اخر الاخبار

تحاول القوى المتنفذة تحريك جميع الاوراق التي يُعتقد أنها تعزز رصيدها الانتخابي؛ ومن بين تلك الأوراق ما كشف عنه مجلس القضاء الأعلى من تلقيه طلبات اعادة التحقيق او المحاكمة وفق قانون العفو العام، فيما أكد ونفى نواب وجود مساعي لإصدار قانون عفو عام جديد.

وقبل أقل من شهر، اشتكى مجلس القضاء الأعلى من “كثرة” ترويج طلبات إعادة المحاكمة لبعض المدانين، مشيرا الى ان هذا الحراك “أثقل الاجهزة الإدارية”، الأمر الذي دعا قانونيين الى مطالبة السياسيين بتجنيب القضاء شر “الوساطات”. 

ويؤيد باحثون اجتماعيون يعملون في سجون حكومية، طرح عفو للسجناء، في ظل ما تعانيه السجون من اكتظاظ بالنزلاء في زمن تفشي جائحة كورونا. 

وتتضارب التصريحات بين أعضاء اللجنة القانونية البرلمانية، بشأن وجود مسودة قانون للعفو العام.

 فبينما أكد النائب حسن فدعم اعتكاف لجنته على دراسة مسودتين لمشروع قانون عفو عام “مشروط”، نفى زميله في اللجنة ذاتها النائب حسين العقابي، “وجود تحرك نيابي” تجاه ذلك. ويؤيده بذلك النائب صائب خدر الذي قال: ان التحرك يحمل “أهدافا وغايات انتخابية وسياسية”.

مسودتان لعفو جديد

وقال عضو اللجنة القانونية في البرلمان، النائب حسن فدعم، في تصريح طالعته “طريق الشعب”، إن لجنته أعدّت مسودتين لتشريع قانون العفو الجديد، موضحا أن المسوّدة الأولى “تتضمن اصدار عفو يستثني المحكومين بالفساد المالي والإداري والمخدرات وزنا المحارم، فضلا عن بقية القضايا الجنائية”، فيما تنص الأخرى على “دفع بدل نقدي للمحكومين؛ إذ يخير المحكوم عليه حالياً أو من سيحكمون مستقبلاً بين قضاء مدة الموقوفية أو دفع بدل نقدي عن كل يوم أو شهر أو سنة من مدة محكوميتهم، مع استثناء الجرائم الجنائية من هذا العفو.”

وأضاف فدعم، أن المسودتين جاهزتان في اللجنة القانونية “ننتظر إشارة من رئاسة مجلس النواب، لإعدادهما وطرحهما على المجلس”.

تضارب التصريحات النيابية

 وأكد النائب صائب خدر ان “طرحا كهذا ربما له أهداف وغايات معينة، وغير مستبعد ان يكون هناك مؤشران سياسي وانتخابي لنشر هكذا أنباء”.

وذهب النائب حسين العقابي الى عدم وجود هكذا مسودة لقانون العفو العام. قائلا: إن “قانون العفو العام الذي صدر عام 2016 حصل فيه تزوير سهل عملية إطلاق سراح مئات الدواعش”. واضاف ان لجنته “ضد تشريع قانون عفو عام بالمطلق”.

مخاوف من المجرمين

ودعا الناشط المدني، أحمد علي” السلطات التشريعية في البلاد ‏الى “التأني قبل تشريع قانون العفو العام، لما فيه من تأثيرات سلبية ‏على الوضع الامني والمجتمعي العراقي”، مشدداً على ضرورة ان “لا يشمل العفو الحالي من استفاد من عفواً سابق سواء قبل او بعدة 2003”. ‏

وأضاف الناشط لـ”طريق الشعب”، ان “اعادة اطلاق سراح مجاميع ‏كانت قد ارتكبت افعال مخالفة للقانون وجرائم أمر يهدد السلم ‏المجتمعي”. ‏

وأوضح ان “هناك اشخاص في السجون هم افراد عصابات مسلحة ‏وميليشيات في حال خروجهم من السجن سيعودون الى عملهم ‏السابق مع الميليشيات”، مطالباً الاجهزة الامنية بـ”بذل المزيد ‏من الجهد لمتابعتهم قبل تنفيذ  جرائمهم”.  ‏

وذكر أن “الظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق، واكتظاظ السجون ‏بالنزلاء، وكذلك بسبب الأوضاع التي اعقبت احتلال البلاد 2003، فإن ‏الوضع يفرض المطالبة بإصدار قانون عفو عام”. ‏

عفو بسبب “الجائحة”

وكان مجلس النواب قد أصدر في العام 2016 قانون العفو العام، الذي كان يشمل كل النزلاء الذين ارتكبوا الجرائم قبل تاريخ صدور العفو، ويوجد فيه بعض الاستثناءات في بعض المواد، مثل سرقة أموال الدولة وجرائم المفرقعات وتزييف العملة وجميع الجرائم المبوبة تحت قانون مكافحة الإرهاب، وايضاً استثنى هذا العفو شمول مرتكبي جرائم الخطف وتجارة المخدرات، لأنه اشترط تنازل المدعين بالحق الشخصي، لإطلاق سراح السجناء.

أمّا المسجونون بتهم الخطف وتجارة المخدرات، فقد دفعوا مبلغاً مالياً بدلاً من تكملة بقية محكوميتهم، ثم ألغي في وقت لاحق هذا القرار، لأسباب سياسية.

اما جرائم الإرهاب فقد تم شمولها بإعادة المحاكمة في المادة التاسعة من هذا القانون، حيث اشترطت هذه المادة في إعادة المحاكمة ان يتوفر لدى النزيل اما استمارة الفحص الطبية التي تثبت وتؤكد تعرضه للتعذيب اثناء التحقيق، او ان يكون قد ألقي القبض عليه، بناءً على افادة مخبر سري، او افادة متهم اخر، فإن توفر احد هذه الشروط، يحق للنزيل طلب إعادة المحاكمة.  وأصدرت رئاسة الجمهورية العام الماضي، عفوا خاصا، كان بسبب جائحة كورونا، واكتظاظ السجون بالنزلاء، وهو يتشابه من حيث التفاصيل مع عفو عام 2016.

العفو.. مستمر؟

من جهته، قال المحامي أحمد الساعدي إن “عفو عام 2016 نافذ لمدة عامين. وكان يجب ان ينتهي بالعام 2018، لكن الظروف الخاصة اقتضت استمرار نفاذ القانون حتى الان”.

وأشار إلى ان “الطاقات الاستيعابية للسجون اقل من عدد النزلاء. كذلك ان اجراءات العفو الخاص بطيئة جداً، ويتوجب على مجلس النواب اصدار العفو”.

وبيّن أن “السجون في العراق ليست إصلاحية، انما هي مكان لصناعة المجرمين ومدمني المخدرات”.

ورأى الساعدي أن “المسجونين بأحكام بسيطة يجب أن يخرجوا بهذا العفو، لأن استمرارهم سوف يحولهم الى مجرمين في المستقبل”. 

واستدرك قائلاً: ان “كثرة اصدار قوانين عفو عام بين حين واخر قد يجعل الكثير من المجرمين وخارقي القانون، يواصلون اجرامهم”.

ونبه الساعدي الى ضرورة “عدم شمول المستفيدين من قوانين العفو السابقة، من قانون العفو القادم، كما ورد في قانون سنة 2016”. 

اعتقالات عشوائية

وقال باحث اجتماعي في احد السجون في بغداد لـ”طريق الشعب”، ان السجون بحاجة الى “عفو عام”، زاعما أن كثيرا من السجناء “محكومون وفقا للمادة 4 إرهاب، فيما جرى اعتقالهم بشكل عشوائي”.

وأضاف المتحدث ـ الذي طلب حجب اسمه ـ ان “الاعتقالات كانت تتم بطرق عشوائية من دون أوامر قضائية، عندما كانت البلاد تعاني من مشاكل طائفية، ففي حينها كانت الاعتقالات تجري وفقا لاجتهادات شخصية”.  وقال المصدر، انه في العام 2012، “دشنت الحكومة حملة أمنية، قبل شهر من عقد القمة العربية”، مضيفا ان “قوات الأمن داهمت في يحنها “منازل كثيرة واعتقلت شبانا من الشوارع بطرق عشوائية، ونتج عن الحملة اعتقال 1500 شخص خلال أسبوعين، كلهم تعرضوا الى تعذيب، واعترفوا بقضايا إرهابية لم يرتكبونها”.  وأضاف أن “القضية الأخرى التي تدعو الناس للمطالبة بالعفو العام، هي ان القانون العراقي في بعض الأحيان يعتمد في توجيه التهم على المخبر السري الذي يتصرف وفق مصالحه الشخصية، وغالباً ما يكون فاقداً للمهنية”.  هذا وأجرت “طريق الشعب”، عددا من الاتصالات الى بعض القضاة الذين رفض جميعهم الادلاء بأية آراء بشأن الموضوع.

“واسطاتكم”

وأصدر مجلس القضاء الأعلى، الشهر الماضي، توضيحاً بشأن طلبات إعادة التحقيق أو المحاكمة.

وقال المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى في بيان طالعته “طريق الشعب” إن “طلبات اعادة التحقيق او المحاكمة بموجب أحكام المادة (9) من قانون العفو رقم 27 لسنة 2016 يجب تقديمها الى اللجنة المركزية المختصة بتطبيق القانون مباشرة وليس من اختصاص مكتب رئيس مجلس القضاء الأعلى أو محكمة التمييز”.

واضاف ان “الاجراءات الادارية الخاصة بتلقّي تلك الطلبات تستوجب تسديد رسم حسب القانون والجهة التي تستوفي هذه الرسوم هي اللجنة المركزية المذكورة”، مشيراً الى أنه “اقتضت ملاحظة عدم مفاتحة او مراجعة مقر مجلس القضاء الأعلى أو محكمة التمييز بخصوص هذه الطلبات، خاصة بعد ملاحظة كثرة ترويج هذه الطلبات من قبل بعض السياسيين ولأغراض انتخابية، الأمر الذي يثقل كاهل الجهات الادارية في مقر مجلس القضاء الاعلى ومحكمة التمييز الاتحاد”.

وتعقيبا على بيان المجلس، دعا الخبير القانوني طارق حرب، القوى السياسية والاحزاب الى تجنيب “مجلس القضاء ومحكمة التمييز (وساطاتكم)”، محذرا من أن بانتهاء الدورة الانتخابية الحالي “سيكون الحساب القضائي”.