لم يستقر النقاش والجدل حول مستقبل بيئة الاستثمار فيه؛ فهناك مَن يرى أن التحسن الأمني والإصلاحات الحكومية الأخيرة فتحت نافذة جديدة للنهوض الاقتصادي، وآخر يحذر من أن الواقع ما زال مكبلاً بالفساد والبيروقراطية وهيمنة السلاح المنفلت.
وفي هذا الصدد تتحدث الحكومة ومستشاروها عن مرحلة "ذهبية" لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية وخلق فرص عمل، بينما يؤكد خبراء واقتصاديون أن هذه الصورة المتفائلة لا تعكس حقيقة ما يجري على الأرض، حيث ما تزال البنية الاقتصادية مشوهة، والقطاع الخاص مقيداً، والبيئة الاستثمارية معرضة لضغوط سياسية وأمنية.
قطاع الطاقة بيئة جاذبة
ويعتبر المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، أن الأمن يشكل الركيزة الأساسية لنجاح الاقتصاد، مؤكداً أن الحديث عن بيئة استثمارية جاذبة لا يمكن أن يتم دون استقرار أمني وسياسي حقيقي.
وقال صالح لـ "طريق الشعب"، أن العراق يمتلك ثروات طبيعية وموقعاً استراتيجياً، ومع التحسن الأمني الكبير الذي تحقق في السنوات الأخيرة، أصبح يوفر بيئة أعمال مستقرة تتيح للمستثمرين التخطيط على المدى الطويل وتقليل المخاطر المرتبطة بتعطل المشاريع أو فقدان الأصول.
وأضاف أن تصفير معدل العمليات الإرهابية ساهم في تعزيز ثقة المؤسسات المالية الدولية، ما شجع الشركات الأجنبية الكبرى على العودة إلى البلاد، خاصة في قطاع الطاقة والبنية التحتية، إلى جانب إطلاق مشاريع استثمارية متنوعة في مختلف المحافظات، وهو ما يعكس تحسناً ملموساً في التنسيق بين الجهات الأمنية والحكومات المحلية.
وأشار صالح إلى أن الاستثمار في الأمن يمثل استثماراً مباشراً في مستقبل العراق، مؤكداً أن الحكومة الحالية تعتمد هذا النهج ضمن برامجها الاقتصادية، منوهاً إلى أهمية تحديث الأجهزة الأمنية وتعزيز دور الهيئات الرقابية المستقلة على المشاريع الاستثمارية لضمان الشفافية والكفاءة.
كما شدد على ضرورة تفعيل المناطق الاقتصادية الخاصة وتحسين بيئة الأعمال من خلال تبسيط الإجراءات وتقليل البيروقراطية عبر استخدام الحوكمة الرقمية، إلى جانب تعزيز التعاون الدولي لتوفير ضمانات أمنية إضافية تساهم في طمأنة المستثمرين الأجانب وتعزيز وجودهم في السوق العراقية.
واختتم صالح بالإشارة إلى أن الربط بين الاستقرار الأمني والاقتصادي يشكل عنصراً حيوياً لتعزيز ثقة المستثمرين وتحقيق تنمية مستدامة، معتبراً أن العراق اليوم يمر بمرحلة ذهبية لاستقطاب الاستثمارات وخلق فرص اقتصادية حقيقية للمواطنين.
تحسين مناخ الأعمال
من جهته، قال الباحث في الشأن الاقتصادي عبد الله نجم، إن العراق يشهد تحسناً ملموساً في بيئة الاستثمار، مدعوماً بالاستقرار الأمني والإصلاحات الحكومية الأخيرة، ما أسهم في جذب استثمارات محلية وأجنبية كبيرة خلال الفترة الماضية.
وأضاف نجم، أن الحكومة وفرت ضمانات مالية وتشريعية تغطي نسبة كبيرة من قيمة المشاريع، ما عزز ثقة المستثمرين وأتاح بيئة أكثر استقراراً للأعمال، مشيرا إلى أن فتح أبواب الاستثمار في قطاعات استراتيجية مثل المعادن، والإسمنت، والزراعة، والصناعة، يمثل ركيزة أساسية لتعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، إلى جانب تطوير البنية التحتية وقطاع النقل والخدمات اللوجستية، بما يسهم في تحويل العراق إلى مركز اقتصادي إقليمي جاذب للتجارة والاستثمار.
وأوضح نجم، أن استقرار سعر صرف الدينار وانخفاض التضخم وسلاسة السياسات النقدية، كلها عوامل ساعدت على خلق بيئة استثمارية أكثر وضوحاً وشفافية، مؤكداً أن الأمن وحده لا يكفي لضمان استدامة النمو، إذ يتطلب استمرار الإصلاحات الهيكلية، وتحسين مناخ الأعمال وإزالة المعوقات الإدارية والتشريعية.
وخلص نجم الى أن العراق يشهد حالياً فرصاً استثمارية مجزية، وأن الاستثمار المبكر في القطاعات الاستراتيجية سيتيح للمستثمرين الاستفادة من التحولات الاقتصادية الإيجابية وتحقيق عوائد مرتفعة، معتبراً أن الفترة الحالية تمثل فرصة حقيقية لتعزيز الانتعاش الاقتصادي وخلق فرص عمل مستدامة في البلاد.
بيئة يحتكرها النفط وغسل الأموال!
أما الخبير في الشأن الاقتصادي همام الشماع، فقد رأى أن "البيئة الحالية غير جاذبة للاستثمار بالشكل المطلوب"، مشيرا إلى وجود سرقة ونهب وفرض إتاوات وتسلط جهات تمتلك السلاح على المواطنين، دون أن تبذل الحكومة جهودا فعالة لإصلاح هذه البيئة".
وعدّ ان الاستثمار الوحيد الفعال هو القطاع النفطي.
وقال الشماع لـ "طريق الشعب"، ان هناك "استثمارات غير شرعية تُحوّل الأموال القذرة إلى مشاريع مثل المولات والمطاعم، والتي تكلف مليارات"، مضيفًا أن "بعض المناطق أصبحت بمثابة مراكز لغسيل الأموال".
وأضاف أن "بعض التصريحات التي تمدح الوضع الاستثماري لا تعكس الواقع، انما تميل إلى التجميل، بينما الحقيقة على الأرض مختلفة، لذلك من المهم الاطلاع على الرؤية الواقعية والموضوعية.
وأوضح الشماع أن الإصلاحات المطلوبة تبدأ بالإصلاح السياسي، مشددا على أن النظام الحالي يسمح لكل مسؤول متنفذ بالتحكم بخطط وزارته، بينما تبقى القضايا الجوهرية تحت سيطرة المنظومة السياسية، ما يجعل القضاء على الفساد شبه مستحيل.
وتابع أن الإصلاح المالي يأتي في المرتبة الثانية، يليه الإصلاح الاجتماعي، مع ضرورة معالجة قضية المليشيات المسلحة لضمان بيئة أكثر أمانًا وجاذبية للاستثمار.