اخر الاخبار

على الرغم من الجدل الكبير الذي رافق العملية الانتخابية والمقاطعة الشعبية الواسعة لها، عادت القوى السياسية المتنفذة إلى السباق المحموم من أجل رسم خارطة التحالفات والظفر بتشكيل الحكومة القادمة. 

ويرى مراقبون للشأن السياسي أن السجالات التي تجريها هذه القوى، هي ترجمة واضحة لخيبة أمل المواطنين بها، لأنها تتمسك بالمحاصصة الطائفية، ولا تتضمن حواراتها أي حديث عن أصل الأزمة، ولا عما يريده الملايين من العراقيين الغاضبين وفي مقدمتهم المنتفضون.

لا جديد يذكر

ويجري الحديث حاليا عن إمكانية تشكيل الكتلة الأكبر وتكليف مرشح للإعلان عن الحكومة الجديدة. 

ويؤكد مراقبون، أن السجال الذي يدور قد يتبلور بتشكيل حكومة أغلبية بين قوى سياسية رئيسية أو توافقية، ومن المتوقع ان يغيب أي حوار عن البرنامج الحكومي الذي يلبي تطلعات الجماهير، وهذا يعني العودة التشكيلات السابقة، وستكون مهمة مراقبة الأداء الحكومي صعبة.

ومقابل هذا، يبيّن ناشطون أن الرؤية الوطنية الواضحة بشأن واقع البلد والمخاطر العديدة التي تحيط به “مغيبة تماما”.

ويعلق الباحث في الشأن السياسي، أحمد نعمة، على ما يجري بقوله إن “الحوار السياسي الذي يجري، يستند على نفس الترتيبات السابقة من حيث المحاصصة وتقسيم المناصب والظفر بأكبر عدد ممكن من الامتيازات. يمكن للمتابع البسيط أن يسمع ما تقوله القوى المتنفذة، فهي تتحدث بصريح العبارة عن مصالحها واستحقاقاتها ولكن الفساد وعلاج أزمات البلاد تغيب تماما عنها. ولهذا يعتقد الكثير بأن ما يجري من مفاوضات هي خيبة أمل جديدة لن تأتي بجديد”.

ويبيّن نعمة لـ”طريق الشعب”، إن هناك “رغبة بأن يكون المسار القادم من خلال تشكيل حكومة بالتفاوض، بحيث يأخذ كل طرف حصته من المناصب، وهو الأمر نفسه سواء كانت القضية توافقية أم أغلبية أم الإبقاء على الكاظمي رئيسا للوزراء. أتوقع أن أي برنامج حكومي لن يتحقق لأن الأمور توافقية، وبعيدة كل البعد عن تطلعات المواطنين”.

من جانبه، يقول المتحدث باسم ائتلاف دولة القانون بهاء الدين نوري: إن قوى الإطار التنسيقي “ليس لديهم مشكلة أو خطوط حمراء في التفاهم والحوار مع أي كتلة سياسية في سبيل الذهاب إلى تسمية الكتلة الأكبر وتشكيل الحكومة المقبلة بشكل توافقي”. 

ويدعو النوري مفوضية الانتخابات إلى “النظر لجميع الطعون المقدمة إليها بشكل جيد ودقيق، وان تعمل على تصحيح الأوضاع وفق الأطر القانونية”.

ويقول عضو تحالف الفتح محمد الشبكي، إن “الأطراف السياسية ما زالت تجري مناقشات وحوارات من اجل تشكيل الكتلة الأكبر والذهاب إلى تشكيل حكومة توافقية تشمل جميع المكونات”.

التدخل الخارجي

من جهته، يرى الباحث في الشأن السياسي حسن الحاج، إن دور التأثير الخارجي على تشكيل الحكومة لن يكون واضحا قبل حسم ملف الكتلة الأكبر وحسم الطعون المقدمة من الانتخابات.

ويؤكد أن هناك “مخاوف كبرى لدى الشارع العراقي من هذه التدخلات التي رسختها تجارب السنوات الماضية وتسببت بكوارث فظيعة. وأن من المتوقع أن يعاد سيناريو الحكومة السابق في ظل المعطيات الحالية”. 

