اخر الاخبار

برغم ما حققته ثورة ١٤ تموز المجيدة من مكاسب وإنجازات سياسية واقتصادية واجتماعية لم تزل مضيئة حتى الان، يحاول البعض طمس هذه المناسبة وتغييبها من ذاكرة العراقيين، الذين عانوا من الفقر والجوع والتخلف والتبعية في مرحلة ما قبل عام ١٩٥٨، قبل ان تنفجر الثورة بوجه النظام الملكي ومن يقف وراءه، مدعومة بتأييد شعبي قلّ نظيره، أسهم في شلِّ تحركات القوى المعادية للثورة داخلياً واقليمياً وعالمياً.

ويوم امس صوت مجلس النواب، على تعديل قانون العطل الرسمية المُرسل من الحكومة، والذي لم يتضمن عطلة 14 من تموز.

وكان الحزب الشيوعي العراقي، قال في بيان له إنه «تفاجأ بأن مشروع قانون العطلات الرسمية الذي أحالته الحكومة إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره لا يتضمن وضع ثورة 14 تموز 1958 ضمن قائمة الأعياد الرسمية، ولم يحدد اليوم الوطني لجمهورية العراق وقد أُضيفت له أعياد جديدة».

لنحترم تاريخنا!

قال عضو مجلس النواب السابق القاضي وائل عبد اللطيف: «استغرب كثيراً هذا التصرف ومحاولة تغييب هذه الثورة الوطنية المعبأة بالمنجزات»، معتبرا ان عدم احترام هذا اليوم خطأ جسيم، ففيه تحرر العراق فعلاً، وأصبحت له سيادة وقرار وطني.

وأضاف عبد اللطيف في حديث مع «طريق الشعب»، أن «الحقد الذي تكنه بعض الاطراف للحزب الشيوعي العراقي، لا ينبغي ان ينسحب لإلغاء مناسبة وطنية وتاريخية يعتز بها الشعب، ويفترض ان يدرج هذا اليوم ضمن العطل الرسمية للدولة».

وأشار الى ان «إنجازات عبد الكريم قاسم كانت كبيرة، وما حققته للعراق يدفع الجميع لاحترام 14 تموز، والاحتفاء بالثورة»، متسائلا «ما هي منجزات منظومة المحاصصة والفساد، في مقابل ما حققه قاسم في أقل من خمس سنوات».

وخلص الى القول: «ان هذه المحاولات لن تنجح، فهذه الثورة خالدة في وجدان العراقيين. يفترض بنا ان نتمسك بتاريخنا ونحترمه لا ان نهمشه ونغيبه».

الثورة خالدة بمنجزاتها

ودان المنسق العام للتيار الديمقراطي العراقي أثير الدباس، هذا الفعل القبيح، الرامي الى الغاء يوم مهم من تاريخ الدولة العراقية، مشيرا إلى أن «هذه الثورة غيّرت مسار البلد، وحررت الشعب من الاقطاع والعبودية، وذهبت بنا الى مسار الحرية».

وقال الدباس في حديث مع «طريق الشعب»: ان «مشروع القانون الذي قدّم الى مجلس النواب، أول مرة، كان يتضمن وجود عطلة ليوم 14 تموز، لكن فيما بعد تم سحبها من المشروع»، لافتا الى ان «الغاية من ذلك هو محو آثار وفكر ومنهاج هذه الثورة التحررية».

وأضاف أن «سحب مناسبة الثورة من قائمة العطل الرسمية للدولة، محاولة بائسة لتغييب كل ما هو وطني»، مردفا ان تلك المحاولات لن تمحوها من ذاكرة العراقيين.

واختتم تصريحه بأن «ثورة 14 تموز المجيدة اسقطت الحكم الملكي، وحققت قفزة كبيرة على المستوى الوطني، وخلصت الشعب من معاناة ومآسٍ كبيرة».

اليوم الوطني الوحيد

من جانبه، عدّ السياسي زهير ضياء الدين، أن «ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة، هي اليوم الوطني الحقيقي الوحيد الذي شهده العراق، اليوم الذي غيّر نظام الحكم الملكي الى جمهوري، وخلصنا من نظام استعماري مرتبط بالأحلاف الاجنبية».

وقال ضياء الدين لـ»طريق الشعب»، إنّ «الثورة كانت من ثمارجبهة الاتحاد الوطني التي قامت عام 1957 والتي ضمت مختلف القوى الوطنية، وكان من ضمنها الحزب الشيوعي العراقي، ومن خلال الضباط الاحرار استطاعت هذه الثورة المجيدة ان تحقق اهدافها».

واكد ان» الموقف من هذه الثورة اليوم يثير العديد من التساؤلات والاستغراب من سحب يوم وطني بامتياز يهم كل عراقي من الذاكرة العراقية؟»، لافتا الى ان «انجازات الثورة بعد كل هذه العقود ما زالت شاخصة، وتمثل علامة بارزة في تاريخ العراق الحضاري والعمراني».

وتابع ضياء الدين قائلاً: «للأسف يحاولون اليوم اطفاء هذا النور الساطع في تاريخ العراق، واهمين ان الشعب العراقي بذاكرته وقواه الوطنية سينسون او ان تهتز عزيمتهم. سنتمسك بقوة بهذا التاريخ باعتباره إحدى العلامات المضيئة في التاريخ الذي يمثل الحقيقة، بينما هم قابعون في مزابل التاريخ».

ثورة وطنية لا نزعة فردية

أما ‏الكاتب والصحفي فلاح المشعل، فذكر أن ثورة 14 تموز «اشتركت في التخطيط لها وتأييدها خمسة أحزاب سياسية عراقية سميت بجبهة الاتحاد الوطني، وبالتنسيق والتشاور مع عدد من الضباط الأحرار»، مشيرا الى ان «عبد الكريم قاسم لم يكن من أمر بقتل العائلة الملكية، بل كان غاضباً لهذا الحدث الإجرامي، الذي قام به ضابط أرعن ومندفع بتأييد من عبد السلام عارف».

‏وأضاف قائلا لـ»طريق الشعب»، ان «14 تموز كانت ثورة شعبية تقدمية انفجر بها الشعب العراقي وبلغ مرحلة الهستيريا، كما وصفها لي أحد من عايشوها، وهذا يعني أنها لم تكن انقلاباً، بل ثورة شعبية قاعدتها فقراء الوطن من العمال والفلاحين والشباب والمرأة، وهؤلاء جميعاً اشتركوا في تأييدها وإنجاحها، ما يعني إنها كانت ثورة بطابع وطني عام، وليس نزعة فردية لعبد الكريم قاسم، الذي عرف بالنزاهة واليد النظيفة، ما يجعله أشرف حاكم مر بتاريخ العراق الحديث».

وتابع قائلا: ان “ثورة 14 تموز أحدثت تغييرا بنيويا في القوانين المدنية وسلطة القضاء وتحرير ثروات البلاد من الشركات الاحتكارية وتأميم النفط ومشاريع الاصلاح الزراعي، وإنهاء مرحلة الاقطاع وغيرها من القرارات والقوانين التي جاءت لمصلحة الأكثرية من الشعب العراقي. تلك التغييرات الجوهرية تعطي لها صفة الثورة على واقع كان يتسم بالسكون والتفاوت الطبقي الصارخ”.

‏وزاد بالقول ان “ثورة تموز اولت لكرامة المواطن العراقي أهمية كبيرة، حين وفرت له مساكن جديدة كما في مدينة الثورة/ الصدر حاليا، والشعلة ونواب الضباط، والمعلمين وبقية شرائح المجتمع”، مشيرا الى ان “تلك المبادرات الإنسانية والمعيشية لم تكن موجودة في العهد الملكي، ولا بعد زمن عبد الكريم قاسم، بينما يشهد التاريخ أنه مات وليس لديه دار سكن، ولا لأهله أو أخوته”.

