اخر الاخبار

رغم الأعباء المالية المتزايدة التي يتحملها المواطن، نتيجة ارتفاع الضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة المفروضة على مختلف الخدمات والمعاملات الرسمية، لا تزال البنى التحتية لمختلف القطاعات الخدمية في وضع مترد، والخدمات الحكومية الاساسية شبه غائبة.

ضرائب بلا خدمات حقيقية

يقول عضو اللجنة القانونية النيابية، عبد الكريم عبطان، أن "من غير المنطقي أن تستمر الدولة بفرض رسوم دون توفير الحد الأدنى من البنى التحتية أو الخدمات الأساسية"، مؤكداً أن "الضرائب كلها يتوجب أن تفرض وفق مستند قانوني".

وأضاف أن "الإطار القانوني لفرض الضرائب والرسوم موجود ضمن القوانين النافذة، لكن الإشكالية تكمن في سوء تطبيق هذه القوانين، أو في عدم توجيه هذه الإيرادات بالشكل الصحيح الذي يضمن عودة النفع للمواطن".

وأشار إلى أن "المواطن يدفع مبالغ مالية لقاء خدمات – كمولدات الكهرباء مثلاً – لكنها لا تعمل بالكفاءة المطلوبة، ما يزيد من معاناته ويثير تساؤلات حول جدوى هذه المدفوعات"، مؤكدا أن "الضرائب يجب أن تقابل بخدمة فعلية، كالماء، والكهرباء، والنظافة، والتأمين الصحي والتعليم، وغيرها من الخدمات الأساسية".

وأوضح أن "بعض الدول تستثمر أموال الضرائب في خلق فرص عمل، وتحقيق تنمية اقتصادية، وتحسين البنية التحتية، بينما نجد في العراق ضعفا في هذا الجانب، الأمر الذي يُكرس فقدان الثقة بين المواطن والدولة".

وختم عبطان بالقول "نحن مع دعم استمرارية مؤسسات الدولة، ولكن من الضروري وضع نظام محاسبي شفاف يحكم جباية وإنفاق الأموال العامة خاصة مع وجود تهرب وظيفي، وإيجاد رقابة حقيقية تضمن وصول العائدات إلى مكانها الصحيح، بما يخدم المواطن ويعزز من سيادة القانون".

النظام الضريبي يغذي التهرب!

ويؤكد الباحث الاقتصادي أحمد عيد، أن جباية الضرائب في العراق تعاني من ضعف هيكلي، يعود أساسا إلى الفساد الإداري والتعقيد البيروقراطي، ما يؤدي إلى عرقلة تحصيل الإيرادات ويحد من فاعلية النظام الضريبي.

وأضاف عيد في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "غياب الثقة بين المواطن والدولة يُفاقم من ظاهرة التهرب الضريبي، فحين لا يلمس المواطن أثرا ملموسا للضرائب في تحسين الخدمات، يتراجع التزامه الطوعي بسدادها".

ورأى عيد أن النظام الضريبي الحالي لا يعكس العدالة الاجتماعية، إذ تستغل الشركات الكبرى والأفراد النافذون الثغرات القانونية للتهرب من الضرائب، بينما يقع العبء الأكبر على الطبقات الفقيرة التي لا تتلقى مقابلاً عادلاً، مشيرا الى أن “المواطن لا يشعر بجدوى دفع الضرائب، خاصة في ظل تدني مستوى الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والصرف الصحي، فضلا عن غياب الشفافية في الإنفاق العام".

وشدد على أن الإصلاح يبدأ بتحديث النظام الرقمي للجباية، ما يساهم في محاربة الفساد وتحسين الكفاءة، إلى جانب ربط الإيرادات بتحسين الخدمات الحيوية، ونشر الميزانيات بشكل دوري وتفعيل آليات المحاسبة، بما يعيد بناء الثقة ويعزز الالتزام الضريبي لدى المواطنين.

المواطن يشعر بالظلم

من جهته، حذر الباحث الاقتصادي عبد الله محمد من اتساع الفجوة بين ما تجبيه الدولة من ضرائب ورسوم سنوياً، وبين ما تقدمه من خدمات عامة، معتبراً أن هذا التناقض ساهم بشكل مباشر في تآكل ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة، وأدى إلى عزوف الكثيرين عن دفع فواتير الكهرباء والماء.

