فاجأت الحكومة، مساء الثلاثاء، العراقيين بقراراتها الجديدة التي شملت رفع أسعار البنزين، وتغيير أوقات الدوام، وإزاحة الباعة المتجولين عن الشوارع، وفرض ضرائب إضافية، الأمر الذي أثار استياء شعبيا وسجالا برلمانيا. وطبقا لتلك القرارات سيرتفع سعر البنزين المحسن إلى 850 دينارًا للتر الواحد، والممتاز إلى 1250 دينارًا، اعتبارًا من الأول من ايار. بالإضافة إلى تغيير أوقات الدوام للموظفين في مؤسسات الدولة، وتم اتخاذ خطوات لإزالة التجاوزات والباعة المتجولين عن الأرصفة والشوارع، بينما تجري دراسة زيادة رسوم تسجيل المركبات.
غرامات ثقيلة
ويشكو سائقو مركبات التاكسي من غرامات كبيرة بدأت تفرض على حركة السير في بعض شوارع بغداد، تزامنا مع تطبيق نظام مروري الكتروني جديد، مؤكدين انها أخذت تحاصر عملهم ومعيشتهم.
ويقول مواطنون، ان رفع أسعار الوقود والضرائب، تنعكس سلبا على كاهل المواطنين من ذوي الدخل المحدود.
ويعد سائقو التاكسي، ان قرار رفع أسعار البنزين «جائر» ويشكل استغلالا واضحا للشعب، مشيرا إلى أن ترفض الحكومة سياسة تجويع بصورة هادئة، في اشارة الى الضرائب التدريجية التي تعتزم الحكومة فرضها مستقبلا.
نائب: قرار خاطئ
وقال عضو لجنة الخدمات النيابية احمد مجيد، ان قرار الحكومة برفع أسعار البنزين خاطئ، لأن الحكومة اعتبرت مستخدمي البنزين المحسن والممتاز فقط لأصحاب الدخل الجيد، وهذا غير صحيح.
وأضاف، أن «الحكومة عندما اتخذت القرار اعتبرت ان من يستخدم البنزين المحسن والممتاز هم فقط من أصحاب الدخل الجيد، وهذا خطأ»، ملوحا بأن مجلس النواب سيتدخل في هذا الصدد لمنع تمرير أية قرارات يمكن ان تؤثر على المواطنين. واعتبر عضو لجنة النفط و الغاز النيابية، باسم الغريباوي، ان لا سندا قانوني أو حتى اشارة في الموازنة العامة يدعم قرار رفع اسعار الوقود الذي قررته الحكومة، وفيما بين سعي لجنته استضافة وزير النفط للوقوف على أسباب هذا القرار، ابدى مخاوف من قرارات اخرى لرفع اسعار باقي المشتقات النفطية.
عضو اللجنة الغريباوي، قال ان “اللجنة عقدت اجتماعا لمناقشة قرار رفع البنزين المحسن والسوبر”، مبينا انه “لا يوجد قانون او مادة في الموازنة تدعم هذا التوجه”.
واضاف، ان “اللجنة تعمل الآن على استضافة وزير النفط لمعرفة الاسباب التي تم الاستناد اليها برفع اسعار البنزين المحسن تحديدا، كونه لا يختلف عن البنزين العادي بشيء، وقد يكون البنزين السوبر بحاجة الى رفع الاسعار بسبب عملية استيراده والتحسينات التي تدخل عليه”.
واوضح، ان “اللجنة ستعمل على ابقاء اسعار الوقود العادي على ما هي عليه، من دون احداث اي تغيير، وهو مستخدم في مركبات النقل والاجرة، لكي لا تتغير كلف النقل”، بحسب رأيه. واشار النائب، الى ان “اللجنة ستبقى على تواصل مع الحكومة بهذا الخصوص لحين معرفة حيثيات القرار”، موضحا ان “اللجنة ستحاول معرفة اذا ما كان هناك توجه لرفع اسعار وقود زيت الغاز (الكاز) وفي حال حصول مثل هذا الامر، سيؤثر بشكل كبير على المواطنين، كونه يدخل في عمل وسائط النقل ومولدات الكهرباء”.