‏وأردف قائلا: “نعم، ان الثورة كان فيها أخطاء، وأبرزها الفوضى في القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأن العقلية العسكرية المتصدية للحكم لم تبلغ مرحلة النضج السياسي والثقافي والإداري في حينها”، مضيفا ان هناك “نزقا سياسيا لدى بعض المستجدين في عالم السياسة، الذين لم يعملوا مقاربات موضوعية دقيقة لزمن ثورة 14 تموز وأسبابها وأحداثها وظروفها الداخلية والخارجية، فتراهم يشتمونها بروح ملكية أكثر من الملك”.

“تُذكرهم بفشلهم” 

قال الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان: “اذا تحدثنا عن ثورة 14 تموز فالحديث طويل جداً، فعلى اقل تقدير نقلت العراق من حكم ملكي متخلف الى جمهوري سعى لخدمة ابناء الشعب، اضافة الى الاجراءات الكثيرة التي اتُخذت في عملية الاصلاح وتشريع القوانين، وفي مقدمتها قانون الاصلاح الزراعي لتطوير القطاع الزراعي، وقوانين اخرى مثل قانون العمل والضمان الاجتماعي للعمال. كذلك خروج العراق من حلف بغداد، والخروج من منطقة الاسترليني”.

وأضاف في حديث لـ”طريق الشعب”، أن كل هذه “اجراءات تقدمية يسارية، وعند النقاش فيها نجد انها مليئة بالمنجزات، مثل قانون رقم 80 لحصر الاراضي غير المستثمرة من الشركات النفطية، التي كانت ضربة قاتلة لشركات النفط الغربية الفرنسية والهولندية والبريطانية والامريكية”.

وتابع، أنّ “من المؤسف ان تجري محاولات لطمس انجازات ثورة 14 تموز التي انتصرت للشعب العراقي وانتزعت حقوقه واعادتها اليه، واصبحت شعلة في المنطقة، التي باتت تتطلع لإجراء تغييرات جذرية في جوهر الانظمة المتخلفة. ونال العراق بعدها استقلاليته الحقيقية بكل بمعنى الكلمة”.

وزاد في قوله: إن “الانجازات كبيرة خصوصاً في مجال الصحة والتعليم ورفع الاجور وتقليل نسب الفقر”، معللا محاولات طمس هذه الذكرى “بكونها تذكر الطبقة السياسية بفشلها الذريع خلال عقدين في تحقيق ربع ما حققته الثورة بظرف 4 سنوات فقط”.

وواصل حديثه بان “منظومة المحاصصة والفساد لم تنجز خلال عشرين عاما اقل من 5 في المائة مما انجزته ثورة تموز المجيدة، التي اعتبرت في وقتها ثالث ثورة بعد ثورتي اكتوبر والصين”.

واشار الى ان “الانجاز الاقتصادي كان كبيرا في مختلف المجالات، اضافة لبناء 70 مشروعا صناعيا ما زالت قائمة حتى الان”.

14 تموز ترعب المتآمرين

فيما قال عضو التيار القاسمي واثق حمد الحمامي، إنَّ “ذكرى ثورة 14 تموز في العراق تحمل في طياتها مشاعر فخر واعتزاز للشرفاء من أبناء الشعب، برغم التحديات والمؤامرات التي حاولت النيل من إرثها وأهدافها النبيلة. هذه الثورة التي قامت ضد الظلم والاستبداد، وحملت راية الحق، لا تزال رمزا للصمود والعزة في وجه القوى الرجعية والإقطاعية، وأولئك الذين سعوا لتشويه اسمها الناصع بالتعاون مع فتاوى دينية وأجندات خارجية”.

وقال في تدوينه تابعتها “طريق الشعب”، انه “برغم مرور أكثر من ستين عامًا، يبقى اسم ثورة 14 تموز مرعبًا لهؤلاء المتآمرين، الذين يحاولون عبثًا محوها من الذاكرة الوطنية ومنع الاحتفال بيومها كعيد وطني. لكن، وكما أظهرت الأجيال المتعاقبة، فإن إرادة الشعب أقوى من المؤامرات، والثورة تظل تنبض في قلوب الشرفاء فقط، وليس العملاء والخائنين”.

وخلص الى القول: “لقد خسر المتآمرون رهاناتهم. ستبقى ثورة 14 تموز رمزًا خالدًا للإرادة الشعبية والنضال من أجل الحرية والعدالة”.