اخر الاخبار

14 تموز والهوية الوطنية الجامعة

نشرت جريدة الشرق الأوسط بنسختها الإنكليزية، مقالاً للكاتب حازم صاغية حول الصراع السياسي والفكري الجاري في العراق منذ عقدين، أشار فيه إلى أن البلاد تبدو اليوم وكأنها هوية تبحث عن موقع، وموقع يبحث عن هوية، رغم مرور قرن على تأسيس الدولة العراقية الحديثة.

إعلاء الهويات الفرعية

وذكر الكاتب بأن هناك من يسعى بكل قوة للتركيز على الهويات الفرعية المتعددة في العراق، مقابل آخرين يسعون لمواءمة الموقع والهوية وربطهما بمجتمع وطني متعايش. ونبّه المقال إلى الجهد الذي يبذله الجانبان لمنح توجهاتهما مصداقية ما من الأساطير والدين والثقافة، دون أن يبديا شغفاً بالعثور على الحقيقة، أو الانتماء إلى رواية تاريخية موضوعية، في وقت تحقق فيه القوى السياسية المتنفذة في المشهد منذ 2003، نجاحات مهمة في كسب الموالين على أساس القرابة أو الانتماء الطائفي أو القومي، وبالتالي الهيمنة على القرار وعلى التوجهات المستقبلية.

14 تموز والوطنية العراقية

واشار الكاتب إلى أن مجلس النواب العراقي قد أقر مؤخراً قانوناً للأعياد والعطل الرسمية، اختفى منه الإحتفاء بيوم 14 تموز، الذي اعتبر عيداً وطنياً لسنوات عديدة. وأضاف بأن ميزة التغيير في 14 تموز 1958 عن غيره من التغييرات التي حدثت في المشرق العربي، تكمن في سعيه إلى ترسيخ شكل من أشكال الوطنية التي توحد سكان البلاد وترتبط بـ “أسطورة تأسيسية”، حيث انعكس ذلك في علم الجمهورية الذي ترمز ألوانه المختلفة إلى مجتمعاتها المتنوعة، فضلاً عن محاولة التوفيق بين تاريخ بلاد ما بين النهرين القديم وتاريخ البلاد الحديث، والعمل على توحيد العرب الذين مثلهم شعر صفي الدين الحلي والأكراد الذين مثلتهم الشمس، رمزهم الأسطوري القديم. وذكّر الكاتب صاغية بالحساسية التي تميزت بها حكومة 14 تموز تجاه تأكيد الوطنية العراقية، هذه الحساسية التي بدت واضحة، من بين أمور أخرى، في نصب الحرية الضخم الذي أقيم في وسط بغداد والذي أمرعبد الكريم قاسم ببنائه بعد أن انتهى النحات والرسام الشهير جواد سليم من العمل عليه في عام 1961. وأضاف بان هذا النصب يعّد احتفاءً ابداعياً بتاريخ الفن العراقي القديم، من خلال نقوشه البابلية والعباسية، وبمواطني العراق، الذين يصورهم كشرائح من المجتمع تكافح وتكدح وتعاني.

الاغتيال المستمر للحدث

وذكر المقال بأن أول تخلٍ عن هذا العلم وما يرمز له حدث في الانقلاب البعثي الأول عام 1963، فيما يأتي الغاء الاعتراف الرسمي بتاريخ 14 تموز اليوم، للقضاء على أبرز الجهود الرامية إلى إرساء شكل من أشكال الوطنية القادرة على جمع العراقيين معاً.

وأضاف بأن هذا ما حاول المثقفون العراقيون تسليط الضوء عليه في بيانهم المندد بالتطورات التي تشهدها بلادهم حالياً، وربطهم الموقف التدميري الجديد بـالعمليات الممنهجة المستمرة منذ عقدين من الزمن، بهدف تجريد الدولة العراقية من مقوماتها الحيوية، بما في ذلك حل وإلغاء رموزها السيادية. كما ربط المثقفون هذه الخطوة الأخيرة بعدم إقرار مشروع قانون العلم العراقي والنشيد الوطني، معتبرين ذلك جهدا متعمدا لتفكيك الدولة العراقية، وتمزيق النسيج الاجتماعي، والنيل من الدولة المدنية وتفتيتها وإبدالها بكيانات بديلة على أساس هويات فرعية ضيقة وولاءات طائفية وعرقية وقبلية، وهو ما روجت له بعض القوى التي تدير البلاد منذ سقوط الدكتاتورية.