وقال محمد لـ"طريق الشعب"، إن "الحكومة تستوفي تريليونات الدنانير من الضرائب والرسوم سنوياً، لكنها لا تقدم خدمات تتناسب مع هذه المبالغ، لا في قطاع الكهرباء، ولا الصحة، ولا البنية التحتية"، مضيفاً أن "هذا الواقع يدفع المواطن للشعور بالظلم والتهميش، ويُضعف من ثقته بالمنظومة المالية للدولة".

وأضاف أن "الضرائب والرسوم تُحول إلى خزينة الدولة وفق خطط مالية محددة، لكن توزيعها لا يجري بشكل مدروس أو عادل، ولا يُراعي الفروقات والاحتياجات الفعلية للمدن والمناطق العراقية"، مشيراً إلى أن "العديد من الشوارع الرئيسية لا تزال تعاني من الحفر، رغم استيفاء رسوم سنوية من أصحاب المركبات تحت عنوان صيانة الطرق".

وانتقد محمد الزيادات الأخيرة في الضرائب والرسوم الجمركية على المواد المستوردة، واصفاً إياها بـ"غير المدروسة"، وقال: إن "ما حصل مؤخراً من رفع للضرائب تم دون سابق إنذار، مما أضر بالتجار وأربك السوق المحلي، في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية".

وأشار إلى أن ضعف السيطرة على بعض المنافذ الحدودية ساهم في زيادة عمليات التهريب، خاصة مع ارتفاع التعرفة الجمركية، ما أدى إلى خلق سوق مزدوجة تُضر بالاقتصاد الرسمي وتُضعف المنافسة العادلة.

وفيما يتعلق بالإصلاح، دعا محمد إلى ربط الضرائب بتحسين الخدمات، مؤكداً أن "أي نظام ضريبي عادل يجب أن يشعر المواطن بثماره مباشرة، سواء في شكل طرق أفضل أو مستشفيات وكهرباء مستقرة".

كما طالب بتعديل قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982، واصفاً إياه بأنه "قديم، وغير متناسب مع واقع، ولا يحقق العدالة الاجتماعية".

 

وشدد على أهمية اعتماد نظام ضريبي تصاعدي يراعي ذوي الدخل المحدود، ويركز على النشاطات التجارية والمالية الكبرى، بدلاً من الضغط على الطبقات المتوسطة والفقيرة، مشيراً إلى أن "الضرائب يجب أن تُستخدم أداة لتحقيق العدالة، لا وسيلة لتكديس العبء على الفئات الأضعف".

واختتم حديثه بالتأكيد على ضرورة تعزيز الشفافية عبر نشر بيانات مالية دورية تُبين حجم الإيرادات الضريبية وسبل إنفاقها، إلى جانب تحفيز الإنتاج المحلي قبل فرض ضرائب جديدة على المستوردات، لتفادي ارتفاع الأسعار دون وجود بدائل وطنية.

إيرادات الضرائب بحاجة لتوزيع عادل

وكان عضو اللجنة العليا للإصلاح الضريبي، خالد الجابري، قد ذكر في حديث سابق ان "الرسوم، هي من صلاحيات الوزارات. أما الضرائب فتُفرض بقانون وليس تعليمات وزارية"، مشيراً الى "المادة 28 من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 نص على أنه لا تفرض الضرائب والرسوم، ولا تعدل، ولا تجبى، ولا يعفى منها إلا بقانون".

وبين، أن "الرسم يختلف عن الضريبة لأنه عبارة عن مبالغ تدفع للدوائر والمؤسسات مقابل الخدمات التي تقدمها دوائر الدولة للمواطنين"، لافتاً إلى أن "الضرائب تجبى من الدخل المتحقق باستمرار، بينما الرسم يؤخذ مرة واحدة فقط".

واضاف أن "الضرائب تذهب إلى الخزينة العامة، لكن التصرف بها من قبل الجهات المعنية لا يتم وفق دراسة جادة لتوزيع المبالغ بين المحافظات حسب حاجتها"، مبيناً أن "بعض المدن العراقية ما تزال تعاني من انعدام أو ضعف البنى التحتية الأساسية".

إن موارد الدولة من رسوم وضرائب تحتاج إلى المزيد من الشفافية والسيطرة وأن تكون أداة لإعادة توزيع الدخل وإنصاف المهمشين والفقراء وذوي الدخل المحدود. وأصبحت الحاجة ماسة إلى إصلاح النظام الضريبي وجعله تصاعدياً وتطبيق القانون على الجميع وجباية الضرائب بعيداً عن المحاباة والاستثناءات.

عرض مقالات: