اخر الاخبار

مراقبون: الدعاية تتوجه نحو قواعد الكتل المتنفذة فقط

لم يطرح الكثير من المرشحين للانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في العاشر من تشرين الأول، برامج انتخابية مقنعة للناخبين، مع محاولتها اعادة الخطابات والشعارات الطائفية والقومية التي لم تعد تجدي نفعاً بعد انتفاضة تشرين، كونها أفرزت الخنادق مبكراً بين الجماهير الساعية الى بناء دولة، والجمهور المرتبط بمصالح مع الأحزاب المتنفذة، فضلاً عن انها رفعت وعي الناخب، ما دفع العديد من القوى السياسية الى الانكماش على “قواعدها المستقرة”، لأنها أصبحت مقتنعة تماماً بأن كسب أصوات جديدة خارج اطارها الحزبي بات شبه مستحيل. 

 

التدوير عبر مناطق جديدة  

وبدلاً من أن يقدم المرشحون برامج انتخابية مقنعة للناخبين، لكسب أصواتهم، قام عدد من النواب الحاليين بترك مناطقهم، وتوجهوا الى مناطق أخرى، في محاولة منهم لتعزيز فرصهم بالفوز من جديد، بعد أن تيقنوا من فقدان قواعدهم الشعبية في مناطقهم الاصلية.

وبالإضافة إلى حالة غياب البرامج الانتخابية، تشهد شوارع المدن وتحديداً العاصمة بغداد، انحساراً واضحاً في عدد اللافتات الانتخابية بالمقارنة مع الدورات الانتخابية السابقة.

فمع اقتراب موعد الانتخابات، لا تزال العديد من التساؤلات تثير الرأي العام، تحديداً في ما يتعلق بالدعاية الانتخابية للكتل المتنافسة. ويبدو أن غالبية الأحزاب المتنافسة على نيل مقاعد البرلمان في انتخابات تشرين الأول باتت تركز على قواعدها الحزبية والقطاعات القريبة منها، لأنها على ما يبدو أصبحت مؤمنة تماماً، بان حظوظها في كسب أصوات جديدة تؤمن لهم مقاعد برلمانية اضافية، باتت شبه معدومة.

 

المفوضية تلزمهم .. ولكن؟

لكن المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، جمانة الغلاي، تؤكد لـ”طريق الشعب”، أن المرشحين “ملزمون بتقديم برامجهم الانتخابية، عند مراجعة دائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية”.

وتشير الغلاي الى أن “البرنامج الانتخابي ضمن الأوليات التي تطلبها المفوضية من أي مرشح”.

وتردف الغلاي كلامها بأن “لكل حزب او كيان او مرشح رؤية معينة حول موعد اطلاق برنامجه الانتخابي”.

ورصد مراسل “طريق الشعب” دعايات المرشحين والقوى المتنفذة التي انحصرت في تقديم الوعود الانتخابية والقيام بحملات تعبيد الشوارع واعادة نصب المحولات واقامة البطولات الرياضية وحملات تنظيف المجاري وغيرها.

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الايام الماضية صور المرشحين وهم يقومون بحملات تعبيد وتوزيع المحولات الكهربائية، وهذا ما علق عليه احد السياسيين بالقول ان احد المرشحين وعد اهالي قرية في السماوة بجلب محولة كهرباء من الدائرة الحكومية بعد تقديمهم 100 بطاقة انتخابية، وبعد المفاوضات لم يحصل هذا المرشح سوى على 35 بطاقة، ما دعاه الى سحب المحولة.

 

“التخويف من الاخر”

وعن التأثيرات النفسية للبرامج الانتخابية، قال عالم النفس البروفيسور قاسم حسين مصلح، إن “العامل السيكولوجي، له دور حاسم في كل انتخابات؛ ففي انتخابات 2005 و2010 استخدمت الدعاية الانتخابية سيكولوجيا التخويف من الاخر، ولهذا انتجت الانتخابات نفس الوجوه الفاسدة رغم معرفة الناخب انهم فاسدون، لذا كان البرلمان العراقي في كل دوراته لا يمثل الشعب”.

وأضاف لـ”طريق الشعب”، أن “قادة الأحزاب والكتل السياسية المتنفذة عزفوا على وتر الطائفية ونجحوا في تغليب الانتماء إلى الهويات الفرعية”.

وأكد أن “برامج المرشحين لن تقنع الناخب العراقي مهما كانت طروحاتها ورؤيتها، لان المواطن يدرك تماما بأن المرشحين يتنافسون للفوز بالرواتب والامتيازات، ولو كان الراتب معقولا والامتيازات كما هي في الأردن او مصر لما كان عدد المرشحين أكثر من ثلاثة آلاف”.

واشار صالح الى أن “المرشحين يعتمدون على آليات غير علمية، ومعظمهم يفتقر للخبرة والحنكة السياسية”.

ونوّه بأن “الانجاز الوطني الكبير لانتفاضة تشرين تمثل في أنها احيت الشعور بالانتماء للعراق، واستعادت الهوية الوطنية، وزادت من وعي الناخب”.

ولفت المتحدث الى أن “مهمة الدعاية الانتخابية هي كسب الناخب  لصالح المرشح، وهذه تقوم على الية سيكولوجية، تعتمد تغيير اتجاه الناخب المحايد او السلبي من المرشح وصولا الى الاقناع”.

 

تشرين ميّزت الخنادق

وفي السياق، فسّر رئيس المركز العراقي الأسترالي للأبحاث، أحمد الياسري، حالة غياب الدعاية الانتخابية عن المشهد العراقي بكون احتجاجات تشرين ميزت الخنادق مبكراً بين مجتمع الدولة المتمثل بقوى الانتفاضة ومجتمع السلطة المتمثل بجماهير الأحزاب.

وقال الياسري، إن “نقلة نوعية في الرأي العام العراقي سببتها الاحتجاجات التي حصلت في تشرين الاول 2019، الأمر الذي أدى إلى أن يلتفت المجتمع العراقي لكيفية بناء الدولة، أكثر من الولاءات والهويات الفرعية”، مبينا أن هذا الأمر أسهم من بين عوامل أخرى في “تعقيد بناء برامج انتخابية للأحزاب التقليدية”.

وبحسب الياسري، فإن “وضوح التوقعات بشأن نتائج الانتخابات المقبلة نتيجة لحملة المقاطعة الواسعة، أسهم بشكل كبير في عدم توجيه الدعاية الانتخابية إلى الرأي العام العراقي، لأن الاشتراك سيكون محصوراً بجمهور وزبائن الأحزاب المتنفذة”.

ولفت إلى أن “حالة الاستثمار الانتخابي خلال الانتخابات المقبلة ستتمحور حول القواعد الحزبية الثابتة للكتل المتنذة”.

وخلص الى أن “الدعاية الموجهة إلى الجمهور الحزبي تعني أن قدرة الإقناع لدى الكتل السياسية باتت تتضاءل بشكل كبير، حتى وصلت إلى حدود التخوف من عدم القدرة على إقناع القواعد الحزبية التابعة لها”.

عرض مقالات: