اخر الاخبار

دأبت القوى السياسية المتحكمة بالسلطة منذ عقدين على شراء الولاءات عبر الوظائف الحكومية، مستغلة معاناة الشباب وحاجاتهم، بدل ان تجد حلولاً حقيقية وناجعة، تنهي مسلسل الفقر والبطالة الذي يعصف بهم. وتوغلت هذه القوى في هذه السياسة في سنوات الانتخابات، لتحقيق اكبر عدد ممكن من الاصوات الانتخابية، في تخادم زبائني، لا علاقة له بالتأييد الجماهيري، بل بتحقيق مصالح سياسية ضيّقة على حساب معاناة الناس.

من المسؤول؟

وبات معروفاً اليوم، أنه مع كل احتجاجات جماهيرية، يطالب فيها الشباب بفرص عمل، يسارع المتنفذون الذين يديرون شؤون البلاد، إلى إطلاق مجموعة من التعيينات لتخدير الشارع، في حل ترقيعي وحيد، اعتمدته الحكومات المتعاقبة لإدارة الازمات في البلاد، دون أن تعمل على بناء اقتصاد قوي، يفرز سوق عمل حقيقي، يستوعب مئات الآلاف من العاطلين، ومنهم نصف مليون خريج سنوياً.

وللمستشار المالي لرئيس الوزراء، د. مظهر محمد صالح، رأي بهذا الصدد، حيث يقول إن سبب المشكلة يكمن في المحاصصة «التي ولدت وظائف للمتحاصصين، تزيد على ثلاثة أضعاف أو أكثر عن حاجة البلاد. إنها نتيجة طبيعية لتوزيع المصالح بين الكتل السياسية، سواء على مستوى الطوائف ام القوميات، ما أدى إلى تراكم هذه الاعداد الكبيرة غير المنتجة».

ويشير د. صالح في حديثه مع «طريق الشعب»، إلى أن «النظام السياسي الذي فرض هذه الطريقة، أثقل كاهل الدولة بنفقات تشغيلية تصل إلى 75 في المائة من الانفاق الكلي، حتى باتت الأجور والمرتبات والمعاشات والتقاعدات، أقرب إلى الدعم والرعاية الاجتماعية».

وأضاف، أن «الدولة أمام خيار جديد، يتمثل في الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، مع إعطاء ضمانات للعاملين، كالتقاعد وعدم التسريح، لأن ذلك سيفتح الأفق للعمل المنتج، وتتحول الأوضاع من الرعاية الاجتماعية إلى الانتاج، أي استغلال العمل، للإنتاج وليس لأغراض الرعاية».

ولفت إلى أن «البلد وصل إلى حد لا يسّر، بينما الرؤية الاقتصادية الصحيحة تتمثل في الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، وهذه الشراكة تتطلب اقتصادات كفوءة رابحة غير خاسرة، وتعمل بكفاءة وانتاجية عالية».

ولفت إلى أن التوجه الحكومي الحالي يتلخص في «تأسيس صندوق العراق للتنمية الاقتصادية، والذي يمثل جزءًا من هذه الشراكة، إضافة إلى تشييد طريق التنمية الكبير، وخلق شراكة في الصناعة التحويلية، اي شراكات لإقامة صناعات جديدة».

ستستمر المزايدات

من جانبه، قال عضو اللجنة المالية النيابية، جمال كوجر، إن هناك «ترهلا وظيفيا وتكديسا للملايين من موظفي الدولة، حتى وصلنا إلى مرحلة، صارت فيها كل الحلول شبه مستحيلة»، مؤكدا إن «هناك خيارين متبقيين أمام الدولة، الأول هو التدقيق بمتعددي ومزدوجي الرواتب والفضائيين. والثاني هو الشراكة مع القطاع الخاص وترحيل بعض الشركات الحكومية بموظفيها إلى هذا القطاع، ولا توجد حلول اخرى».

وتابع، أن «سياسة الإغراق الوظيفي مستمرة منذ التغيير وفي كل الحكومات وحتى الآن، وستستمر في ظل وجود الانتخابات والعرف السياسي السائد، واستمرار نفس السياسيين في الحكم. هذه المزايدات ستبقى، واي كلام عن تقليلها يبدو كلاماً فارغاً».

ووصف كوجر هذه السياسة بكونها «مقامرة بمستقبل العراق، فانخفاض اسعار النفط، يمكن أن يؤدي إلى افلاس دولة كالكويت، بسبب كثرة التزاماتها في الموازنة التشغيلية، ويمكن ان يصل عجز الحكومة العراقية لمليارات الدولارات حينها»، مبيناً ان «قيمة موازنتنا التشغيلية بلغت أكثر من 70 ترليون دينار، يذهب ما قيمته 60 ترليون دينار منها إلى الرواتب والالتزامات الشهرية، وهو شيء مخيف. ان عدد موظفي الدولة العراقية يوازي ما موجود في خمس دول اوروبية مجتمعة».

وخلص كوجر إلى القول إن «للبرلمان دورا سلبيا في هذا الجانب، فالحكومة اوقفت التعيينات في موازنة 2023، لكن البرلمان اجبرها على تعيين 175 ألف مواطن في درجات وظيفية جديدة».

ما العمل؟

أما الخبير الاقتصادي، صالح الهماش، فيشير إلى ان «النظام السياسي خلق صورة في سوق العمل العراقي وعند الشباب، مفادها أن الوظيفة الحكومية هي الأكثر أماناً والأفضل، بغض النظر عن الرواتب التي يتقاضونها، وحتى لو كانت هناك أجور أفضل بقليل في القطاع الخاص، فسيفضل الشاب الوظيفة الحكومية بسبب الامتيازات، التي لا توفرها وظيفة القطاع الخاص، كالحماية والتأمين والضمان الاجتماعي وغياب قانون عمل واضح».

ونبه الخبير الهماشي في حديثه مع «طريق الشعب» إلى أن «النظام السياسي واصل سياسة التوظيف لأغراض سياسية، ليحشد من خلالها الاصوات والتأييد لجهات سياسية. وهذا ينطبق على الحكومة الحالية، التي أطلقت ايضاً وظائف بهدف اجتماعي وسياسي غير اقتصادي، وأبقى ذلك سوق العمل العراقي متشعبا، ويخلق كسلا لدى الشاب الذي يطمح فقط للتعيين الحكومي».

 واشار إلى أن «الشاب اليوم يدفع اموالاً طائلة لمسؤولين بالدولة ليحصل على توظيف. وقد يكلف تعيين شرطي في وزارة الداخلية، عشرة آلاف دولار. ويكلف التوظيف في وزارات أخرى 25 ألف دولار، وتتراوح كلفة الحصول على عقد عمل بين 5 و6 الاف دولار».

ورهن الخبير الهماش الحلول بتشريع «قانون عمل واقعي يضمن حقوق العامل ويحقق الضمان الاجتماعي بشكل واضح وغير روتيني او معقد»، مؤكداً أن غياب القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية عن النشاط الحقيقي يسبب كل هذه البطالة وهو «ما يتطلب من الحكومة ان تنظر اليه بجدية أكبر، وأن تقوم بجذب الاستثمارات لتفعيل هذه القطاعات».