اخر الاخبار

يمتلك العراق موارد أولية عديدة ومتنوعة تؤهله لإنتاج العديد من الصناعات الضرورية على الصعيدين المحلي والاقتصادي. ومع ذلك، تشكل الصناعات التحويلية نسبة ضئيلة لا تتجاوز 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، حسب ما أفاد به مسؤولون.

وتتنوع أشكال الصناعات التحويلية في العراق، منها الصناعة الغذائية مثل الزيوت والسكر والتعليب، والصناعية النسيجية والجلدية، والصناعات التي تتعلق بمواد البناء والكيمياوية والمعدنية.

ثلاث مشاكل

من جانبه، يقول المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، إن “الصناعات التحويلية في البلاد عانت كثيراً بسبب الحروب والحصارات السابقة، حيث تعرضت للتدهور لأكثر من نصف قرن”.

ويضيف خلال حديث مع “طريق الشعب”، أن “الصناعات التحويلية لا تشكل سوى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي”، مؤكدا ان هناك إصرارا حكوميا على تنويع قطاع الصناعة التحويلية، حيث تسير الدولة ببرنامج يتعلق بتوفير ضمانات للقطاع الخاص، ممن يستثمرون في مجال الصناعات التحويلية”.

ويبين أن “المشاريع الاستثمارية التي تراها الحكومة مهمة وذات أولوية ستحظى بضمانات سيادية بنسبة 85 في المائة. بينما سيتحمل القطاع الخاص 15 في المائة”.

ويؤكد أن “الاستثمار في الصناعات التحويلية من شأنه أن يساهم في دحض البطالة وتعزيز النمو الاقتصادي وتنويع مصادره”، مبينا أن الحكومة تركز “على قطاعي الصناعة الدوائية والكيميائية”.

ويشير إلى وجود “تعاون مع الجهاز المصرفي في العراق، حيث سيتولى إقراض المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة. ويوضح أن هناك مسارين: الأول تنفذه السياسة المالية للصناعات الكبيرة بضمانات سيادية، والآخر تنفذه السياسة النقدية للمشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة بالتعاون مع الجهاز المصرفي”.

وعن المعوقات التي تعترض نهضة القطاع الصناعي في العراق، يحددها صالح بمشاكل تتعلق بالتمويل، وأخرى ترتبط بالأراضي الصناعية، اذ  نحتاج إلى خريطة جغرافية صناعية تساهم في توطين الصناعات بشكل ميسر، بالإضافة إلى وجود مشاكل في البنية التحتية”.

ويعد قطاع الصناعة التحويلية من القطاعات الرئيسية في تنمية الاقتصادات بلدان الصناعية الحديثة، باعتباره محركا رئيسيا في تنويع اقتصادها فهو يضمن زيادة القيمة المضافة، ويساعد في تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع والمنتجات من صادرات البلد مما يحسن من الموازين الاقتصادية، ويساهم في تقدمها كما يساهم في رفع مستوى دخول الافراد وله القدرة على استيعاب القوى العاملة الفائضة ما يقلل من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع.

مؤشرات النجاح والفشل

يقول المتخصص في التنمية الصناعية والاستثمار عامر الجواهري: أن التنوع في الصناعات العراقية على مختلف أنواعها كبير ومهم، إلا أنه يشير إلى أنه يشهد “تدهورا كبيرا”، حيث اختفت وتقلصت العديد من الصناعات التي كانت موجودة في القطاعين الحكومي والخاص وحتى المختلط. وأصبحت هذه الصناعات تواجه صعوبات وتحديات تضعف من إمكانية استمراريتها وتنافسيتها.

ويضيف الجواهري خلال حديثه مع “طريق الشعب”، ان العديد من المشاريع المتميزة نفذت من قبل القطاع الخاص، واعتمدت على حاجة السوق المحلية المتصاعدة، وحظيت بسياسة تسويق ناجحة، ومنتجات عالية الجودة، مشيرا الى أن “هذه العوامل تساهم في نجاح الاستثمارات المحلية، بشرط توفير وسائل تمكينها من قبل المؤسسات الحكومية المعنية”.

ويؤكد الجواهري، أن “حاجة السوق المحلية وتوفر المواد الأولية، بالإضافة إلى الدراسة الاقتصادية ودراسة السوق، وتوفر القدرات الفنية والتمويلية والإدارية والتسويقية، هي عوامل تعزز نجاح الاستثمار المباشر المحلي في هذا القطاع”.

ويعتبر أن “مساهمة المؤسسات الحكومية المختلفة من خلال مجلس التنسيق الصناعي غير المفعل ومجلس تطوير القطاع الخاص تحت مظلة المجلس الوزاري للاقتصاد، لها دور مهم في التمكين المادي والفني للمستثمرين وتوفير الأمن وحماية المنتج المحلي”.

ويشدد على أن “هذه العوامل تعتبر حاسمة في التحرك لتطوير الصناعات التحويلية بكافة قطاعاتها وجهات تمويلها في القطاعات العام والخاص والمختلط. كذلك في جذب الاستثمارات المباشرة الأجنبية من خلال الشراكات”.

ويوضح، أن أحد أسباب تدهور الصناعات التحويلية في البلاد هو “انفتاح الأسواق العراقية على المستورد منذ التسعينات، ما أثر سلباً على واقعها”، مضيفا أن “الفكرة من الانفتاح كانت غايتها جلب البضائع من قبل من يمتلكون أموالاً خارج العراق، إلا أنه في الحقيقة أصبح مالكو الأموال يستوردون البضائع ويحولونها للعملة الصعبة منذ ذلك الحين ليتم اخراجها، ما جعل الدينار العراقي يضعف أمام الدولار منذ ذلك الوقت، واستمر التوجه بالانفتاح غير المحدود على استيراد البضائع والابتعاد عن تطلعات زيادة رقعة الانتاج المحلي أفقيا وعموديا”.

ويبين، أن “العراق مهيّأ للبدء بالعديد من النشاطات الصناعية، منها الصناعات التي كانت تنتج في القطاع المختلط والتي كانت غالباً منتجات منزلية”، مشيرا الى أن “البلد لا يستطيع أن ينتج كل ما يحتاجه السوق، لكنه بالإمكان تصنيع المواد الأكثر حاجة وطلباً في الأسواق العراقية، وهنا يمكن التعاون والتنسيق بين جميع أصحاب العلاقة”.

ويتابع قائلاً إن “العراق أهمل على مدى سنوات طويلة صناعة مهمة تعتمد على الغاز الطبيعي كمادة أولية، مثل صناعة الأسمدة الكيميائية – اليوريا، والصناعات البتروكيميائية، وهي صناعات كبيرة ذات جدوى للاستهلاك المحلي والتصدير. كذلك تأخر العراق في استثمار وتصنيع العديد من الموارد المعدنية المتوفرة في البلاد، ومن الضروري الآن استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال الشراكات مع القطاعين الخاص والعام لتوفير الضمانات الجاذبة.”

وأكد ضرورة التخطيط بعيد المدى لاستثمار الغاز الطبيعي، المتوقع أن يكون متوفرًا بكميات كبيرة بين عامي 2028 و2030 وفقًا للتصريحات الرسمية، لأغراض الصناعة. ويجب أن تتناغم الخطط الإنتاجية لاستثمار الغاز، سواء المحروق أو ضمن جولات التراخيص، مع المشاريع الصناعية الجديدة. على سبيل المثال، العقد الذي تم توقيعه مؤخرًا مع شركة صينية لتنفيذ مصفى الفاو ومحطة كهرباء للطاقة النظيفة، يليه في المرحلة الثانية إنشاء مشروع للصناعات البتروكيميائية، وهو تحدٍ كبير تأخر العراق في الخوض فيه لأكثر من أربعة عقود.

ويؤكد أن تنفيذ الصناعات الكبيرة بالتوازي مع حزمة المشاريع المتنوعة ضمن مشروع الدولة الكبير “طريق التنمية” يمكن أن يضع العراق على مسار التنوع الاقتصادي.

ضعف حكومي

فيما يقول الخبير الاقتصادي إبراهيم الشمري: إن “الصناعات التحويلية تُعد أحد القطاعات المهمة والرائدة في العالم”، مشيرا إلى أن “العراق يمتلك المؤهلات لاستيعاب هذا النوع من الصناعات، خاصة مع توفر المواد الأولية والأيدي العاملة الباحثة عن العمل، بالإضافة إلى وجود مختصين وخبراء في كافة أنواع الصناعات التحويلية”.

ويبين الشمري لـ “طريق الشعب” أنه “تم إنشاء بعض محطات التصفية من قبل وزارة النفط، المتعلقة بقطاع الصناعات التحويلية، إلا أن هناك غيابًا لاستثمار باقي القطاعات الأخرى مثل الزراعة”.

ويؤشر وجود ضعف من وزارة الزراعة وصندوق التنمية في العراق، في هذا الشأن، مؤكدا ان العراق يملك “فرصًا في صناعة المواد البلاستيكية، نظرًا لحاجة السوق المحلية الملحة لهذا المنتج”، إلا أن الحكومة غافلة عن هذه الجوانب بشكل نسبي، بحسب الشمري.

وختاماً، يتأمل الشمري أن “تلتفت الحكومة الحالية إلى قطاع الصناعات التحويلية، إذ سينعكس ذلك إيجاباً على الواقع الاقتصادي للمواطن، كما سيساهم في تشغيل أيدٍ عاملة جديدة”.

عرض مقالات: