اخر الاخبار

أجرت “طريق الشعب”، يوم أمس، حوارا موسعا مع نقيب المعلمين العراقيين، عباس السوداني، بشأن الذكرى الثانية لانتفاضة تشرين الباسلة التي يستعد العراقيون لاحيائها، بينما يستذكرون الدور النقابي الكبير الذي زاد من زخم الاحتجاجات، وأعطاها قوة إضافية لمواجهة القمع الشرس في مقابل المطالبات المشروعة بتوفير العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وتخليص البلاد من المحاصصة الطائفية.

رد فعل على المحاصصة

وقال السوداني إن “المتظاهرين الذين خرجوا في ساحة التحرير، ومن ثم في بقية الساحات رفعوا شعارات جوهرية لمعالجة أوضاع البلد ومحاربة الفساد وتداعيات المحاصصة الطائفية، وتحملّوا أساليب مضادة، فضلا عن محاولات بعض الجهات المدفوعة لحرف مسار تظاهراتهم السلمية. وعبّر العراقيون خلال الانتفاضة عن الواقع المرزي الذي تشهده قطاعات الخدمات والصحة والتعليم واستفحال ظاهرة الفساد والبطالة في البلاد، مؤكدين الحاجة الماسة لمعالجة كل ما يجري، وانقاذ البلد من الكوارث التي تحيط به”.

وأضاف نقيب المعلمين “طالبنا كجهة نقابية بمطلب أساسي نعتقد أنه يقف في أولوية الشعارات التي رفعت خلال الانتفاضة: إصلاح القطاع التربوي والتعليمي وتخليصه من الخلل الكبير الذي أصابه. إن موقفنا كنقابة خلال الاحتجاجات ارتكز على الدلائل والمؤشرات الحية التي توضح التردي المتسارع في هذا القطاع الكبير، والذي يتطلب الحلول الجوهرية وبرؤية واضحة واستراتيجية”، مبينا أن “مطالب الفئات والشرائح الاجتماعية الأخرى كانت مؤيدة أيضا من قبل النقابة وأعضائها الذين ساهموا بشكل فاعل في انتفاضة تشرين، خصوصا مطلب إصلاح النهج السياسي الخاطئ والخلاص من نهج المحاصصة الطائفية وتأثيرها الكارثي على مؤسسات الدولة والوزارات والجهات التنفيذية كافة. أضف إلى ذلك آفة الفساد التي أصبحت تتطلب مواجهتها واقتلاعها من جذورها، فهناك من يعبث بأموال الشعب ويتمتع بخيراته وأصبح الأمر لا يطاق”.

حقوق ضائعة

وتابع النقيب السوداني “أن الشيء الآخر المهم هو أنّ المواطنين يأسوا من العقبات التي تواجه حياتهم اليومية، فلا توجد خدمات حقيقية تصون كرامتهم، وأصبح وضعهم يسوء شيئا فشيئا حتى حرموا من كل حقوقهم المكفولة، فعلى سبيل المثال هناك خلل كبير في قطاعي الصحة والخدمات، كما أنهم يعانون من نقص المدارس، بينما ينظرون إلى توفير جزء كبير من هذه الأمور في اقليم كردستان التي هي من نفس البلد. إن الانتفاضة أظهرت ردة فعل على كل هذا، ورغم أنها أطاحت بالحكومة السابقة وجاءت بعدها حكومة الكاظمي، لكننا نرى أن البلد ما زال يسير دون أي تخطيط واضح أو استراتيجية لبناء الدولة رغم الدعوات للمشاركة في الانتخابات التي باتت على الأبواب”.

وتزامن الإضراب الذي أعلنته نقابة المعلمين آنذاك لدعم الانتفاضة، مع انتفاضة “القمصان البيض” التي أعطت للاحتجاجات زخما مليونيا، بعدما تحدوا عقبات اجتماعية وسياسية كثيرة، وأصبحوا جزءا لا يتجزأ من هذا الحراك الكبير.

ولم تتوقع الحكومة في حينها أن تسهم مشاركة الطلاب ونقابة المعلمين باتساع رقعة الاحتجاجات في بغداد وباقي المحافظات ما دفع رئيس الوزراء حينها عادل عبد المهدي للتحذير من استغلال الطلبة، وأمر بأن يكون الدوام كاملاً بوزارات الدولة والمؤسسات والدوائر الرسمية بالإضافة للمدارس والجامعات، متوعداً المتسببين بتعطيل الدوام بإجراءات عقابية شديدة، لكنه وعلى وقع هذه التهديدات، أعلنت نقابة المعلمين لأول مرة في بيان عن بدء الإضراب في المدارس لأربعة أيام، وتوالت فترات التمديد لاحقا.

