشوارع لا تتوافق مع أوضاع هؤلاء”.

وأضافت محمد أن “الأمانة العامة لمجلس الوزراء أكدت في أكثر من مرة على توفير الوسائل التي تساعد ذوي الإعاقة سواء في دوائر الدولة ووزارتها أم في الأماكن العامة، إلا أن التوجيهات تبقى على الورق فقط”.

اليونيسيف والأطفال المعاقون

وفي بيان سابق لها، كشفت اليونيسيف عن إصابة 41 طفلا عراقيا بتشوهات، إثر تعرضهم لانفجارات من مخلفات حربية خلال الأشهر الماضية من العام الحالي.

وقالت ممثلة اليونيسيف في العراق شيما سن جوبتا، في بيان نشر على موقع المنظمة: “بين (كانون الثاني) و(آب) الماضيين، سجلت الأمم المتحدة خسائر في أرواح 35 طفلًا من المتفجرات من مخلفات الحرب في أرجاء البلاد، وتشوه 41 آخرين”.

وأشار البيان إلى “زيادة مقلقة في عدد الضحايا من الأطفال مقارنة بعام 2020، إذ تحققت الأمم المتحدة من مقتل ستة أطفال وتشوه 12 طفلًا في الفترة ذاتها، جراء المتفجرات من مخلفات الحرب والألغام الأرضية”.

وفي حديثها للصحفيين في جنيف، تقول أغنيس ماراكايلو مديرة دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، إن “العمل في مجال الألغام يتعلق بالمعاناة، وبالناس الذين يستيقظون في الليل مع الكوابيس. يتعلق الأمر بالأطفال الذين يتعرض مستقبلهم للخطر بسبب الإعاقات المتعلقة بالصحة العقلية أو الجسدية”.

وتكشف الأمم المتحدة في أحد تقاريرها الخاصة بالأطفال والشباب المعاقين عن ان “هناك عددا كبيرا من الأطفال والشباب العراقيين الذين عوقوا بسبب قربهم من ساحات النزاعات والحرب؛ فمنهم من قطع ذراعه، ومنهم من بتر ساقه، ومنهم من فقد سمعه أو بصره، ومنهم من أصيب بحساسية جراء تلوث البيئة والماء، مضافا إلى وجود العشرات من الأطفال والشباب المشوهين خلقيا بسبب أشعة الأسلحة والذخيرة المستخدمة في الحروب، ناهيك عن المخاطر الجسيمة التي من المتوقع أن تسببها الآلاف من الألغام تحت الأرض في مناطق مختلفة من العراق”.

كما أكّد البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة، أن الألغام تصيب الشباب والأطفال بخاصة.

وتسبب الألغام أضراراً صحية ونفسية واجتماعية لقرابة مليوني عراقي، إضافة إلى تهديدها جديّاً عملية التطوّر اقتصادياً واجتماعياً وصناعياً وزراعياً.

ويعد الأطفال أكثر عرضة للإصابة أو الموت جراء الجروح الناجمة عن الذخائر غير المتفجرة من الكبار حيث ينجذب الأطفال إلى المنظر الخارجي المتميز وذي الألوان البراقة لهذه الأجسام القاتلة.

قرية البتران

ونشرت اللجنة الدولية للصليب الاحمر في العراق على موقعها الالكتروني عن نشاطها في العراق ما بين 1995 و2020، قيامها بتجهيز أشخاص من ذوي الاحتياجات البدنية 226,000 مسند و 68,000 طـرف صناعي.

اما مركز إعادة التأهيل البدني التابع لمنظمة الصليب الأحمر في كردستان العراق، فقد اشار الى ان “النتيجة الإجمالية التي توصل إليها المركز، توضح أن عدد مبتوري الأطراف بسبب الألغام في العراق يتراوح بين 80 و100 ألف شخص”.

وفي ذات الصدد، لم يفلح مركز الأطراف الصناعية في البصرة، الذي أنشئ عام 1995 بمساعدة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في توفير ما يحتاجه المصابون من قرية جرف الملح، إذ لا تخصص الحكومة العراقية أيّ ميزانية مالية لاستيراد أو تصنيع هذه الأطراف، بحسب المسؤول في دائرة صحة البصرة فالح الخيكاني.

وسميت بقرية البتران لكثرة من تعرضوا للبتر من أبنائها، بسبب المتفجرات والالغام ففي كلّ بيت في تلك الرقعة الجغرافية التابعة لمحافظة البصرة، فيه فرد أو أكثر لديه بتر في الساق أو اليد. وبحسب الإحصاءات الرسمية الأخيرة، فإنّ أكثر من ألف شخص ما زالوا على قيد الحياة من القرية لديهم بتر، وقبلهم مات خمسة آلاف في الحالة نفسها أيضاً.

وفي الوقت الذي تشهد فيه القرية أوضاعاً اقتصادية سيئة، يستمر أهلها بالمطالبة بتوفير الخدمات الأساسية، بدءا بالمياه الصالحة للشرب، ووصولاً إلى الأطراف الصناعية، بالرغم من أنّها تتبع أغنى محافظات البلاد.

ويقول علي أيسر (36 عاماً)، وهو من سكان القرية وقد بُترت ساقه قبل خمسة أعوام نتيجة لانفجار لغم إن “الحكومة لا تطلق سوى وعود، وهي وعود لا تصل إلى التنفيذ غالباً؛ إذ لم تستطع توفير الأطراف الصناعية للمبتورين منذ سنوات، وهي غير متوفرة في المستشفيات العامة، في ذات الوقت تكون باهظة الثمن، إذا ما أردنا استيرادها من الخارج”.

قانون ذوي الاحتياجات الخاصة 

ونص الدستور العراقي النافذ للعام 2005 على حقوق المعاقين، حيث نصت المادة (32 ) من الدستور العراقي على: (ترعى الدولة المعاقين و ذوي الاحتياجات الخاصة وتكفل تأهيلهم بغية دمجهم في المجتمع وينظم ذلك بقانون).

وعرف قانون رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة الذي أقره البرلمان العراقي عام 2013، بأنه أي تقييد أو انعدام قدرة الشخص بسبب عجز أو خلل بصورة مباشرة على أداء التفاعلات مع محيطه في حدود المدى الذي يعد فيه الانسان طبيعياً، وكل من فقد القدرة كلياً أو جزئياً على المشاركة في حياة المجتمع أسوة بالآخرين، نتيجة لإصابته بعاهة بدنية أو ذهنية أو حسية، أدى الى قصور في أدائه الوظيفي.

وإنّ التأهيل هو عملية منسقة لتوظيف الخدمات الطبية والاجتماعية والنفسية والتربوية والمهنية لمساعدة ذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة في تحقيق أقصى درجة ممكنة من الفعالية الوظيفية لتمكينهم من التوافق مع متطلبات بيئتهم الطبيعية والاجتماعية وتنمية قدراتهم للاعتماد على أنفسهم، وجعلهم أعضاء منتجين في المجتمع ما أمكن ذلك.

ومع كل هذا فان القانون بقي حبرا على ورق، ولم تخطُ الحكومة اية خطوة عملية لتنفيذ القانون وتأسيس الهيئة الوطنية لرعاية المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة “.

يجدر أن العراق صادق وانضم في عام 2012 الى الاتفاقية الدولية لحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة CRPD، وأصبح ملزما بها وبتأسيس هيئة وطنية مستقلة رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة وشرع مجلس النواب ، خاصة وان قانون رعاية ذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة رقم 38 لسنة 2013، تم إقراره ودخل حيز التنفيذ.

وطبقا للمواثيق الدولية فيما يخص المعاقين فان المادة الثالثة من اتفاقية حقوق المعاقين التي أقرتها الأمم المتحدة في 2006، نصت على احترام كرامة الأشخاص المتأصلة واستقلالهم الذاتي بما في ذلك حرية تقرير خياراتهم بأنفسهم واستقلاليتهم، وحمايتهم من التمييز، وكفالة مشاركة وإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع، واحترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية، وضمان تكافؤ الفرص، وإمكانية الوصول، واحترام القدرات المتطورة للأطفال ذوي الإعاقة واحترام حقهم في الحفاظ على هويتهم.

واعتبرت منظمة الصحة العالمية اتفاقية رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة بأنها مهمة لأنها إحدى معاهدات حقوق الإنسان التي صمّمها ممثّلو الأسرة الدولية، بمن فيهم المعوقون والمسؤولون الحكوميون وممثّلو المنظمات غير الحكومية وغيرهم، بغرض تغيير الطريقة التي ينظر إليها الناس إلى المعوقين والطريقة التي يعاملونهم بها في مجتمعاتهم.

ويوم أمس، نظم العشرات من اصحاب الهمم في محافظتي بغداد والنجف وقفات احتجاجية، للمطالبة بتوفير حياة كريمة لهم، مطالبين الجهات الحكومية بالالتفات الى مطالبهم المشروعة.