وتعمقت المخاوف الشعبية بعدما أعلنت بعض الأطراف المتنفذة عن لسان مقربين لها يظهرون في الإعلام بأن مشاريعهم الانتخابية هي مشاريع سياسية ممتدة إلى عمق إقليمي، ولا ينحصر بالعراق وحده. 

ويتحدث الناشط، مهند البديري، عن قيام بعض القوى السياسية بالكشف عن نواياها التي لا تأبه لمطالب الشارع الاحتجاجي ولا الجمهور الواسع الذي قاطع الانتخابات وأعلن عدم شرعيتها بسبب ما يجري.

ويقول البديري لـ”طريق الشعب”، إن “الخطير بالأمر ما تقوله بعض الجهات المتنفذة، بأنها امتداد لمشاريع دولية أو إقليمية، وتتحدث علنا في الفضائيات وتهدد الدولة بالسلاح دون أي يتخذ أي إجراء بحقها، فضلا عن تصاعد الخطاب الطائفي خلال الأيام الماضية من خلال ضرورة ترميم البيوتات الطائفية السياسية لتصفية عقبات المرحلة القادمة، وكأنها هي الهم الأكبر للمواطنين والممثل الحقيقي لهم. أتوقع أن العراق مقبل على أزمة كبيرة جديدة، ولن يستمر الوضع كما هو عليه، لأن أسباب الغضب والمقاطعة ستتفاقم، والمتنفذون لا يملكون بعد النظر الكافي لقراءة المستقبل القريب”.

ويذهب الى التقدير ذاته الباحث في الشأن الانتخابي يوسف سليمان، الذي يخمّن بأن “السيناريو المتوقع لتشكيل الحكومة هو التوافق، في ظل ما يجري”.

ويشير سليمان إلى أن “التفاهمات الحالية بين القوى السياسية تميل إلى التوافق للخروج بحكومة جديدة، بعد النتائج المخيبة التي فرضتها الانتخابات والمقاطعة. مع العلم بأن الحوارات منشغلة الآن أكثر بقضية الكتلة الأكبر وليس الحكومة، على اعتبار أنها خطوة مبكرة وسابقة لأوانها”.

احتمالات عديدة

وبالعودة إلى نعمة، فإن احتمالات عديدة متوقع حدوثها لتشكيل الكتلة الأكبر والتوجه نحو الحكومة الجديدة.

ويرى أن هناك من يعتقد بأن يجري تشكيل تحالف من قبل الفائزين (الصدر، البارزاني والحلبوسي) ومن ينضوي ضمن مشروعهم. وفي مقابل ذلك هناك تفاهمات تجري بين ائتلاف دولة القانون وبقية القوى معه في الإطار التنسيقي، مع تحالف عزم والاتحاد الوطني ، أو من خلال احتمالية أخرى، وهي تكون بعودة البيوت المكوناتية بشكل صريح وفق التقليد المتعارف عليه. 

ويستنتج نعمة من ذلك بأن هذه “المساعي لا تثمر أي عمل حقيقي للمواطنين لأن أزمة البلد عميقة، وتتطلب نهجا جديدا يطوي الصفحة الماضية في شكل الإدارة والحكم”. ويشير الباحث إلى أنه “في وسط هذه الدوامة لم نشهد أي تقدم على مستوى نوايا الكتل النيابية أو المشاريع الجديدة سوى الكتلة المستقلة التي شكلت مؤخرا وتضم عددا من المتظاهرين الذين وصلوا الى قبة البرلمان، والذين اعلنوا تشكيل كتلتهم التي (تقف بالضد من المحاصصة الطائفية والفساد) بحسب بياناتهم، وهذا طبعا مرهون بتجربة الأيام القادمة. فيما تبقى أيضا هناك أصوات تتقرب من هذا الخطاب لكنها مطالبة بتوحيد الجهود أو الخطوط العامة على أقل تقدير، لتكون بمثابة مشروع جديد يعارض ما يجري”.