اخر الاخبار

يحتفل العالم في 15 من أيلول من كل عام، باعتباره يوما عالميا للديمقراطية. وبرغم مرور اكثر من 18 عاما على بدء تطبيق هذا الشكل من الحكم في العراق، لكن الشكوك ما زالت مستمرة حول التطبيق الصحيح للنظام، بسبب ممارسات اعتبرها عدد من الاكاديميين والمختصين “مضرة” في تطبيق الديمقراطية، بعد أن تجاهلت عددا من الادوات الاساسية للتطبيق الصحيح لها.

 

شروط أساسية

والديمقراطية هي شكل من اشكال الحكم، يشترك فيها المواطنون بشكل مباشر او من خلال ممثليهم، في ادارة البلاد عبر اقرار القوانين وتسيير امور الدولة ويقول الاكاديمي محمد فالح، إن “تطبيق الديمقراطية يتطلب شروطا اساسية، منها احترام القانون ونفاذه على الجميع، وتشريع قوانين تضمن التمثيل الحقيقي للمواطنين من دون تمييز على اساس اللون والعرق والطائفة.

ويضيف فالح لـ”طريق الشعب”، ان “الديمقراطية التمثيلية في العراق شابها الكثير من الممارسات الخاطئة، حيث عمدت القوى المتنفذة الى بسط سيطرتها على مؤسسات الدولة، وسخرت امكانيات الدولة لخدمة مصالح فئوية ضيقة من دون الالتفات على مصلحة البلد”، مبينا ان “القوى المتنفذة تعتقد ان الديمقراطية هي اجراء انتخابات فقط، غير مبالية بتوفير الاجواء المناسبة لهذه العملية، مثل مبدأ تكافؤ الفرص والامن الانتخابي وحرية التعبير”.

ويتابع الأكاديمي ان “العراقيين كانوا يأملون بعد الخلاص من الدكتاتورية بنظام يوفر لهم عدالة اجتماعية، ويضمن الحريات العامة والخاصة، لكن تصرف الاحزاب المتنفذة واساليبها في ادارة البلاد بددت تلك الآمال”، مؤكدا أن “فرص اصلاح النظام السياسي الحالي تضاءلت بشكل كبير، نتيجة للقمع الذي واجهته الحركات الاحتجاجية منذ العام 2011 وصولا الى انتفاضة تشرين، والذي ارتكبت فيه القوى المتنفذة جرائم كبيرة ضربت أسس النظام في البلاد”.

ويعتقد فالح، ان “التغيير الجذري بات ضرورة ملحة من اجل اعادة البلاد الى الطريق الصحيح، وتجنيب المواطنين ويلات الحروب والانقسامات”، مبينا ان “اية انتخابات تجريها القوى المتنفذة لن تفضي الى التغيير المنشود بسبب اعتماد الادوات ذاتها، والقوانين المفصلة على مقاس المتنفذين”.

 

كذبة كبيرة

بدوره، يؤكد الخبير القانوني محسن كريم، ان “الديمقراطية في العراق كذبة كبرى، تحاول الكتل المتنفذة من خلالها ترسيخ نفوذها وسيطرتها على مفاصل الدولة، بغية الاستئثار بموارد الدولة لمصالح فئات قليلة، في مشهد مخزٍ يشير الى عدم اهتمام هذه الكتل بمصلحة مواطنيها”.

ويقول كريم لـ”طريق الشعب”، ان “تطبيق الديمقراطية يتطلب شروطا اساسية يتغافل عنها صناع القرار العراقي، منها توفير فرص متساوية للمواطنين والاحزاب السياسية والسياسيين المستقلين من اجل ممارسة حياة سياسية تتوفر فيها حرية التعبير عن الاراء، وحرية ممارسة العمل السياسي دون اية ضغوط من قبل احزاب السلطة ومؤسسات الدولة”، مبينا ان “هذه الاجواء غير متوفرة في البلاد في الوقت الحالي، نتيجة الممارسات الوحشية من قبل الخارجين عن القانون في استهداف المعترضين على طريقة اداء النظام السياسي والفساد المستشري”.

ويضيف ان “هذه القوى لم تكتف بقتل وقمع المحتجين، فقد طاردتهم وهجرتهم، في مشهد لا نشاهده في اقسى الدكتاتوريات وحشية”، معتبرا ان “استغلال موارد الدولة وتسخريها من اجل تكميم الافواه وملاحقة المعترضين واغلاق المؤسسات الاعلامية واستمرار الاغتيالات، ضرب أسس العملية الديمقراطية، وجعل المواطنين يعزفون عن المشاركة في الانتخابات”.

 

توعية الجماهير

وحول ذات الموضوع، يعلق المهتم في الشأن السياسي حسن مجيد، بالقول: ان “نجاح الدول الديمقراطية يرتبط بشكل مباشر بتوعية الجماهير بحقوقها، ووجود ثقافة ديمقراطية لدى المواطنين ومجتمع مدني فاعل وقوي”، مؤكدا ان “العراق يشهد مناخ سياسيا متوترا، وربما يكون الاسوأ منذ الاحتلال”.

ويقول مجيد لـ”طريق الشعب”، ان “نظام المحاصصة وأد النظام الديمقراطي في البلاد، من خلال ترسيخ مفاهيم بعيدة عن الديمقراطية وتقسيم البلاد الى كانتونات طائفية وقومية في مشهد غير مألوف على العراقيين”، مشيرا الى ان “هذه التقسيمات ساهمت بشكل مباشر في تفتيت النسيج الاجتماعي العراقي وبروز الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية”.

وينوه مجيد الى ان “استمرار تجاهل مطالبات اصلاح النظام السياسي يؤدي في النهاية الى ما لا تحمد عقباه”، داعيا الى “مراجعة شاملة لاداء مؤسسات الدولة المعنية بتطبيق الديمقراطية، واسنادها الى شخصيات كفوءة ونزيهة بعيدا عن التأثيرات الحزبية، وتشريع قانون للانتخابات يضمن التمثيل الحقيقي للجميع، وتشريع قوانين تضمن حرية التعبير والكف عن ملاحقة نشطاء الرأي، وتوفير بيئة مناسبة للاعلام، لاداء دوره بصورة مهنية، وانهاء عمليات الابتزاز والتضييق على المؤسسات الاعلامية”.

ويحذر من “استمرار اعتماد المحاصصة التي خلقت صراعا بين السلطة والمجتمع، في الوقت الذي كان يفترض فيه بناء ثقة متبادلة من اجل انهاء حالة الصراع بين الشعب والسلطة، التي ورثناها من النظام الدكتاتوري”، مؤكدا ان “حالة عدم الثقة والشك وعدم الايمان بالقائمين على النظام السياسي، ستؤجل عملية بناء نظام ديمقراطي حقيقي”.

 

توحيد الجهود

فيما يشير الناشط المدني علاء علي الى ان “الديمقراطية الحقيقية هي من تحرر الجماهير من الهيمنة الإقتصادية والاجتماعية والسياسية”، مبينا ان “القائمين على النظام السياسي فشلوا في اداء دورهم، وكان همهم الوحيد السيطرة على موارد الدولة، وتسخير مؤسساتها لخدمتهم”.

ويعتقد علي في حديث لـ”طريق الشعب”، ان “العراق يعاني من عيوب جوهرية في بنية النظام السياسي، ما يمنع تطبيق الديمقراطية الحقيقية في البلاد”، ناصحا “القوى الساعية للتغيير الى توحيد جهودها في سبيل الخلاص من نهج المحاصصة الطائفية والقومية”.

ويشير الناشط الى جملة من الاشكالات التي رافقت عمل منظومة الحكم في مرحلة ما بعد الاحتلال، من بينها إقصاء وتهميش الاقليات والتعدي على حقوقهم، الى جانب عدم تطبيق قانون الاحزاب، الامر الذي جعلها تتحول الى دويلات تصوب المال والسلاح بما يخدم مصالحها وتجذير وجودها، بعيدا عن مصالح عامة الناس. وعلى تلك الأعوام، لم تلك الاحزاب المتنفذة قد أولت أية أهمية للنساء، بل لم يتمتعن بأبسط حقوقهن، حتى قيام انتفاضة تشرين التي كسرت تلك النمطية، وأضحت المرأة، لا سيما الناشطة، تتحرك عبر مسارات فاعلة.

عرض مقالات: