اخر الاخبار

تستعد أسواق النفط العالمية لبعض الرياح المعاكسة والتحديات الخطيرة في عام 2024، حيث يتوقع حدوث ركود كبير وتباطؤ عميق في الاقتصاديات الكبرى في العالم، مما يجعل الطلب على النفط الخام أقل من المتوقع، مهدداً بإنخفاض اسعاره.

حدث في 2023

لقد شهدت أسواق النفط في العام الماضي تغيرات طفيفة، رغم قيام منظمة أوبك بلس، بإجراء تخفيضات في الإنتاج، حيث أعلنت في نيسان الماضي عن خفض قدره 1.65 مليون برميل يوميًا، مستكملة ما كانت قررته في تشرين الأول 2022، من خفض إجمالي قدره 3.66 برميل يومياً، أو ما يعادل 3 بالمائة من الطلب العالمي على النفط. ثم تطوعت السعودية، العضو الفاعل في منظمة أوبك وواحدة من أكبر ثلاثة منتجين للنفط في العالم، بخفض مليون برميل اضافي يومياً اعتباراً من حزيران الماضي، بهدف دعم الاستقرار والنمو.

وفي نهاية تشرين الثاني، خيبت أوبك بلس آمال المضاربين بشكل كبير، عندما أعلن عدد قليل فقط من المنتجين في المجموعة عن تخفيضات طوعية في الإنتاج. وفي الإعلان الصادر بعد اجتماعها، قالت المنظمة، إنها قررت خفض الإنتاج بما مجموعه 11 مليون برميل يوميا في الربع الأول من العام القادم لدعم الأسعار، فيما مددت السعودية، قرارها الطوعي بخفض الإنتاج حتى نهاية الربع الأول من العام، وقررت روسيا أيضاً تقليص انتاجها بمقدار نصف مليون برميل يومياً حتى نهاية اذار.

وعلى العكس من ذلك، التزمت ست دول من أعضاء أوبك بلس، بدرجات أقل من خفض الإنتاج خلال هذه الفترة، حيث سيخفض العراق انتاجه بمقدار 220.000 برميل في اليوم، والإمارات العربية المتحدة بمقدار 163.000 برميل في اليوم، والكويت بمقدار 135.000 برميل يوميًا، فيما ستخفض عُمان وكازاخستان والجزائر بمقدار 42، 82، 51 ألف برميل يومياً على التوالي.

وعلى أية حال، بلغت أسعار النفط ذروتها عند 97 دولارًا، بزيادة قدرها 25 بالمائة منذ حزيران الماضي، رغم تواضع التخفيضات والتأثير الإيجابي لحرب غزة على السعر. ويعود السبب في التأثير المحدود على الأسعار لتباطؤ التعافي الاقتصادي في الصين وتسجيل الدول الأوروبية تباطؤاً مماثلاً، حيث انخفض طلب المانيا على النفط بمقدار 90 ألف برميل يوميًا، وشهد النشاط التصنيعي في الولايات المتحدة تراجعاً للشهر الثالث عشر على التوالي.

سيحدث في 2024

تشير التوقعات إلى حدوث وفرة في العرض في العام المقبل بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي جنبًا إلى جنب مع ارتفاع الإنتاج من الولايات المتحدة، والذي وصل مؤخرًا إلى أعلى مستوياته عند 13.24 مليون برميل يوميًا. علاوة على ذلك، ستبقى أسواق البرازيل وغويانا والنرويج وكندا متخمة بما يكفي من النفط.

إلاّ أن وكالة الطاقة الدولية، لها رأي آخر، حيث توقعت في تقريرها الأخير، ارتفاع الطلب العالمي على النفط في العام المقبل، قائلة بأن استهلاك العالم من النفط سيزداد بمقدار 1.1 مليون برميل يوميا في عام 2024، فيما ترى الوكالة بأن الإنتاج سيزداد بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا، وهو رقم أقل من توقعات أوبك المحصورة بزيادة قدرها 2.25 مليون برميل يوميًا.

وفيما يتعلق بالسعر، يتوقع بعض الخبراء، أن يكون بحدود 60 إلى 65 دولارًا، في وقت رفع فيه بنك جولدمان ساكس توقعاته، فأشار إلى أن متوسط السعر سيتراوح بين 80 و85 دولارًا، وهو سعر مقارب لتوقعات وكالة الطاقة الدولية، التي رأت بأن سعر خام برنت سيصل إلى 82.57 دولارًا للبرميل الواحد. وتبقى توقعات بنك باركليز هي الأعلى حتى الآن، حيث كانت بحدود 93 دولارًا للبرميل، وبما يقارب 8 دولارات أعلى من توقعات ستاندرد آند بورز جلوبال.

وعموماً تبقى توقعات أسعار النفط لعام 2024 مرتهنة لحالة الاقتصاد العالمي، حيث أن الطلب على النفط مرادف للنشاط الاقتصادي. ومع دخولنا عام 2024، لا تبدو المؤشرات الاقتصادية العالمية قوية للغاية، ولا تزال احتمالات الركود مرتفعة، على الرغم من الإشارات إلى تراجع معتدل. 

كما يبقى النفط الخام، السلعة الأكثر أهمية استراتيجية في العالم، حيث هناك أكثر من 4000 منتج ثانوي للنفط، مما يجعل لأسعاره تأثيراً على جميع قطاعات الاقتصاد تقريبًا، كتكاليف النقل وأسعار السلع والطاقة وبالتالي على مستويات التضخم التي تؤدي إلى تراجع القوة الشرائية للمستهلكين.

اوبك بلس، لاعب رئيسي

رغم أن نتائج الاجتماع الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وكبار المنتجين من خارج الكتلة (مجموعة أوبك بلس) أظهرت خلافات داخل هذه المجموعة حول خطة خفض الإنتاج في الفترة المقبلة، فإن معظم الخبراء يعتقدون بأن هذه المنظمة، التي تستحوذ على 60 بالمائة من إنتاج النفط العالمي، ستبقى اللاعب الرئيسي في السوق، وسيعتمد اتجاه تقلب أسعار «الذهب الأسود» إلى حد كبير على قراراتها.

ويشير كثير من المراقبين إلى أن المنظمة، ورغم الخلافات غير القليلة داخلها حول خطط الإنتاج، والتي قد تنذر بعدم الوصول لقرار توافقي في العام القادم، ستعمد إلى المحافظة على الأسعار حتى لو لم يُّخفض الإنتاج، وذلك لتزايد النقاط العسكرية الساخنة في أوروبا والشرق الأوسط، المصدر الرئيسي لإمدادات النفط العالمية. ويبدو أن هذا هو السبب وراء توقعات مجموعة إستراتيجية الاستثمار (ISG) التابعة لـ Goldman Sachs حول بقاء أسعار النفط متقلباً بين 70 و100 دولار للبرميل الواحد طيلة عام 2024، لاسيما إذا تواصل العدوان على غزة.

النفط العراقي

في تصريح ملفت، ذكر وزير النفط العراقي، عن نية بلاده رفع قدرتها الإنتاجية من النفط الخام إلى ستة ملايين برميل يوميا خلال عام 2024 مقارنة مع أربعة ملايين برميل حالياً، وذلك لتنفيذ متطلبات الخطة الخمسية والوصول إلى الاكتفاء الذاتي بالنفط المكرر وإيقاف استيراده. وإذا ما حافظت اسعار النفط على مستوياتها المتوقعة ولم تشهد انخفاضاً، فإن دخل البلاد السنوي من النفط سيتجاوز 170 مليار دولار، في حالة تمكن العراق من تنفيذ ما صرح به وزير النفط. هذا ولم يكن واضحاً حتى الأن كيف سيتسق ذلك مع جدول إنتاج النفط لدول أوبك بلس، الذي حدد حصة العراق لعام 2024 بمقدار 4.431 مليون برميل يومياً.

حكمة

وأخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن الخبراء ينصحون بضبط الإنتاج دورياً لتجنب انخفاض الأسعار، إذا ما تباطأ النمو وحدث ركود أكبر في الاقتصاد الأمريكي، وهو أمر محتمل جداً، وهو ما دفع ربما، أوبك بلس إلى قرارات حكيمة، لتجنبها المجازفات.