وتعليقا على ذلك، أكد نقيب المحامين آنذاك، أن قرار “الإضراب جاء من المجلس المركزي للنقابة تعبيرا عن التضامن مع المتظاهرين، وما يحدث في ساحات التظاهر. وأن المعلمين والمدرسين يجب أن يكون لهم موقف وطني تجاه المظاهرات ومن أجل الضغط على الحكومة للإسراع في تنفيذ مطالب المتظاهرين. كما أن نقابة المعلمين هي كباقي النقابات، لديها مشاكل كثيرة في التعليم والمدارس، وحاولت إيجاد حلول مع الحكومة، ولكن للأسف لا توجد استجابة”.

دور كبير للنقابات والاتحادات

وفي ما يخص دور النقابات والاتحادات المهنية في الانتفاضة، أكد السوداني أن هذه الجهات المهنية والتخصصية “همشت وأبعدت عن صناعة القرار، وكان يفترض أن تعتمد الحكومات المتعاقبة على خبراتهم وعملها في ميادين التخصص، وهذا ما نقله بعض نواب البرلمان إلى رئيس الوزراء الحالي؛ فمن غير المعقول أن يكلف أشخاص غير مهنيين وفق المحاصصة بإدارة قطاعات مهمة وحساسة بينما تهمل الخبرات. إن هذا الموقف هو تقريبا موحد لكل النقابات والاتحادات، وهي بذلك لا تبحث عن السلطة بقدر ما ترى أنها يجب أن تشارك في بناء الدولة وصياغة القرار انطلاقا من قدرتها العلمية والعملية على تقديم نتائج ملموسة، وهذا ما ينطبق تماما على قطاع التربية والتعليم في البلاد”، مبينا أن “ترك النقابات والاتحادات في زاوية بعيدة والاستمرار في إدارة الدولة وفق الشكل الحالي هو أسلوب لن يقدم أي تجربة ناجحة أو أية خطوات اصلاحية. هناك دول كثيرة مرت بحروب طاحنة وكوارث، لكنها نهضت بعد ذلك عندما اهتمت بقطاع التربية والتعليم، لأنه كنز حقيقي وثروة لا تقدر بثمن، ويعتبر واجهة البلدان المتطورة. في حين يهمل هذا الجانب وأصبح العراقي يضم بحسب الأرقام 10 مليون إنسان أمّي في ظاهرة مرعبة لم نرَ الحكومة والبرلمان يعقدان الجلسات الخاصة او ينفذان خطوات جادة لإنقاذ المجتمع من كوارث الجهل”.

وتابع النقيب “أننا في النقابات نشخص هذه الأزمات ونعرف الحلول اللازمة لها، ولكن المعنيين بصناعة القرار ينظرون الينا من الجانب السلبي. نحن نريد بناء البلد وكانت مشاركتنا الفاعلة في الانتفاضة مرتكزة على هذه الغاية، وانتقدنا الواقع المرير ونقص المدارس والمستشفيات، وكل متطلبات الحياة الكريمة. وتعرضت نقابتنا ونقيبها إلى ضغوط كثيرة في تلك الفترة، لكننا واصلنا الحضور في ساحات الاحتجاج لإيصال رسالة للحكومة مفادها بأن الاهتمام بقطاع التربية ومحاربة الفساد وانقاذ مستقبل البلد هي أمور لا تقبل النقاش”، منوها بأن “استمرار ادارة البلد وفق المحاصصة سيعيد نفس المأساة. مع الآخذ بنظر الاعتبار أنه حتى المحاولات الاصلاحية التي اجرتها الحكومة الحالية لم يخلُ بعضها من أخطاء كبيرة مثل سن قانون التقاعد الجديد الذي أهدر طاقات تدريسية في العلوم والكيمياء واللغة العربية ومواد مهمة أخرى، وأرسل اساتذة هذه المواد وخبراتهم المتراكمة إلى التقاعد رغم قدرتهم على تقديم المزيد من العطاء، فهذا علاج لخطأ بخطأ اكبر منه”.

واختتم نقيب المعلمين كلامه قائلا: ان “الصراع الحزبي على المناصب، وتقسيم البلد بطريقة المحاصصة الطائفية، بعيدا عن الاستراتيجية الوطنية، مصيرها الفشل مهما طال الوقت عليها”.

عرض مقالات: