اخر الاخبار

نظمها مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية 

نظم مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية مؤخرا، ندوة الكترونية، تناولت مسألة الربط الكهربائي مع دول الجوار.

واستضافت الندوة التي حملت عنوان «الربط الكهربائي مع دول الجوار ودوره في حل مشكلة الكهرباء في العراق»، مجموعة من الاساتذة المختصين بشؤون الطاقة الكهربائية والشأن الاقتصادي، بالإضافة الى اعضاء المركز.

نبذة تاريخية واستعراض للوضع

وقدّم مدير الندوة، ابراهيم المشهداني، الخبير في الشؤون الاقتصادية، استعراضا عن أهمية الطاقة الكهربائية في تنمية القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، متحدثا بشكل مختصر عن بدايات دخول الكهرباء إلى العراق.

وأوضح قائلا: “يعتبر توفير الكهرباء، الخدمة الاولوية الاكثر احتياجا بين البرامج الحكومية بعد دحر الارهاب الداعشي، لارتباط هذه الخدمة بحياة الناس اليومية؛ فكل مفصل في العملية التنموية لا يمكن ان تدور عجلته بدون الطاقة الكهربائية”. وتابع المشهداني “دخلت الكهرباء الى العراق في عام 1917 ونصبت اول ماكنة كهربائية في بناية (خان دلة)، وفي عام 1918 كانت الاسلاك تمد تحت الارض ومررت الى الجانب الغربي من الكرخ تحت الماء بالقرب من جسر الشهداء، فتصوروا مستوى العمل في ذلك التاريخ. وبعدها جرى تدريجيا نصب محركات في مناطق مختلفة في مدينة بغداد، لإنارة الدوائر الحكومية والمستشفيات، ومنذ ذلك التاريخ اخذ انتاج الطاقة الكهربائية بالاتساع حتى وصل ذروته بتغطية مناطق العراق في كافة المدن والجزء الاكبر من الريف”. وبيّن أن “حجم انتاج الطاقة بعد عام 2003 بلغ 2500 ميكا واط، وبعد مرور 17 عاما وصل الانتاج الى 27 الف ميكا واط، حسب احصاءات وزارة التخطيط. ولكن هذا الرقم مبالغ فيه وربما يكون قد نقل خطأ، غير ان الخطة الخمسية للأعوام 2013 - 2017 قد استهدفت انتاج 25 الف ميكا واط، لكن التقديرات تشير الى ان الانتاج وصل في عام 2017 الى 15 الف ميكا واط، اي بعجز مقداره 10 الف ميكا واط. فيما وصل الانتاج في عام 2020 الى 17 الف ميكا واط بما فيها الضائعات والطاقة المستوردة من ايران التي تبلغ 1400 ميكا واط، وهذا الرقم هو الاقرب الى الواقع”. وأكد الخبير المشهداني “انفاق ما يزيد على 40 مليار دولار كتخصيصات استثمارية حسب تصريح الناطق الاعلامي لوزارة الكهرباء في عام 2017، ولو فرضنا أن تكلفة كل الف ميكا واط هي مليار دولار، فهذا يعني انتاج 40 الف ميكا واط، وبحسب تقديرات وزارة التخطيط  فان الفائض سيكون 15 الف ميكا واط، فكيف الحال مع كل هذه الارقام، وما هي الفلسفة التي ستعتمدها وزارة الكهرباء لحل هذا الفشل؟ هل بخصخصة مشاريع الوزارة كما ورد في نص قانون الوزارة، لتتحول الكهرباء من خدمة الى سلعة؟ ام بالتفاعل بين القطاعين الحكومي والخاص عن طريق المشاركة؟”. 

وبعد ذلك، فسح مدير الندوة المجال أمام الضيوف لتقديم مداخلاتهم.

ميزات الربط الكهربائي

وتحدث المهندس قاسم كاظم حنيحن، معاون مدير عام دائرة التخطيط والمتابعة في وزارة الكهرباء قائلا: “لا بد من التمييز بين السعة التصميمية للمحطات الكهربائية والسعة التوليدية، فهناك محطات تولد اقل من الطاقة التصميمية لأسباب عديدة. فالطاقة الكهربائية تختلف عن بقية انواع الطاقة، فهي غير قابلة للخزن، وهناك اشكال من الانتاج في الطاقة الكهربائية كالطاقة المتجددة، اسهمت في تحقيق فائض، ومن هنا نهضت الحاجة الى الربط الكهربائي بين الدول المتجاورة”.

وأضاف حنيحن، إن الربط “يتم بين دولتين او اكثر، فعلى سبيل المثال لدى الصين مشروع عملاق يستهدف الربط الكهربائي على النطاق العالمي كله، وطرح هذا المشروع في مؤتمر دولي حضرته الجامعة العربية عبر انشاء محطات عملاقة ذات توسيعات توليدية عالية. وأما نحن في العراق، فإننا نستطيع نصب محطات تغذى بالنفط الاحفوري مع وجوب توفير الوقود وهو عامل مهم في توفير الطاقة، ومع وجود الربط الكهربائي تتحقق الوفرة والجدوى الاقتصادية”.

وتابع المتحدث، انه “من الناحية الفنية، فإن هذا الربط ولكي يعطي ثماره، يستلزم وجود شبكة موحدة بهدف استمرارية نقل الطاقة، ويعوض عن توقف الانتاج في المحطات الوطنية”. ومضى المهندس بالقول: “من ناحية اخرى، فان الربط الكهربائي من اهم المساهمات في التعويض عن الطاقة المفقودة في حال تعرضت الابراج الى التخريب او غير ذلك، كما حدث في العراق بسبب الإرهاب. ومن هنا تأتي القيمة الامنية للربط الكهربائي”.

وتطرق المتحدث الى ميزات عديدة للربط الكهربائي، أبرزها “الفائدة باستمرار التيار في حالة ارتفاع احمال الذروة، إمكانية تصدير الطاقة الفائضة، كما إن الربط الكهربائي يقوي العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدول الاخرى، فضلا عن الإسهام في تفادي التلوث البيئي”. 

ولفت إلى أن “العراق حاليا يستورد الطاقة من ايران بالكميات الاكبر، ويكلفه هذا الأمر كثيرا بسبب عدم وجود منافس”.

 

خطوط نقل طويلة بكلف عالية

وفي السياق، رأت مها عمران، رئيس مهندسين اقدم في وزارة الكهرباء، إن الربط الكهربائي “يحتاج الى انشاء خطوط لنقل الطاقة الكهربائية لمسافات طويلة، وهذه تتطلب كلفة عالية تتحملها الخزينة”.

وأشارت الى أن هناك احتمال بفقدان مزايا الربط خلال الأزمات السياسية التي يمكن أن تحدث بين الدول المتعاقدة، على الرغم من مزايا تصدير الفائض.

ونوهت الى أنه “في عام 2003 كان مقدار التوليد 3400 ميكا واط، خصوصا أن حاجة الناس كانت اقل، ومحدودية التجاوز كانت قليلة أيضا، وحصة الفرد العراقي اقل من كلفة دول الجوار. ولكن مع مرور الوقت وحصول ظاهرة انشطارات المنازل وتوسع الاحياء السكنية والتحول المناخي وارتفاع درجات الحرارة، تطلب انتاج 5 ميكا واط للدرجة المئوية الواحدة مع زيادة الرطوبة وحصول الاختناقات”.

وأكدت رئيس المهندسين، إنه من المشاكل التي تتسبب في فقدان الطاقة المنتجة هي “التجاوزات على الخطوط الناقلة، كما ان التخطيط غير المتوازن بين الانتاج والنقل والتوزيع، وخفض التخصيصات المالية في عام 2014 جعل الانتاج المحلي يبدأ بالانخفاض”، مشددة على أن “التعاقدات مع الشركات الاستثمارية كانت مشكلة، لأنها لم تبرم مع شركات رصينة، كما إن خللا كبيرا رافقها”.

من جهتها، أكدت المهندسة المتقاعدة انتصار كريم عباس، التي كانت معاون مدير عام في مديرية توزيع الصدر، أن السعة التصميمية والانتاج للطاقة الكهربائية كان بحدود 9 الاف ميكاواط قبل حرب الخليج الاولى عام 1991 ولكن ما تعرضت له المنظومة الكهربائية من تدمير واضرار اثناء الحرب افقدها بحدود 60 في المائة من سعتها، ورغم أعمال التأهيل في حينها لم يتجاوز الانتاج 3500 ميكاواط، ولغاية 2003 لم يكن الانتاج يلبي الطلب”.

وأضافت المهندسة عباس، أنه “بعد 2003 حصل تسارع في نمو الطلب وخصوصاً للصنف السكني، وعليه فإن الحكومات في حينها كانت امام تحد كبير لاسيما ان الوقود المناسب لم يتوفر بالنوعية والكمية التي تحتاجها محطات الانتاج الغازية التي تمت اضافتها لغرض مواكبة الطلب، اضافة الى تحديات الوضع الامني، وبعد 17 عاماً وفي احسن الظروف لم يتجاوز معدل الانتاج 18 الف ميكا واط، ولم يلب سوى 50 في المائة او أدنى”.

وأردفت “أصبح لزاماً أن نتجه الى الربط الكهربائي الشامل والغاز الطبيعي الذي تبنته الجامعة العربية من 2012”، لكنها رهنت ذلك بإعداد “دراسة للجدوى الفنية والاقتصادية لتتم المباشرة في ذلك”. 

 

تقرير اللجنة البرلمانية

وفي غضون ذلك، تحدث عضو المركز حيدر مثنى، رئيس الدائرة البرلمانية في مجلس النواب، عن التقرير الذي قدمته اللجنة البرلمانية التي شكلت لدراسة عقود وزارة الكهرباء.

وأشار مثنى إلى، أن “التقرير قد سجل 22 نقطة تتعلق بطبيعة عقود الكهرباء وشراء الطاقة”، مبينا أن العراق “اتفق مع مجموعة من الشركات الاستثمارية على استيراد الطاقة، وقد بلغت تكاليف الشركات مع الطاقة المستوردة من ايران وتركيا 5،641،484 مليار دولار”.

وتابع مدير الدائرة البرلمانية “هناك 3 ملاحظات سجلها التقرير النيابي: الأولى حول إشكالية الشركات الاستثمارية في كل من بسماية وشمارا القابضة، وقيوان، وكلوب باور الامريكية، وكار والانماء”، مشيرا الى انه “تعتمد على دعم الدولة، حيث تتحمل الوزارة قسما من التكاليف حتى في حال توقف انتاج المحطات الاستثمارية وعدم استلام الوحدات المنتج لغرض التوزيع”. 

أما الملاحظة الثانية، بحسب المتحدث، فأشارت إلى أن “الوزارة لم تحدد تكاليف انتاج الميكا واط  وحاجته من الوقود، بينما أوردت الملاحظة الثالثة بلوغ قيمة شراء الوحدات المنتجة والمشترات من قبل الوزارة من شركتي الاستثمار  بسماية وشمارا القابضة بين 30 - 32 دولارا للوحدة المنتجة وهي متفاوتة بين عامي 2018 و 2019”.

 

ملاحظات عديدة عن الأزمة

وتخللت الندوة ملاحظات كثيرة قدمها الضيوف بخصوص أزمة الكهرباء التي ما زالت مستمرة رغم التخصيصات المالية الطائلة.

وقال سمير الجادري من ستوكهولم، إن “رئيس الوزراء الاسبق قد صرح انه ليس بالإمكان حل مشكلة الكهرباء مع العلم ان العراق بثروته قادر على حل هذه المشكلة”، منوها الى قيام شركة سيمنس الالمانية “بحل اشكالية الطاقة في مصر بتكاليف بلغت 2 مليار دولار بالآجل”.

المهندسة زينب حسين، رئيس مهندسين اقدم في وزارة التجارة، تساءلت بدورها عن “خطة وزارة الكهرباء لإنتاج الطاقة المتجددة، مع وجود رياح وشمس على امتداد العام”. 

بينما دعا الدكتور محسن القزويني، إلى “الاستعانة بدول الجوار لإصلاح الاعطال في محطات التوليد”.

أما علي مهدي، نائب رئيس المركز، فأشار الى وجود “شبه اتفاق بين جميع المتحدثين بشأن ضرورة الربط الكهربائي، كما ان العراق يجب أن يضمن الربط السباعي والثماني كما كان سابقا، حيث إن الربط مع دولة واحدة في استيراد الطاقة سيتحول الى احتكار تلك الدولة، وبالتالي هي من تحدد السعر”.

وتضمنت الندوة مداخلات أخرى كإشارة حيدر الكفيشي الى أن “موضوع الربط ليس بالجديد. وكان انتاج الطاقة قبل عام 2003 كبيرا، بينما الان اختلف الوضع وليس لدينا كفاية في الانتاج، ولهذا يكون الافضل الانتقال الى الطاقة المتجددة”. 

في حين تساءل محمد صباح عن “جدوى الربط مع الاردن التي تعاني قلة في انتاج الطاقة الكهربائية، ومن جهة اخرى نلاحظ انه يتم التعاقد مع شركات، هي متلكئة بالأصل!”.

وخرجت الندوة بمجموعة من الخلاصات والاستنتاجات، نصت على أن “العجز في انتاج الطاقة الكهربائية رغم التخصيصات المالية، يدعو للتحول الى الربط الشامل مع دول الجوار وليس الاقتصار على دولة واحدة. بل يجب تفعيل الربط السباعي والثماني، لأنه ضروري جدا لتوسيع مساحة المنافسة، فضلا عن اثره في تحسين العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع دول الجوار. كما أن للربط أهمية في تقوية منظومة الطاقة الكهربائية الوطنية، لهذا يجب التوجه الاستراتيجي لتوسيع الانتاج بما يحقق الاكتفاء الذاتي ومراجعة العقود المبرمة مع الشركات الاستثمارية باتجاه تقليل تكاليف الشراء من الوحدات الكهربائية المستلمة بالفعل والتخفيف من الاعباء التي تتحملها وزارة الكهرباء”.