اخر الاخبار

لا يزال مقترح تعديل قانون الاحوال الشخصية يشهد سجالا بين أوساط معنية؛ بعضها دعا الى إنضاجء بنوده، وآخرون شددوا على ضرورة رفضه جملة وتفصيلا، معتبرين انه يخلق “مشاكل اجتماعية” وبيئات تكون حاضنة للجرائم والتفكك الاسري وغير ذلك. جاء ذلك في ندوة نقاشية الكترونية تحت عنوان “جدلية تعديل قانون الأحوال الشخصية، مصلحة الاسرة ام مصالح أخرى؟”، أقامها مركز الرافدين للحوار، مؤخرا.

قانون يمثل الجميع

وتحدثت في الندوة مسؤولة رابطة المرأة العراقية في النجف، سهاد الخطيب، قائلة: ان “القانون الحالي اشتركت في اعداده أوساط دينية وثقافية وعلمية ومنظمات المجتمع المدني ومختصون في العملية التشريعية والصياغة القانونية، وفي مقدمتهم قضاة مشهود لهم بسعة العلم والاحاطة الكبيرة بأحكام الفقه الإسلامي”.

وعدّت الخطيب القانون بـ”الرصين، والذين كان يسري على جميع العراقيين بمختلف الأديان والطوائف، كون العراق متنوعا دينيا، ويستمد احكامه من الشريعة الإسلامية بطريقة منفتحة على كل المذاهب والاتجاهات الفقهية، بحيث يضمن التكافؤ في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة”.

وتابعت قائلة: أن “مجلس النواب دائما ما يطل علينا بمقترحات ومشروعات قوانين ليست ضمن أولويات وحاجات الناس، مقارنة بالفقر والبطالة والسكن والتراجع الأمني والصحي والاقتصادي والحريات العامة ومكافحة الفساد والكثير من المشاكل والقوانين التي تنتظر الحلول اللازمة، بحيث تسهم في تعزيز رفاهية المجتمع”، لافتة الى ان “التعديل اعتبره حقوقيون ومواطنون رجوعا الى الوراء، وحرمانا للام من أبنائها”.

ودعت الخطيب إلى “المحافظة على القانون والعمل على تطويره وضمان التزام الدولة العراقية بجميع المواثيق الدولية المتعلقة بحماية حقوق المرأة والطفل، سيما وأن للعراق التزامات بقوانين واتفاقيات دولية مثل اتفاقية سيداو لحماية المرأة من كل اشكال التمييز، وقرار 13/ 25 الذي يضمن المشاركة والحماية والوقاية للمرأة في بناء مجتمعها وبلدها”.

تعديل ينتج الأزمات

وقال الباحث والأكاديمي ماهر الخليلي، خلال الندوة التي تابعتها “طريق الشعب”، ان “رعاية العائلة هي النقطة التي تبرز منها القوانين، وليس نصرة طرف على اخر. لان التشريع يأتي لفض النزاع بطرق حضارية، وان النائب في البرلمان يجب ان يكون ملما وفاهما لما يضعه من كلمات وحروف في النصوص التشريعية”.

وأشار الخليلي الى ان الكتل والأحزاب في البرلمان “تطرح نفسها كممثل للشعب، لكن في الحقيقة هي عكس ذلك، وتحاول ان تحاكي جمهورها في سبيل ايهامهم بإنجاز معين عند اقتراب أية انتخابات. وأن قانون الأحوال الشخصية أثبت جدارته رغم قدمه ومرور 61 عاما عليه، وحافظ العراق بموجبه على سمعته الدولية. لذلك، فإن القانون لا يحتاج الى تعديلات”.

وأردف “كان من الضروري ان يلجأ مجلس النواب الى الجامعات، ويكلف فريقا بحثيا بدراسة المشكلة من جميع ابعادها، ويعطي البحث مدة كافية لإنجازه دون تأثيرات سياسية او اجتماعية ليخرج لاحقا بتوصيات يمكن على أثرها أن يصدر تشريعا قانونيا”، لافتا الى ان “التعديل الجديد يفتح الباب امام مشاكل اجتماعية كبيرة جدا تسهم بشكل واسع بخلق ظروف بيئية حاضنة للجرائم وزيادة حالات الانتحار بين النساء بعد سلبها حق الحضانة في وقت مبكر جدا، ويؤثر على سمعة العراق الدولية”.

ايجابيات وسلبيات

من جانبه، قال عميد كلية القانون في جامعة بابل، الدكتور ميري الخيكاني، ان قانون الأحوال الشخصية رقم 88 لسنة 1959 “يتضمن ايجابيات وسلبيات مثله مثل بقية التشريعات. وأن أكثر النصوص القانونية الواردة فيه مستمدة من مبادئ الشريعة الإسلامية واحكامها”.

واوضح الخيكاني ان “الاحكام الشرعية لا تبنى على العواطف والأمزجة، وشدد على “عدم جواز حرمان الام من رعاية ابنها او رؤيته والوقوف على شؤونه شرعا، وان تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية مناسب مع بعض الإضافات، تحديدا في ما يخص تنظيم طرق مشاهدة المحضون”.

نظرة تاريخية للقانون

وفي غضون ذلك، قدّم رئيس مركز الدليل للدراسات، الدكتور حيدر سلمان، نظرة تاريخية على قانون الأحوال الشخصية والظروف التي رافقته.

وقال سلمان أنه “بعد تأسيس الدولة العراقية وصدور الدستور الأول في العراق سنة 1925 كانت هناك مادة تتعلق بالأحوال الشخصية، الا انها كرست الفكر الطائفي التقسيمي آنذاك، وتم تأسيس محاكم شرعية لكل الطوائف. وفي عام 1933 شكلت لجنة لوضع قانون أحوال شخصية يوحد بين جميع المذاهب، الا ان اللجنة فشلت بعد رفض القانون من قبل زعماء العشائر، وفي عام 1945 شكلت لجنة أخرى لتنظيم قانون جديد صدر بتاريخ السادس والعشرين من كانون الثاني 1945 وواجه معارضة شديدة من زعماء العشائر أصحاب النفوذ”.

واضاف انه “بعد وصول عبد الكريم قاسم عام 1958 إلى السلطة، ووفقا لميوله اليسارية وعزمه على تحديث البلاد اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، تم تشكيل لجنة من وزارة العدل لتنفيذ المرسوم رقم 560 بتاريخ 7 شباط 1959 وظيفتها توحيد قانون الأحوال الشخصية لكل المذاهب”، مبينا أن “صدور القانون قوبل بترحيب القوى اليسارية وهو ما اثار حفيظة رجال الدين الذين قابلوا القانون بهجمة شرسة تمثلت بإصدار مجموعة من الكتب التي تعتبره مفسدة للمجتمع”.