اخر الاخبار

ظلت غالبية قصص التحرش حبيسة صدور ضحاياها، التي تدرك أن كشفها قد يضعها في خانة الإدانة، في ظل عادات وتقاليد مجتمعية لا ترحم النساء.

وطبقا لمراقبين، فان القانون العراقي لم يضع نصوصا خاصة بحالات التحرش بشكل واضح وصريح، الأمر الذي يجعل تلك الظاهرة تتفاقم في الواقع وفي مواقع التواصل الاجتماعي.

العلاج النفسي

وتستغرب العديد من الفتيات عند تصفحهن مواقع التواصل الاجتماعي وجود رسائل وصور تخل بالآداب العامة من أشخاص مجهولين او قد يكونون معروفين.

تقول الباحثة النفسية إيناس هادي، لـ «طريق الشعب»: إن «اغلب حالات التحرش انتقلت الى مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها لا تزال موجودة في الشارع، وأماكن العمل والدراسة»، معتبرة أن «آثار التحرش التي تترك على الفتيات سواء ما كان منها بالقول أو الفعل يصعب ان تزول، وتحديدا تلك الأفعال التي تنتج من الأهل والأقارب».

وتضيف، أن «الفتيات عادة ما يتخوفن من البوح أو الحديث عند تعرضهن للتحرش، بسبب الخوف من ردود الفعل»، مردفة انه «خلال الفترات الأخيرة شهدنا خروج العديد من الفتيات عن الصمت؛ حيث أصبحن يقدمن الشكاوى، ويلجأن إلى الطب النفسي. كما يقاومن ويوبخن بقوة من يتعرض لهن في الأماكن العامة وحتى الخاصة».

وتشدد على أهمية عدم تهاون الأهالي مع حالات التحرش التي يتعرض لها أطفالهم او فتياتهم، مشيرة الى وجود حالات تحرش طالت الذكور من الأطفال: «عدم اللجوء الى العلاج النفسي قد يحول الضحية إلى متحرش في المستقبل».

غياب الإحصاءات

وتغيب الإحصاءات الرسمية المتعلقة بأعداد ضحايا التحرش، وترجع الجهات المعنية السبب في ذلك إلى خصوصية الأفراد. فلا توجد سوى أرقام صادرة عن جهات غير حكومية.

تقول الناشطة النسوية مرح إياد: إن ٧٠ في المائة من حالات التحرش تحدث في الأسواق ووسائل النقل ومؤسسات الدولة وحتى القطاع الخاص. وبالرغم من وجود مواد قانونية تحد من التحرش في أماكن العمل، الا ان المشكلة تكمن في غياب الآليات الواضحة وعدم وعي الأفراد بالقوانين. وتصف إياد القوانين العراقية بأنها «شبه مشجعة على التحرش، إذ لا يُعقل عدم وجود قانون يتحدث عن التحرش، أما المواد المتواجدة فهي خفيفة ولا تتناسب مع جسامة الفعل الجرمي».

وعن سبب إلزام بعض الفتيات بالصمت، تبين إياد لـ «طريق الشعب» أن «العديد من حالات التحرش تُعتبر قضايا غسل عار، وإحدى الحالات كانت لطفلة لم يتجاوز عمرها السابعة، مما يبرر سبب صمت النساء وخوفهن»، مشيرة إلى أن «بعض أفراد الأجهزة الأمنية يتواطؤون مع المتحرشين، من خلال دفع النساء إلى الصمت عن الابتزاز والتحرش الذي يتعرضن له».

وترى مرح، أن «المجتمع يساهم في استمرار مفاقمة ظاهرة التحرش. ففي السنوات الأخيرة، تلقيت العديد من الشكاوى من أستاذات، طالبات جامعيات، وطبيبات، ومعلمات، وموظفات يبحثن عن حلول لمشكلات التحرش دون اللجوء إلى القضاء. فهن يعرفن أن إخبار عائلاتهن سيؤدي إلى حرمانهن من متابعة العمل أو الدراسة، بالإضافة إلى تعرضهن للعنف وتشويه السمعة».

وتؤكد مرح وجود «حملات تدعو إلى إقرار قوانين رادعة لظاهرة التحرش، بالإضافة إلى مطالبات بجعل تشريع هذه القوانين جزءًا من التعهدات السياسية خلال الحملات الانتخابية».

مصطلح التحرش

يقول المحامي مصطفى الجبوري: إن «التحرش يُعد أحد الظواهر الشائعة في العراق والمنطقة عامةً»، مبينا أن «مصطلح التحرش لم يرد في قانون العقوبات العراقي مطلقا، وذكر مرة واحدة في قانون العمل»، حيث يعتبر مصطلحاً حديثاً، وفقا للجبوري.

ويضيف الجبوري لـ «طريق الشعب»، أن «عقوبة التحرش وفقا قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، أدرجت ضمن جرائم (هتك العرض)، وهي جزء من المادة 401 و402».

وتنص المادة 401 على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 6 اشهر وبغرامة لا تزيد على 50 دينار او بإحدى هاتين العقوبتين من اتى علانية فعلا مخلا بالحياء». اما المادة 402 فعقوبتها لا تتجاوز 3 اشهر و 30 الف دينار، لكل من طلب أمورا مخالفة للآداب، ومن تعرض لأنثى بالقول او الفعل في مكان عام.

ويعلق الجبوري على تلك المواد القانونية، بالقول أنها «لا تعتبر رادعا حقيقيا للحد ومنع التحرش»، حيث يجد ان هذه المواد لا تكفي لمكافحة الظاهرة.

وبتعدد أسباب التحرش تتعد الاثار السلبية على الضحايا، ولعل ابرزها «تدهور الحالة النفسية للضحية والتي قد تجعلهم يسلكون طرقا منحرفة مستقبلا ما لم يتم تدارك المشكلة، مما يتطلب توفير مساحات امنة للعلاج والإصلاح النفسي، يقع عاتقها على الحكومة بشكل اساسي»، بحسب الجبوري.

ويشدد الجبوري على أهمية «نشر التوعية والثقافة في المجتمع من خلال المدارس والجامعات ودور العبادة وحتى في الدوائر الحكومية والقطاع الخاص».

وعن سبب اخراج المتهمين بالتحرش براءةً، يوضح الجبوري أنه «غالبا ما يكون هناك صعوبة في اثبات التحرش من قبل الضحايا، تحديدا التحرش بالقول»، مبينا أن «الأدلة يجب ان تقترن بدلالة عينية وشهود عدد 2».

عرض مقالات: