اخر الاخبار

شكّل ما تتمتع به بلادنا من ثروات طبيعية وبشرية هائلة، آثارا سلبية على الواقع المعيشي للعراقيين، بسبب سوء إدارة تلك الثروات، وتجيير خيراتها لصالح فئات معينة، وحرمان بقية الشعب منها.

وبحسب الأرقام التي نشرتها وزارة التخطيط، فإن الفقر في العراق تحول إلى مأزق يواجه المستقبل، ولم يعد مشكلة يمكن حلها بسهولة. 

ويؤكد الخبراء والمختصون، أن فساد نظام المحاصصة هو المغذي الأكبر لهذه الآفة المدمرة، فلم يقدم أية حلول رغم الموازنات الانفجارية والثروات الهائلة التي يتمتع فيها البلد.

أرقام مرعبة

وتزامنا مع اليوم العالمي لمكافحة الفقر، تجدر الإشارة إلى أن العراق يسجّل أرقاما غير طبيعية توضح استفحال هذه الظاهرة وتحولها إلى سمة أساسية لشكل النظام السياسي والاقتصادي القائم.

ووفقا لآخر تحديثات أصدرتها التخطيط، فأن العراق أمام ارتفاع سنوي بنسب الفقر، بينما المخاطر تحاصر ملايين المواطنين في بلد يتمتع بثروات بشرية هائلة، وإمكانيات طبيعية متنوعة من اتساع الأراضي الخصبة، وتوفر المياه العذبة، فضلًا عن الثروات المعدنية المتعددة، وبالذات النفط الخام والغاز الطبيعي.

وتضاعف معدل الفقر في العراق خلال عام 2020، حيث بات 40 في المائة من السكان البالغ عددهم 40 مليونا تقريبا، هم فقراء. وفي السنة الحالية، وصل ارتفاع مؤشرات “تحت خط الفقر” في البلد إلى 27 في المائة، أي أن هناك أكثر من 10 ملايين مواطن يعيش تحت خط الفقر.

أما بالنسبة لخارطة الفقر في العراق، فبحسب التخطيط تبدأ من النسبة الأعلى في المحافظات الجنوبية، ومن ثم تتوالى الأرقام المأساوية في بقية المناطق.

وفي مقدمة المحافظات، تقف المثنى بنسبة فقر تبلغ 52 في المائة، تليها الديوانية بنسبة 49 في المائة، ومن ثم ذي قار بنسبة 48 في المائة. وفي الأنبار، فقد بلغ معدل نسبة الفقر 40 في المائة، وكذلك الحال في  صلاح الدين ونينوى. في حين بلغت نسبة المحافظات الأخرى كالتالي: “بغداد 13 في المائة، إقليم كردستان 12.5 في المائة، محافظات الوسط 18 في المائة، وكانت كربلاء والنجف الأكثر تضررا في ظل تداعيات كورونا التي عطّلت السياحة الدينية فيهما”، مع العلم أن منظمات وأرقاما دولية تقدم إحصائيات للفقر في العراق تتخطى ما رصدته وزارة التخطيط والحكومة.

وفي مقابل كل ذلك، يحتل العراق الترتيب التاسع عالميا في الثروات الطبيعية، حيث يحتوي على نحو 11 في المائة من الاحتياطي العالمي للنفط، و9 في المائة من الفوسفات، فضلا عن الموارد الثمينة الأخرى، لكن الفساد والحروب وسوء الإدارة وإهدار الثروات كانت أبرز أسباب هذا الوضع المأساوي، وفق ما يشخصه الخبراء والاقتصاديون.

ما هو الفقر؟

ويعلق الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد خضير، على نسب الفقر في العراق والأرقام التي تصدر بشأنه، مبينا أن الأزمة مركبة ولها أبعاد خطرة ستظل مستمرة نتيجة الدمار الذي حلّ بالعراق.

ويقول خضير لـ”طريق الشعب”، أنه “يمكن القول بأن مفهوم الفقر المبسط يعنى به التدني لمستوى المعيشة للأفراد أو الأسر، أو بعبارة أخرى هو الحرمان المادي الذي تتجلى أهم مظاهره في انخفاض استهلاك الغذاء كمًّا ونوعًا، وتدني المستوى الصحي والتعليمي والوضع السكني، وكذلك الحرمان من امتلاك السلع المعمرة (أو الدائمة) والأصول المادية الأخرى، وفقدان القدرة على مواجهة الحالات الصعبة كالمرض والإعاقة والبطالة والكوارث والأزمات. أي أنه يتجلى في عدم القدرة على تحقيق مستوى معين من المعيشة المادية يُمثِّل الحد الأدنى المعقول والمقبول في مجتمع ما”.

فقر متعدد الابعاد

ويضيف أنه “خلال السنوات الأخيرة ظهر مفهوم (الفقر متعدد الأبعاد) باعتماد ثلاثة مؤشرات أساسية هي: الصحة، التعليم، مستوى المعيشة”.

ويشير الباحث الى انه “لقد حددت معظم بلدان العالم الفقر باعتباره نقصًا في المال (فقر الدخل)، غير أن الفقراء أنفسهم اعتبروا أن تجربتهم في مجال الفقر أكثر اتساعًا. فالشخص الفقير يمكن أن يعاني من مشاكل متعددة في نفس الوقت، ومنها على سبيل المثال، قد يواجه سوء التغذية وتراجع الخدمات الصحية، أو نقص المياه الصالحة للشرب أو الكهرباء، وضعف نوعية العمل أو التعليم. فالتركيز على عامل واحد فقط هو الدخل، ليس كافيا للاعتراف بالواقع الحقيقي للفقر. وهذا بالفعل ما يحدث في العراق حاليا نتيجة الفساد الذي ابتلع مؤسسات الدولة، مقابل تعزيز ريعية الاقتصاد وتهميش بقية القطاعات الانتاجية وتحويل علاقة المواطن بالدولة إلى علاقة زبائنية تقوم على أساس الرواتب مقابل الطاعة أو القبول بالوضع العام”.

ويتحدث الخبير عن توجه الحكومة المنظم منذ عام 2003 إلى تهميش قطاعات أخرى غير النفط، حيث يمتلك العراق إمكانات تنموية جيدة في الزراعة والسياحة، فضلا عن الصناعات التحويلية والمنافذ الحدودية وغيرها، لتحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد، حيث راحت جميع هذه القطاعات ضحية للفساد والمحاصصة”، متابعا “تكمن الأزمة في أمرين، هما النزاهة والإدارة، اللذان لم يصل العراق إلى مستويات مقبولة فيهما. وكانت للعراق ميزانيات توصف بالانفجارية بعد عام 2008 حتى 2014، ولكن الحالة الاقتصادية والسياسية لم تتحسن حينها، وهذا دليل على أن وجود الأموال لا يكفي للقضاء على الفقر وسد حاجة المجتمع ما لم تتوفر الإرادة والتخطيط السليم”.

ظاهرة الفساد الممنهج

وتثبت نتائج التجربة العراقية منذ عام 2003 وإلى الآن، أن المعاناة المستمرة تعود إلى ظاهرة الفساد المالي والإداري في بنية الدولة.

وفي تقرير لمنظمة الشفافية الدولية نشرته في العام 2019، أوضح أن مستوى الفساد في العراق واسع جدا؛ إذ حصل بموجب مؤشر مدركات الفساد الذي يصدر عن المنظمة على درجة 18 من 100 وجاء ترتيبه 166 على المستوى العالمي، مما يعكس مستوى متدنيا من النزاهة، بسبب انتشار ظاهرة الفساد. وما يؤكد استمرار ذات التوجه من قبل القوى المتنفذة في القرار السياسي.

ويرى الخبير الاقتصادي عماد تويج، أن تضخم أرقام الفقر في العراق يعود إلى ما تقوم به جهات سياسية متنفذة “برعت في تحقيق الثراء من خلال الاختلاس والعقود والرشاوى وتشويه القطاع العام وربط القطاع الخاص بمصالحها، فضلا عن عمليات الاحتيال المصرفي وغيرها”. 

ويبيّن تويج لـ”طريق الشعب”، أنه وعلى الرغم من كون غالبية المرتكزات النظرية المعلنة للسياسات الاقتصادية في العراق عكست بصورة عامة توجهات إيجابية وصحيحة، وإن لم تكن مثالية، فإن “مضامينها لم تُعتمَد بصورة نموذجية لتطبيق برامج وخطط اقتصادية للنهوض بالاقتصاد الوطني لمرحلة جديدة، أي أن هناك فوارق كبيرة بين ما تضمنته هذه الأسس، وما جرى تطبيقه على الصعيد العملي. كما أظهرت المعطيات الإحصائية الرسمية انتشار ظاهرة الفقر في العراق بالتزامن مع كون البلد أكبر مصدِّر للنفط بعد السعودية. لكن ذلك لم ينفع وارتفع عدد العاطلين إلى أكثر من 5 ملايين عاطل، مع انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا ما ادى الى زيادة نسبة فقر الدخل 20 في المائة، والفقر متعدد الأبعاد بنسبة وصلت إلى 35 في المائة حول البلاد، مما يعني أن أكثر من ثلث سكان العراق هم من الفقراء”.

ويتابع الخبير “أعتقد أن الفساد يقف قبل أي عائق آخر أمام حل مشكلة الفقر في البلاد، وهو متعلق أيضا بتعطيل المصانع والمعامل والقطاعات الإنتاجية التي لها أشكال عدة، لذلك لا يمكن للحكومة القادمة أن تتحدث عن حل مشكلة الفقر ما لم تواجه الفساد بشكل حقيقي، وأن يكون لديها خطة اقتصادية وطنية ترمم الدمار الذي خلفته الحكومات السابقة”.