اخر الاخبار

العراق وانتفاضة تشرين

نشرت مجلة Clingendael دراسة لمارسين الشمري، كانت قد أعّدتها لصالح المعهد الهولندي للعلاقات الدولية، حول الأوضاع السياسية في العراق ومسار تطورها خلال السنوات الأربع الماضية التي أعقبت انتفاضة تشرين، أشارت فيها إلى أن ردود أفعال النخب والأحزاب السياسية التقليدية على حراك تشرين، اتسمت بمزيج من الاستقطاب أو محاولات القمع أو القبول بالإصلاح شريطة المحافظة على النظام السياسي ومنظومته الحاكمة.

المسبب المجهول

وأكدت الدراسة على أن هيكل المنظومة الحاكمة، والذي يتشكل من أحزاب متعددة وقوى متداخلة، يجعل من الصعب تحديد الطرف المسؤول عما تعيشه البلاد من سوء الخدمات وتفشي الفساد وفوضى الحكم والتلكؤ في برامج التنمية، الأمر الذي يصبح يسيراً معه على هذه الأحزاب، المحافظة على حصتها في السلطة والثروة من جهة و”التبني” العلني لمطالب المنتفضين، حتى ولو كانت متعارضة في جوهرها مع سياسات هذه الأحزاب، والسعي لتصدر المشهد والإستحواذ على تمثيل الناس وخطف شرعية حراكهم من جهة أخرى.

ديماغوجية “ناجحة”

وأعربت الكاتبة عن اعتقادها بأن للانتفاضة تأثيرا دائما على ذاكرة العراقيين، وإن كان تأثيراً محدوداً، وهو ما تحسب له الحكومات الحساب، وتضطر بسببه لتقديم المزيد من الخدمات، تجنباً لتجدد الاحتجاجات، ولكي لا تضطر للقيام بإصلاح بنيوي. وأضافت بأن حراك تشرين، الذي كشف زيف ادعاء القوى التقليدية تمثيل الدولة، شكّل جرس إنذار لهذه القوى ودفعها لمواجهة المخاطر المحتملة. وقد ظهرت جراء ذلك قدرة النظام السياسي العراقي القائم، حتى الآن على الأقل، على الصمود في مواجهة مطالب تشرين، خاصة تلك المتعلقة بالتغيير الجذري، بغض النظر عن نجاح المحتجين في إنشاء أحزاب جديدة، كوسيلة للتأثير على السياسة العامة في حدود مقبولة.

وذكرت الدراسة بأن من أهم ما تضمنته سياسة المواجهة، تبني القوى الممسكة بالسلطة لسياسات متشددة، سواءً في التشريعات الإقصائية مثل قانون الانتخابات الجديد أو في حملات القمع المستتر ضد المخالفين، مع التأييد الشكلي لأهداف الحراك الإحتجاجي وفرض بعض الشعارات القومية الغائمة عليه، إضافة إلى تغيير جيلي في شخوص رؤوساء الحكومة، مع الإبقاء على التوافق كطريقة في إختيارهم.

الثقة بالغد

وحول آفاق تطور الحراك الإحتجاجي لتشرين، أشارت الدراسة إلى إنه ورغم ما واجهه الحراك من قمع عنيف، راح ضحيته مئات الناشطين ولقي الكثيرون صعاب حياتية وعقوبات إدارية وقضائية واضطر بعضهم للهجرة بعيداً عن مدنهم وبيوتهم، فإن بقاء أعداد غير قليلة من المنتفضين في الساحة السياسية ومشاركتهم في الإنتخابات القادمة، كمنافسين حقيقيين للأحزاب التقليدية الحاكمة، يمثل أملاً مهماً.

ورأت الدراسة بأن نجاح المتنفذين في المواجهة، وإن خيب في البداية آمال الثوار الذين قادوا الاحتجاجات عبر الساحات في مدن العراق المختلفة، فإنه دفع بإتجاه ظهور موجة من الجماعات السياسية التي قد تتحدى في نهاية المطاف الأحزاب السياسية الحاكمة منذ عقدين من الزمان.

ونبهت الدراسة إلى أهمية اليقظة مما يحاك لهذه الحركات من خطط لإجهاضها، حيث قررت المنظومة الحاكمة التخلي عن سياسة القمع المباشر، واللجوء إلى حملة أكثر سرية واستهدافًا لإسكات الأصوات السياسية المعارضة، والعمل على تشويه سمعتها السياسية بين الناخبين، باعتبارها قوى غير مؤهلة وغير مستعدة لتولي دفة القيادة، وإنها تغتصب الحكم من رجاله القادرين والمحنكين.

وخلصت الدراسة إلى أنه وعلى الرغم من قناعة النخب والأحزاب السياسية التقليدية، بقدرتها على منع تكرار ما حدث في تشرين، واستثمار أموال النفط في زبائنية مقرفة مع الناخبين، فإن نضوب هذه الأموال وتراجع دورها، سواء بسبب تدني الأسعار أوالإنفاق المنفلت، سيكشف زيف تلك القناعة.