خطة حكومية لتحصيل الضرائب
وكشفت الهيئة العامة للضرائب عن خطة الحكومة الاتحادية لتحصيل الضرائب من 85 جهة جديدة لم تكن مشمولة ضمن قوانين الجباية سابقًا، وتشمل هذه الجهات شركات سيارات التاكسي والإعلانات والمشاهير والفنادق والمطاعم.
وأثارت هذه القرارات جدلًا واسعًا بين العراقيين، حيث تساءل الكثير عن الفئات التي ستتأثر بهذه القرارات؟
النائب سردي نايف، عضو لجنة الاقتصاد والصناعة والتجارة، حمّل الحكومة مسؤولية القرارات الأخيرة التي تضمنت فرض ضرائب على عدة قطاعات، محذرًا من مغبة ارتفاع أسعار السلع والبضائع التي تؤثر مباشرةً على حياة المواطنين.
وأوضح نايف، أن رفع الرسوم على قطاعات مثل الوقود سيؤدي إلى ارتفاع أسعار القطاعات الأخرى، ما ينعكس سلبًا على المواطن والدولة على حد سواء، داعيًا الحكومة إلى «ضرورة مراجعة قراراتها، خاصة تلك التي تمس مصلحة المواطن». وأعرب عن قلقه من احتمالية لجوء القطاعات الخدمية الأساسية التي تُقدم مجانًا مثل التعليم والرعاية الصحية، الى فرض ضرائب على المستفيدين منها.
تقليص الدعم المقدم للمواطنين
الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان يعتقد أن القرارات الحكومية الأخيرة تحمل في طياتها عدة دلالات، مشيرًا إلى أن زيادة أسعار البنزين تأتي استجابةً لمطالب مؤسستي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بهدف تقليص الدعم الحكومي والنفقات المقدمة للمواطنين.
وأضاف في حديثه لـ»طريق الشعب»، أن الوقت الذي اختارته الحكومة لتنفيذ هذه القرارات لم يكن مناسبًا، نظرًا للوضع الاقتصادي العام المتردي في البلاد، مع وجود جمود وضعف في الحركة الاقتصادية.
وأكد أن الحكومة ستكون المستفيد الوحيد من هذه القرارات، بينما ستتحمل الطبقات الفقيرة العبء الأكبر، خاصةً في ظل غياب فرص العمل التي قد تخفف من تأثير التضخم، ما يعني أن الطبقات الهشة والفقيرة ستدفع الثمن، بينما لن تتأثر الطبقات الغنية بهذه القرارات.
تضييق الخناق على الحياة
رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، علّق على القرارات الأخيرة قائلًا إنها «لا تخدم المواطن العراقي وتُعَدُّ سياسات قد تُضيِّق الخناق على مستويات الحياة العامة. بالإضافة إلى ذلك، هذه السياسات لا تأخذ بعين الاعتبار الجدوى الاقتصادية، انما تُفاقِم من حالة الاستياء العام». وأضاف في حديثه مع «طريق الشعب» أن «كل هذا لا يصب في مصلحة الفئات المُهمَّشة والمُستضعَفة، ويبدو أن الهدف منها هو جمع الأموال لمعالجة الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة».
وأشار الشمري إلى أن «الحكومة كان يجب أن تُركِّز جهودها نحو قضايا أكثر أهمية، مثل معالجة ضعف القيمة الشرائية للعملة العراقية وتحسين الخدمات، وهو ما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمكافحة الفساد واسترداد الأموال من الفاسدين».
وتابع، ان «الشعب العراقي لم يعد قادرًا على تحمل المزيد. لا يمكن معالجة الأخطاء الاقتصادية بتحميلها على كاهل المواطنين الذين يعانون من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والضرائب». وحذر الشمري بالقول من أن «هذه القرارات، وكذلك القرارات المستقبلية التي تنوي الحكومة تطبيقها تدريجيًا، ستزيد من حالة الاحتقان الشديدة التي قد تؤدي إلى اضطرابات في الشارع».